على كل
محمد عبدالقادر
رحيل نجلاء .. (زمن كان الدريب واحد حليلنا بقينا فى دربين)
نعم النهايات تشبه اصحابها، اختارت نجلاء عبدالغني الطيب ان تستاذننا الرحيل خلسة وبمحبة، وتضع على بريد الدنيا رسالة وداع كتبتها بدموع الرحيل على كل واجهات الوجع ونواصي الفراق، نجلاء وثقت على صفحتها (فى الفيس بوك) وقبل دقائق من اغماضة عينيها والى الابد لحظة خواتيم حياتها القصيرة باحرف باكية مجتزاة من قصيدة غناها الصديق محمد النصري (خلاص اتفرقوا القلبين واتيتم غرام وحنين وزمن كان الدريب واحد حليلنا بقينا فى دربين)..
تحول بوست الراحلة نجلاء التى انسحبت من الحياة راضية مرضية الى سرادق لتلقي العزاء فى فقدها المر ورحيلها الفاجع ، فقد خطته بحبر الوداع قبل خمس دقائق من انتقالها لضفة الموت، وهي تقدم للناس دعوة مفتوحة للرثاء وتكتب شهادة وفاتها بيدها مقرونة بميلاد الاحزان الكبيرة على احتجاب الشمس عن الدنيا وبيت الخال الراحل عبدالغني الطيب ودوحة والدتها الراحلة كذلك سيدة البلك الوريفة..
نصبت نجلاء (صيوان البكا) على صفحتها قبل ان تمضي واختارت الرحيل الداوي فى زمن المواجع الكبيرة لتضيف الى حياتنا لوعة جديدة وفاجعة مرة وتضع على حلوقنا غصة وفى اعيننا دمعة لا اظنها قابلة للتوقف ، منحت نجلاء الموارة بالبهجة والحياة الموت شرف اختيارها ، وهي مطمئنة، وطيبة، وراضية بما قسمه الله لها من مصير، انتظرته على اريكتها وقالت له تقدم واقتطف الروح تسلم الامانة وامض بها الى ( صاحب الوداعة) .
نجلاء عبدالغني ، عاشت حياتها فى محراب الحاجة سيدة، متفانية فى محبة البيت واخوانها واخواتها ، ومثلت دوحة يستظل الجميع بخيرها وابتسامتها التى لم تهزمها جيوش المرض حينما تكالبت عليها، كانت تغسل روحها بضياء المحبة، وتتزود من شروق المعاني والاغنيات ما يعينها على تعبئة وجدانها بمخزون استراتيجي من الثقة والتفاؤل والامل وحسن الظن بالله، فتكفي نفسها عناء مشقة الايام، وتعينها على الصمود و(كلما تعب منها جناح زادت من سرعة تحليقها) مثل الفراشات والنوارس، تتنقل من مكان لاخر، وتضفي على كل مقام حطت عليه باشراقتها الملونة بهجة وتضع فى كل ناصية اغنية وتامل وابتسامة .
نعم يا نچلاء (ﻭﻗـﺖ ﺍﺗﺼﻔـﺢ ﺍﻻﻳـﺎﻡ ﺑﺨﺼـﻢ ﻗﻠـﺒـﻰ ﻻ
ﻳـﺪﻣـﻊ، ﻭﺍﻗﻮﻟﻮ ﺍﺻﻠﻮ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ غﺪﺍﺭ ﻭﺍﻟﺮﺍﺡ ﺗﺎﻧﻰﻭﻳـﻦ ﻳﺮﺟـﻊ)، كانت هذه (البنية) غيما لطالما هطل على حياة الناس بالخير والمودة، وجدت على صفحتي رقم هاتفها فى مصر ولكن للاسف بعد اعلان وفاتها وهي القادمة من كندا ، كانت قد بعثته لي، بينما انا غارق في ما صرفني عن الانتباه لحضورها البهيج، ولكن الهاتف لايرد الان ،
ارسلت نجلاء (نمرة التلفون) والعنوان وكانها تضع رقما للتواصل فى لحظة موتها، وزعت رقاع الحزن على كل الناس وهي تنهي جولة على اشقائها وتودعهم الواحد تلو الاخر وتعود الى بيتها وتكتب وداعا للجميع وتلقي النظرة الاخيرة على زوجها محمد وتتسرب روحها من بين يديه فى لحظة ، اجتهدت جاراتها الاصيلات سليلات عمنا العطبراوي النبيل ( سري) وحاولت نسرين واخواتها انعاشها واعادة النبض اليها واستعادة النفس ولكن قدر الله كان اسرع.. لم يلتقونها وهي حية ولكن قربتهم لحظة الموت ، ولازموها فى اوان انسحابها الابدي الى الدار الاخرة..
اللهم اغفر ل(نجلاء) وارحمها وتولها والهم اخوانها الصبر والعزاء واهلها اليقين على احتمال المصيبة، وامنحها من المغفرة بقدر ما قدمت للناس من الخير والمحبة، وجازها احسانا ورحمة ، واعن زوجها الصابر المحتسب محمد والعزاء لابناء شيخنا الراحل (عبد الحليم ود الفقير) وعموم المكلومين من الاهل والاقارب والجيران والاصدقاء.. ستبكيك كندا والسجانة مرتع الصبا ومحطة اشتياقك الدائم وستنعيك الكلاكلات وتفتقدك ابو ادم ، فحبيبتك الخرطوم بدونك ( ضهبانة وتفتش لي واحاتك عيونك) ولا ادري كيف ستكون بدون نجلاء..
وانا لله وانا اليه راجعون اختى العزيزة …