خارج النص
يوسف عبدالمنان
بعد الغياب
بعد غياب طويل وربما منذ اندلاع الحرب لم ينعقد اجتماع معلن لمجلس السيادة قبل إعادة التشكيل أو الترقيع الأخير وقبله الا اذا كان اجتماعا غير معلن اقتضته طبيعة المرحلة الصعبة التي عاشتها البلاد مع تباعدتط المسافات بين أعضاء المجلس جغرافيا بين ام درمان حيث قاد الفريق ياسر العطا بجسارة معركة التحرير وظل البرهان حاضرا في المواقع المتقدمة والمتاخرة ولا يمثل ذلك الواقع سببا لغياب أعلى سلطة في البلاد عن مخاطبة الرأي العام مجتمعة كما حدث يوم الثلاثاء وهي خطوة مهمة جدا تبعث برسالة سياسية في بريد الشعب السوداني بأن هناك سلطة حاضرة وهناك مؤسسة تقود البلاد وليس أفرادا مهما علا شأنهم وتعاظم دورهم، فلا غني عن المؤسسات في الدولة العصرية وقد استغلت قحت أو تقدم والملشيا الفراغ الذي يخيم على ساحة الحكم وتمركز السلطات في يد الفريق البرهان وحده ونائبه شمس الدين كباشي بالدعوة لتشكيل حكومة منفى ولكن إذا مانظر مجلس السيادة رغم اعتلال ثمثيله وتغيبه لبعض الأقاليم بجدية لضرورة وجود رمزية المؤسسات ،وحدد اجتماعا نصف شهري لمجلس السيادة وأسبوعيا لمجلس الوزراء فإن الدولة تصبح فاعلة وشاخصة تحت بصر المواطنين.
لكن غياب مجلس السيادة أو تغيبه أمرا لاينبغي للأعضاء القبول به والركون لواقع خاطي، وقديما كانت الدول تعتمد علي كاريزما القائد الملهم مثل عبدالناصر وصدام حسين وهواري بومدين وحاليا اسياس افورقي ولكن في غياب القائد الملهم ينبغي أن تسود المؤسسات والحرب لاتبرر مطلقا أن يغيب مجلس السيادة عن دائرة الفعل.
والتدارس حول مآلات الأوضاع ليس على الصعيد العسكري وحده بل يجب ان يكون سياسيا وخارجيا وقد بحت مطالب الكثيرين بضرورة تمثيل كل السودان في مجلس السيادة الذي يميل الآن نحو دارفور وتغيب صورة شرق السودان والإقليم الأوسط وبدرجة أقل إقليم كردفان.
وانصافا لحقوق أهل العطاء والبلاء لااجد مبررا سياسيا ولااخلاقيا يجعل شخصية مثل الناظر محمد الأمين ترك بعيدا عن عضوية مجلس السيادة ولا سببا يجعل رجل مجاهد ووطني مخلص مثل التوم هجو يقود مع الجيش كتائب التحرير ولا حظ للإقليم الأوسط الذي يمثله في السلطة.
وذات الأمر كردفان اليوم بلا ممثل سياسي تتكئ عليه ويخاطب مكوناتها التي استهدافها التمرد وسعى للقضاء علي شوكتها حتى مجلس الوزراء غيبت عنه كردفان الكبيرة وتم تمثيل عادل للأهل النوبة وعن مجلس الوزراء فإنه الغائب الأكبر عن دائرة الفعل واغلب الوزراء المعينين هم بالتكليف وليس بالأصالة وهناك اختلاف بين الوزير المكلف والوزير بالأصالة واغلب أعضاء مجلس الوزراء باستثناء جبريل إبراهيم في المالية.. واخيرا على يوسف في الخارجية وخالد الأعيسر في الإعلام وابو نمو في الموارد فإن البقية مجرد موظفين لا أثر سياسي لهم يقدمون أداءا خجولاجدا وظهورهم في الاعلام باهت لايعتبر عن وزراء ورجال دولة لأن أغلبهم من التكنقراط كبار السن والعجزة والمساكين وحتى رئيس مجلس الوزراء وهو رجل (مهذب جدا وود ناس) ولكن صمم له دورا محدود جدا لايستطيع محاسبة الوزراء ولا حتى الدعوة للاجتماعات من غير موافقة من عينوه في الموقع لذلك ظل مجلس الوزراء غائبا تماما ولا وجود له ومجرد شبح تمر باسمه القرارات وتقرر القيادة العليا في أمهات القضايا وهو آخر من يعلم.
أن وجود المؤسسات مسألة ضرورية لاستقامة الحكم وإذا لم يستقيم مجلس السيادة ومجلس الوزراء فإن بقية أجهزة الدولة تظل خرابا يعقبه السقوط وإذا نظرنا بعين الإنصاف والتجرد فإن تجربة قحت رغم ضعفها كان هناك مجلس وزراء ينعقد من وقت لآخر.