سوبرانو
أحمد دندش
الامكانيات…(تدليع) الفشل.!
فنانو (الظل) تحت (شمس الحقائق).!
(اغتيال) اغنيات النور الجيلاني.!
حتى ذلك الممثل الشاب الذي لم تتعدَ سنوات اختراقه للمجال أصابع اليد الواحدة، يجيبك بحسرة بعد أن تسأله عن سبب تراجع درامتنا، ويقول: (والله يا أستاذ الإمكانيات)، ولعل مصطلح (الإمكانيات) ذاك، قد أصبح اليوم الرد الرسمي لكل تخصص (فاشل) في بلادي، وصار شماعة من لا شماعة له، حتى أننا صرنا وحتى في الحوارات الصحفية التي نجريها مع الفنانين والممثلين نتحاشى أن نسألهم عن سبب تراجع درامتنا وفنوننا عن السابق، لأن الإجابة ستكون مباشرة وبدون (حياء): الإمكانيات.!
ومع إيماننا التام واعترافنا المباشر بأن للإمكانيات دور في تطور أي عمل، لكننا لابد ألا ننسى أنها مجرد عنصر ضمن عناصر عديدة، بحيث لايمكن أن نلخص كل القضية في عنصر واحد، فمثلاً الدراما في السودان ظلت لسنوات (محيرة للعدو والصديق)، وظل حالها يغني عن السؤال، وظللنا بالمقابل طوال سنوات ننادي بضرورة الجلوس وعقد ورشات عمل (جادة) بعيداً عن تلك الورشات (الوهمية) ذات الطابع البرجوازي، ومناقشة أهل الدراما (الحقيقيين) في المشاكل التى تواجههم بكل صدق دون الحاجة للاستعانة بـ(المسكنات) وضرورة إجراء عملية جراحية عاجلة لاستئصال (زائدة الفشل الدودوية) التى تلتف حول تلك الجزئية، وهي خطوة لا أظن أنها تحتاج (لإمكانيات)، يكفي فقط أن يتم عمل (شيرنق) لشراء عدد من المعلبات للضيوف.!..ولا أظن أن تلك المعلبات كانت تحتاج (لإمكانيات) لشرائها من أي بقالة مجاورة.!
بصراحة أكثر…لقد سئمنا ومللنا وطفح كيل صبرنا من تلك الشماعة التي يتحفنا بها الجميع لسنوات وسنوات، والتي صارت كذلك تنتقل للأجيال جيلاً بعد جيل، لتؤسس لفرضية جديدة تقوم بـ(تدليع الفشل) من خلال إيجاد الأعذار الواهية والبحث عن أي مبررات لاتخرج غالباً عن ملكوكة الألسن (الإمكانيات).
اخيراً…سمعنا أن الإمكانيات يمكن أن تساهم في تأجيل الزواج لكنها لا تلغيه وسمعنا بأن الإمكانيات يمكن أن تصيب المشاريع بالتوقف لفترة ومن ثم تعود للعمل، لكننا لم نسمع على الإطلاق بـ(فشل) يتم نعت أسبابه للإمكانيات، خصوصاً إن كان ذلك الفشل في مجال (إبداعي).!
/////////////////
(المعاناة تولد الابداع)…اكذوبة كبيرة.!
تصيبني الكثير من الأمثلة والحكم القديمة بحالة من الدهشة، خصوصاً إن جئت لتقارنها بالواقع الذي نعيش فيه، مثلاً هنالك حكمة تقول: (المعاناة تولد الابداع)، وهي حكمة أو مقولة لا أظن أنها جاورت ولو 1% من الصواب، فكيف تولد معاناة إبداعاً..؟
كيف يستطيع انسان لا يملك (حق الرغيف) في أن يبتكر لنا شيئاً مبدعاً..؟ وكيف يمكن لمخترع أن يفكر وعقله مشغولاً بتدبير حق (الولادة) وقروش الإيجار..؟
بل كيف يمكن لشاعر أن يبدع ويكتب لنا قصيدة وهو يزاحم وسط جموع المواطنين للظفر بمقعد في مركبة عامة وافق سائقها على حمل الركاب بعد (تحانيس)..؟
وكيف يستطيع موظف أن يبدع في عمله ومؤسسته (المحترمة) تمنحه راتباً هزيلاً (بعد خصم التأمين والدمغات وضريبة الدخل الشخصي)..؟
وكيف نحلم أخيراً بساحة فنية نظيفة ومبدعة في ظل معاناتنا مع الفنانة (علوية جركانات) ورفيقة دربها (مريم بلنجات)..؟…والحال مع المفردات القديمة هو ذات الحال مع تضاد الحِكم والأمثلة في الواقع المرير.!
