مبادرة مجتمعية اطلقتها الصحفية “سهير عبد الرحيم”..
وصلني..طلاب الشهادة “في أمان”..
تقرير:إسماعيل جبريل تيسو
تعميق للروح المجتمعية، وتأكيد على تكاتف الوطن في وجه المحن..
اهتمام مجتمعي بالتعليم كأولوية يحتاجها مستقبل السودان..
لليوم الرابع يواصل الطلاب السودانيون بمختلف مساقاتهم، رحلة الجلوس لامتحانات الشهادة الثانوية السودانية المؤجلة للعام 2024م في مختلف المراكز المخصصة للطلاب داخل وخارج السودان، ومع كل يوم يقدم المجتمع السوداني مبادرةً تؤكد أن مكانة الشهادة الثانوية في الوجدان، أكبر من مجرد امتحان، عطفاً على الطقوس التي ترافقه والمتمثلة في الدعم والإسناد، والدعاء المصحوب بالقلق والترقب داخل كل بيت يخرج منه طالب في طريقه للامتحان، وفي هذا الطريق يتولَّى أصحاب الهمم من السودانيين مهمة توصيل الطلاب في مبادرة اجتماعية تنطلق من الوعي الحاضر للضمير الإنساني، والقيمة الدافعة للواجب الوطني.
روح وتكاتف مجتمعي:
وفي مشهد يعكس عمق الروح المجتمعية وتكاتف السودانيين وتعاضدهم في وجه المحن، بادرت بعض الجهات إلى تنظيم حملات لتوصيل طلاب الشهادة الثانوية إلى مراكز امتحاناتهم في عدد من ولايات السودان، انطلاقاً من العاصمة الخرطوم التي عانت خلال الحرب أوضاعاً أمنية أو إنسانية صعبة، وعلى الرغم من أن البعض يرى في مبادرة توصيل الطلاب الممتحنين، مجرد ” خدمة لوجستية ” في ظاهرها، إلا أن المبادرة تحمل بين طيّاتها دلالات إنسانية وقيم وطنية عميقة، لما تشكله من مساهمة واضحة في تطمين الطلاب وأسرهم في لحظة فارقة من حياتهم، وتعزز في الوقت نفسه حالةً من الشعور بالرعاية والدفء والأمان والانتماء وسط واقع يموج بعديد التحديات، وتتقاذفه الكثير من الصعوبات.
التقاط الفكرة:
ولعل اللافت في مبادرة توصيل طلاب الشهادة الثانوية في هذا العام، هو التقاط الفكرة من قبل بعض المؤسسات الوطنية التي دخلت ميدان “مبادرة وصلني” كالقوات النظامية، والأجهزة الأمنية وبعض حركات الكفاح المسلح، بالإضافة إلى القوات المسلحة، وهو أمرٌ يشكِّل وبحسب مراقبين تجسيداً حيَّاً للتكافل الوطني باعتبار أن هذه المؤسسات ذات الطابع العسكري ورغم انشغالها بالمهام القتالية والأمنية، فهي لا تزال تحمل في داخلها حساً مجتمعياً عالياً، وتدرك أن المعركة لا تُخاض فقط بالبندقية، بل بخدمة المواطنين ودعم الأجيال الجديدة حتى في أحلك الظروف، خاصة وأن حرب الخامس عشر من أبريل 2023م قد ألقت بظلال سلبية على انهيار البنى التحتية، وتراجع خدمات النقل العام، لتكون هذه المبادرة بمثابة بديل عملي يقدمه الجيش والأمن وحركات الكفاح المسلح في أداء وظيفة الدولة في مناطق تعذّر فيها الوصول الرسمي.
وصلني:
“ووصلني” مبادرة مجتمعية انطلقت صرختها الأولى في العام 2020م عقب جائحة كورونا بفكرة الأستاذة الصحفية سهير عبد الرحيم، وقد هدفت المبادرة إلى ترحيل الطلاب في مرحلتي الأساس والثانوي مجاناً إلى مراكز امتحاناتهم ترسيخاً لمبدأ الشعار الذي طرحته المبادرة ” لا تدفع لنا مالاً … رحّل لنا طالباً ” وقد حققت مبادرة وصلني نجاحات مبهرة بالتعاون والتنسيق المحكم بين شركائها الوطنيين من مؤسسات قطاع عام وخاص، وإعلاميين، وفئات مختلفة من المجتمع السوداني، ويقول لسان التجربة إن انطلاقة مبادرة وصلني قد بدأت بولاية الخرطوم ولكنها سرعان ما انتقلت لتشمل ولايات معظم ولايات السودان، وامتدت يد المبادرة إلى مدارس جبل قنا في منطقة الفَشَقَة على الحدودية الشرقية مع أثيوبيا.
النسخة السابعة:
وتعرب الأستاذة سهير عبد الرحيم عن سعادتها بدخول “مبادرة وصلني” عامها السابع، والتقاط بعض القوات النظامية ومؤسسات الدولة للفكرة وتفاعل القطاع العام والخاص وتجاوبه مع الفكرة، وقالت في إفادتها للكرامة إن هذا ليس بغريب على الشعب السوداني الذي تعود على مد يد العون للآخر، مبينة أن المبادرة تنطلق هذا العام في جمهورية مصر العربية، بالإضافة إلى السودان في ولايتي كسلا ونهر النيل حيث تتخذ ثلاث مسارات في كلا الولايتين، متوقعة أن تغطي المبادرة عدد 18مركزاً للامتحانات، ونوهت الأستاذة سهير إلى منظمة “خطوة عشم” الطوعية والتي قالت إنها تقف خلف مبادرة وصلني، مشيدة بالمنظمة وعضويتها المثابرة داخل وخارج السودان، مبينة أن منظمة “خطوة عشم” تستهدف دعم المجتمعات وليس الأفراد، وتقدم مساعداتها للمجتمعات وليس للأشخاص من خلال كوادرها الذين يعملون بتطوع كامل دون رواتب، أو حتى بنود صرف إدارية وخدمية وفنية وتقنية، وأكدت الأستاذة سهير عبد الرحيم أن الحاجة إلى مبادرة وصلني الآن أصبحت أكثر من اي وقت مضى، في ظل الظروف السيئة التي يكابدها المواطنون ما بين نازحين ولاجئين، خاصة وأن الكثير من الأسر والعائلات قد فقدت مصادر الدخل مما استدعى بروز أكثر للمبادرات المجتمعية.
خاتمة مهمة:
ومهما يكن من أمر فقد جسَّدت مبادرة توصيل طلاب الشهادة الثانوية إلى مراكز الامتحانات، حقيقة التكافل المجتمعي بين مكونات الشعب السوداني، وبلورت المعني الفعلي لمفهوم النفير والفزعة والمساندة، وهي قيم متجذرة في أعماق الشعب السوداني، ولعل استدعاؤها في هذا التوقيت يحمل رسالة عميقة مفادها اهتمام المجتمع وحرصه على التعليم كأولوية يحتاجها مستقبل السودان، وأن امتحانات الشهادة الثانوية خط أحمر لا يجب أن تعرقله الظروف، فالاستثمار في مستقبل الأبناء لا يحتاج دوماً إلى ميزانيات ضخمة، بل إلى قلوب نابضة بالإرادة والوفاء.