خارج النص يوسف عبدالمنان أنقذوا الدلنج

خارج النص

يوسف عبدالمنان

أنقذوا الدلنج

ربما لا يصغي أحد لمثل هذا الحديث، وربما يعتبره بعض المتنطعين ترفًا أو تقليلًا من شأن سادتهم وكبريائهم، لكنها الحقيقة المجردة التي يغمض أهل الحكم أعينهم عن رؤيتها.
فأرض جبال النوبة تعاني منذ عامين من الحصار ونقص الدواء والقوت وضروريات الحياة.

عامان من الجوع والموت البطيء، والحرمان من كل شيء، ومن أجل لا شيء.
الجنجويد يسدون الدروب لقتل شعب جبال النوبة جوعًا ومسغبة، وتبعهم عبد العزيز الحلو، الذي صادر إرادة أبناء جبال النوبة في الحركة الشعبية، وجعل من قضية الإقليم بضاعة يتكسب منها الدرهم الإماراتي والدولار الأمريكي.

لا يشعر أهل السودان بأوجاع جبال النوبة.
لم نسمع يومًا أن خطيبًا في مسجد بأم درمان أو كسلا أو دنقلا خصص خطبة الجمعة لقضية الحصار المفروض على جبال النوبة، التي لا يقل عدد سكانها عن ثلاثة ملايين نسمة.
ولم نشاهد برنامجًا في تلفزيون السودان يتناول هذه المأساة، وهو في الواقع بعيد تمامًا عن هموم إنسان السودان.
لم نشاهد القادة في الأبيض يجتمعون بقادة الهجانة ومتحرك الصياد، ويتابعون عمليات تحرير كردفان من “أوباش الأرض الخراب”.
بل طالبنا الفريق شمس الدين كباشي والفريق ياسر العطا أن ينتقلا معًا إلى عروس الرمال، أو أن يذهب أحدهما إلى الأبيض ويبقى الآخر في القيادة، ليقودا عمليات التحرير كما رأينا الكباشي في الفاو وسنار وربك حتى تحررت الجزيرة، وياسر العطا في أم درمان والخرطوم محاصرًا مع جنوده حتى النصر.
فهل ماتت الهمة وخمد الحماس؟
أم أن المعركة انتهت بخروج الجنجويد من الخرطوم والجزيرة والنيل الأبيض، ليتركوا أهل كردفان “يحكون جربهم” وحدهم؟.
لأول مرة في تاريخ السودان يشعر أهل الهامش بالرضا بتمثيلهم في المركز، وفي مواقع عليا.
ولأول مرة ينصف رئيسٌ هذه البلاد شعب النوبة وأهل دارفور بتنصيب يس إبراهيم كباشي وزيرًا للدفاع، والفريق شمس الدين كباشي نائبًا للقائد العام، والفريق أحمد إبراهيم مفضل مديرًا عامًا لجهاز الأمن والمخابرات.
لكن ما جدوى وجود وزير الدفاع في قمة الجيش وأمه في الدلنج يحاصرها الجنجويد، وأخته في كادقلي تتقاسم “ملوة” الفتريتة مع أربعة من الجيران، وكيلو السكر بعشرين ألف جنيه، و”ملوة” الملح بثمانين ألف جنيه، وسعر “ملوة” البصل في الدلنج يعادل سعر جوال البصل في الأبيض؟
تلك الأبيض التي تحتشد في طرقاتها جيوش بعدد الحصى، وسيارات بالآلاف.
فتح طريق الدلنج – الأبيض، لو أسند أمره للسلطان حسن موسى، الذي رفد الجيش منذ اندلاع الحرب بست كتائب مقاتلة اقتحمت القيادة العامة وفكّت الحصار عن سلاح المهندسين، لكان واقعًا اليوم.
تلك الكتائب الآن تتحرق شوقًا لإنقاذ أهلها في جبال النوبة.
لكن… آه من “لكن”!
الآن بدأت الأمطار الغزيرة في الهطول، وأمس كان الجنجويد يخططون لتفجير جسر كازقيل وقطع طريق الدلنج – الأبيض نهائيًا خلال فصل الخريف.
لكن فرسان العمل الخاص كانوا لهم بالمرصاد.
لم يتبقَّ لفك الحصار عن جبال النوبة إلا مائة وبضعة كيلومترات، لكنها تحتاج لتضحيات كبيرة، وجسارة، ومتابعة يومية من القيادة.
ينبغي، قبل إهدار الوقت في صراع عبثي على كراسي الحكم، أن تُحسم المعركة على الأرض، وتبلغ متحركات الجيش مقاصدها في جبال النوبة ودارفور.
بعدها فقط، لينشب صراع المغانم الرخيصة في سلطة بلا طعم ولا لون ولا رائحة.