وفي زمان جميل كانت النساء تطلق على الرجل ألقاباً ذات أبعاد جميلة من ضمنها (شيال التقيلة) و(قشاش دموع الببكن) و(عشاء البايتات) وغيرها، أما الآن فقد أصبحت ألسنة النساء تلوك مفردة واحدة وهي: (سجمي يايمة الرجال ماتوا في كرري)…وذلك ضمن اعتراف صريح بأن كل تلك المسميات السابقة انتهت بنهاية ذلك الزمان، وبحلول زمان جديد صار فيه (شيال التقيلة) لا يملك (العضلات) الكافية لممارسة تلك الجزئية.!
كذلك حال المفردات مع النساء، فقديماً كان الشعراء يصوغون اللحن والكلمة من وحي الخيال، دون أن يشاهدوا المرأة وجهاً لوجه، ويعتمدون على صورة ذهنية مسبقة تحتوي على الكثير من رحيق العادات والتقاليد والجمال الطبيعي الذي لم يعرف له (الفير آن لفي) طريق وجه، فظهرت مفردات وعبارات على شاكلة: (حبيبي ما بجيب اسمو…بخاف الهواء يقسمو) و(حاول يخفي نفسو وهل يخفى القمر في سماهو)، و(ضامر قوامك لان قلبك قسى وجافيت الصيد يا جدي الغزلان)، و(الرشيم الاخدر في الخديد الانضر هم سبب آلامي)، وأغنيات ومفردات عديدة، واليوم وبعد أن بانت المحبوبة وظهرت بكافة تفاصيلها للعيان، غابت تلك الأغنيات وحلت مكانها أغنيات على شاكلة: (قالوا احتمال تنفجر…بقيف معاك والله انا مابجر).!…عجبي.!
/////////////////
فنانو (الظل) تحت (شمس الحقائق).!
في فترة الستينات والسبعينات، كانت الساحة الفنية تشهد صراعاً كبيراً بين الفنانين السودانيين، حيث كان الجمهور آنذاك يمنح اذنه لمن يقنعه بأغنياته وادائه، ولم يكن لـ(المجاملة) حضور آنذاك، فيما كانت منابر الإعلام ضئيلة جداً مقارنة بالعصر الحالي، الامر الذى اسهم في إشتداد المنافسة بين اولئك الفنانين من اجل حجز مقعد لهم وسط تلك المنابر الاعلامية وإيصال اغنياتهم للجمهور.
لاحقاً، تغير الزمان، وبالتالي تغيرت الساحة الفنية نفسها، فيما حدث إختلال في موازين الكثير من ثوابتها، اضافة الى ظهور اعداد هائلة من الفنانين قابلها على الشط الآخر إزدياد منابر الإعلام ودخول (الميديا)، الشئ الذى جعل المنتوج الفني غزيراً للغاية، مما اربك حسابات الجمهور السوداني نفسه وجعله غير قادر على التركيز في مايقدم من اغنيات، تلك الجزئية التى استغلها بعض الفنانين الجدد وفضلوا ان يجعلوا ذلك الجمهور قادراً على التركيز مع مايؤدون من اغنيات عبر اللجؤ الى خيار (إثارة الجدل) او ماعرف مؤخراً بـ(الغناء الهابط).
عبر هذه المساحة، لست بصدد الحديث عن الغناء الهابط، بل عن (فناني الظل) تلك الشريحة من الفنانين التى ظهرت مؤخراً، وظلت في ازدياد رهيب كل صباح.
وقبل الحديث عن (فناني الظل) انفسهم علينا ان نقدم تعريفاً موجزاً للقارئ الكريم عن ماهية (فنان الظل)، وهو بإختصار ذلك الفنان الذى يفشل في مجاراة ابناء جيله، ويختار البقاء في الساحة الفنية (كامناً) لحين ميسرة، او لحين إعتزال، لافرق.
في فترة الستينات والسبعينات، لم يعرف الجمهور لـ(فناني الظل) سبيلاً، وذلك للاسباب التى ذكرناها اعلاه، الى جانب ظهور اولئك الفنانين كل بلونية مختلفة الامر الذى اسهم في منح كل منهم مايميزه عن غيره، لذلك لم يكن هناك اي ظهور لـ(فنان ظل) في تلك الفترة.
اليوم، ومع الاسف الشديد، باتت الساحة الفنية في السودان تعجّ بـ(فناني الظل)، وذلك بعد ان اصبح الغناء (مهنة من لامهنة له)، وبات هو الوسيلة الامثل للعبور من نفق الفقر والظروف الاقتصادية الى مصاف (النعيم) والنجومية، الامر الذى دفع مئات الشباب لاقتحام الساحة الفنية لتحقيق ذلك الهدف عبر (الغناء)، حيث لم يكلف الكثير منهم عناء تقديم انفسهم بصورة مختلفة للجمهور، وعملوا على تقليد تجارب العديد من الفنانين الذين سبقوهم، في محاولة منهم لكسب الوقت لتحقيق اسم فني سريع يجلب لهم (المال)، في حين ان الصورة قديماً كانت تختلف، فالفنان كان يلجّ الى الساحة الفنية لإغراض إشباع الارواح بالفن ويعمل على دعم ذلك بالجد والمثابرة والتنقيب عن النصوص الجديدة والالحان المميزة، فيما كانت المكاسب المادية عبر الغناء هي آخر اهتماماتهم وذلك ماتؤكد عليه المهن التى كان يمتهنها عمالقة الغناء في السودان والتى كانت بعيدة كل البعد عن الفن، مما يؤكد ان ولوجهم للوسط الفني لم يكن اطلاقاً بدافع البحث عن المكسب المادي.
