منى أبوزيد
هناك فرق – على أسوأ الفروض..!
“لا تستعر الحروب في أجواف المدافع بل في قلوب الناس وأفكارهم”.. ميخائيل نعيمة..!
إحدى أكبر مشكلاتنا في هذا السودان هي أننا نتعامل مع احتمالات المصائب التي قد تتنزل على رؤوسنا باعتبار أنها أشياء تحدث للآخرين فقط..!
بوازع من حقائق صَوَّرتها أحداث ووقائع في المشهد اليمني حذرنا إخوة يمنيون قبل سنوات من أن تتمخض الخلافات على الحكم في بلادنا – بعد انتصار الثورة – عن اندلاع حرب ظاهرها الأهلية وباطنها الوكالة، لكن معظمنا كان يعتقد بأن تلك الألوان من المصائب تحدث للآخرين فقط..!
ثم اندلعت هذه الحرب وحذرنا آخرون من مخاطر التقسيم ومن انفصال دارفور كنتيجة راجحة لها، لكن معظمنا استبعد ذلك، ثم ها نحن أولاء نقف اليوم على أعتاب “حكومة منفى” أي حكومة دعم سريع في الأراضي التي تسيطر عليها المليشيا..!
الثقة بموقف الجيش وبالخسران المبين الذي سوف تبوء به مليشيا الدعم السريع لا علاقة لها بالتفكير في أسوأ الفروض، ولا ضير عليها من التفكر في المآلات التي قد تنشأ عن حدوثها. وعليه، بناءً على آخر تحديث لمعلوماتي في هذا الصدد بعد انفصال الجنوب أقول بالآتي..!
بانفصال دارفور سوف تجد الدول ذات العلاقات المشتركة مع السودان نفسها أمام حالة سياسية قانونية فريدة ينطبق عليها مبدأ “خلافة الدول”، وهو أحد فروع القانون الدولي التي شُرِّعَتْ لمعالجة الفوضى الخلاقة التي تنشأ عم تغيير مقاليد السيادة على إقليم ما، بعد إعادة صياغة وجوده على المسرح الدولي ..!
خلافة الدول تعني حلول دولة مكان أخرى في مسئولياتها الداخلية وفي علاقاتها مع بقية الدول. والسيادة على دارفور في حال انفصالها سوق تنتقل إلى الدولة الخلف، أما الدولة القائمة الآن فسوف تصبح – بحكم ذلك – الدولة السلف..!
وهكذا سوف تقتضي هذه الحال أن يكون السودان الحالي بيِّن وإن يكون السودان الدارفوري بيِّن وبينهما حدود مشتبهات، حدود دولية يحميها قانون دولي بقواعد على غرار قاعدة “احترام الوضع الإقليمي الراهن” وقاعدة “لكلٍّ ما في حوزته”..!
مسائل قانونية بالغة الأهمية والتعقيد سوف تنشأ في علاقات بعض الدول بالدولة حديثة النشأة، مثل خلافتها على الجنسية والمعاهدات والممتلكات والمحفوظات والديون وعضوية المنظمات الدولية والحقوق الخاصة والمكتسبة..!
يحدث هذا في ظل قصور القواعد العرفية العامة – في القوانين الدولية – واجبة التطبيق على كافة المسائل التي تثيرها خلافة الدول. أما لماذا فلأن محاولات تطوير قواعد دولية عامة في مجال خلافة الدول لم تحقق بعد نجاحها المرجو..!
اتفاقية فيينا لخلافة الدول على المعاهدات للعام ١٩٧٨م دخلت حيز النفاذ في العام ١٩٩٦م وأطرافها ٢٢ دولة فقط، واتفاقية فيينا لخلافة الدول في ممتلكات الدولة ومحفوظاتها وديونها للعام ١٩٨٣م لم تدخل بعد حيز النفاذ، الأمر الذي قد يفرض على بقية الدول الجارة والصديقة والدولة السلف والدولة الوليدة المنشقة عنها بعض المواجهات المرتجلة مع تعقيدات الواقع الجديد ..!
وربما كان إرث العروبة التاريخية المزعومة وكل ما يتصل بها من اتفاقيات ومعاهدات جماعية أو ثنائية هو مما يجب أن تتفاوض عليه الدولتان “السلف والخلف”..!
من أهم التحولات التي قد تنشأ أيضاً مبدأ تغيير الجنسية الذي لم يدون بعد في أضابير القانون الدولي بصورة اتفاقية، وإن كان يمكن الاستدلال ببعض السوابق التشريعية، ومنها المادة الرابعة من المعاهدة الأوروبية الخاصة بالجنسية للعام ١٩٩٧م، وإعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة للعام ٢٠٠٠م
المظالم التاريخية التي تحكم رؤية المواطن الدارفوري لعلاقته بمواطن الشريط النيلي هي التحدي الذي قد يواجه بناء علاقات دولية وقانونية ناجحة بين الطرفين، باعتبار أن تلك المظالم كانت سبباً رئيساً في دعوات التحرر التي قادت إلى الانفصال..!
وبحسب الذهنية النمطية لمعظم النخب الدارفورية فإن العرب الآخرين لا يمثلون أكثر – وبالتالي فهم لن يكونوا أفضل – من عرب شمال ووسط السودان الذين قد تكون بعض تعقيدات علاقتهم بهم أسباباً رئيسة لاضطراب مواقفهم من معظم الدول العربية.. وهكذا.. إلخ!.
munaabuzaid2@gmail.com