لدينا في الساحة الفنية اليوم عشرات النماذج لفناني (الظل)، وهم يعرفون انفسهم جيداً، ولايحتاجون منا الى (توضيح بالاسم)، يكفي ان يقف كل واحد منهم تحت (شمس الحقائق) ليستبين (ظله).!
///////////////////
(اغتيال) اغنيات النور الجيلاني.!
اندهشت جداً وانا اشاهد خلال السنوات الاخيرة عملية (اغتيال) منظمة لاغنيات الفنان الكبير النور الجيلاني من قبل بعض الفنانين الشباب، وفي مقدمتها اغنيات مثل (جوبا، كدراوية، العصفور)، واقول (الاغتصاب) لأنه المعنى الحقيقي لما يحدث، والوصف الاوفر مماثلة.
للاسف، مهرجان (اغتيال) اغنيات النور الجيلاني بدأ منذ استضافته في احد نسخ برنامج (اغاني واغاني) قبل سنوات، حيث ردد عدد من الفنانين الشباب تلك الاغنيات كنوع من الوفاء والتقدير للنور، قبل ان يتأبطوا تلك الاغنيات ويرددونها في الحفلات العامة والخاصة بهم.!
انا لست ضد ترديد الفنانين الشباب لاغنيات الغير من باب الوفاء، لكنني ضد ترديد الشباب لاغنيات الغير من اجل التكسب وزيادة حجم الجمهور، وهذا ماظللت اتابعه مؤخراً وبدهشة كبيرة فيما يتعلق باغنيات النور.!
////////////////
من طرائف الوسط الفني…
شاعر شاب يشترط وجود (نزار قباني) ضمن لجنة النصوص.!
قبل سنوات حكى لي (شاعر العيون)- كما يطلق عليه- عبد الله النجيب أنه فوجىء خلال عمله كأحد مقرري لجنة النصوص بالكثير من النصوص (الباهتة) التي تعرض عليهم لإجازتها، وأضاف: (خلال عملي بلجنة النصوص اطلعت على نصوص شعرية فضائحية بكل ماتحمل الكلمة من معنى، وذلك امر مؤسف للغاية، وتحدث النجيب عن الجيل الجديد من الشعراء الشباب، مؤكداً أنه لم يلفت انتباهه أياً منهم، واصفاً إياهم بـ(الكسولين) وغير الراغبين في تطوير أنفسهم)، واضاف: (عندما نجلس مع شاعر شاب أثناء إجازة نصوصه نسأله هل يقرأ كتب أو يطلع على أي دواوين عالمية أو عربية أو حتى سودانية، لنتفاجأ دوماً بمعظمهم والذين لايجدون أي غضاضة في الاعتراف بعدم قيامهم بقراءة كتاب واحد)، وواصل النجيب: (كيف تكون شاعر وانت لاتقرأ ؟)…كما تطرق شاعر العيون أيضاً إلى بعض أسماء شعراء شباب مثيرين للجدل منهم شاعر رفض المثول أمام لجنة النصوص لإجازة مايكتب، وعندما سئل عن ذلك، قال بأن اللجنة ليس بها نزار قباني حتى يكلف نفسه عناء الجلوس أمامها.!…وزاد النجيب: (الفاجعة أن ذلك الشاب عندما قال هذا الحديث كان رئيس لجنة النصوص هو الراحل مصطفى سند).!
////////////////
عصمت بكري…ماذا يريد.!؟
بالرغم من ان الكثيرون اشادوا بصوته في وقت سابق، الا ان الفنان الشاب عصمت بكري لايزال غير قادر على فرض تجربته الفنية في الساحة، ولم يستطع على الاطلاق الاستفادة من الفرص المتعددة التى اتيحت له في اوقات متقاربة للانتقال بتجربته الى مصاف اكثر بريقاً، ويؤكد عدد كبير من المهتمين بالوسط الفني ان عصمت فنان شاب يرجى منه الكثير لكنه يحتاج وبشدة الى دليل والى بوصلة تنجح في قيادته للطريق الصحيح وللمكان الذى يفترض ان يكون فيه.
//////////////////
سارة كشان…صوت شعري نسائي مظلوم.!
تعتبر الشاعرة سارة كشان من اميز الاصوات الشعرية النسائية في السودان، اضافة الى انها تمتلك طموحاً كبيراً وتسعى وبكل جهدها لتحقيق اهدافها التي تخطط لها بعناية، فقط، عليها ان تنشط اكثر فيما يتعلق بالتعاون مع الفنانين الشباب وان تقوم بمنحهم بعض قصائدها للتغني بها.
///////////////////