خارج النص
يوسف عبدالمنان
ضوء في العتمة
رغم الأحزان والفواجع والمواجع والموت والجرح والدماء والجوع والفقر والهم الذي أضاف لكل سوداني يعيش في مناطق الحرب عمرا مقداره عشرة سنوات تنقص أو تذيد قليلا لكن الحرب التي وضعت بصمتها في كل وجه تتسرب من بين فجوات أحزانها بعض من لحظات الفرح والشعور بطعم الحياة والأمل في الأيام القادمة .
ومن يغرس في الأحشاء الجريحة و القلوب والوجلة غير نادي الهلال والمنتخب الوطني وهما في قلب التنافس الأفريقي لبطولات الكاف وأمس كانت ليلة السبت طويلة جدا وفريق الهلال يصارع مولودية محاربي الصحراء أحفاد عقبة ابن نافع من أجل ثلاث نقاط تضع الفائز على أعتاب التأهل للدور القادم ورغم سيطرة الفريق المضيف الذي لعب منقوصا من خدمات الجمهور مثلما يلعب الهلال منقوصا من خدمات الأرض والجمهور معا ليبدوا غريبا في هذه البطولة، ولكنه كان مثل طائر الشفق الغريب للراحل هاشم صديق في تلكم الروائع التي أثري بها الساحة في زمان مضى.
لعب الهلال أمس وكسب ثلاث نقاط دون اهتمام بالعرض الكروي ومتعة البصر لكنه حصد النقاط الثلاث بضربة رأس قاتلة قبل صافرة نهاية اللقاء بدقائق معدودة ليبلغ النقطة التاسعة بالعلامة الكاملة في انتظار مباراة المولودية القادمة التي تلعب بأرض الشناقيط نواكشوط وهي أرض لاتشجع الهلال الا بعدد محدود جدا من الجماهير التي تحب السودان لسبب أو آخر إذا انتصر الهلال في المباراة القادمة فإنه سيبلغ الأدوار الإقصائية بغض النظر عن نتائج الفرق الآخر أو مباراتيه المتبقيتين مع الشباب التنزاني ومازيمبي الكونغولي والهلال الذي لعب أمس يمثل التكوين الحديث لفرق كرة القدم العالمية حيث تتشكل الفرق من لاعبين من كل العالم ، وفقدت معظم الأندية العالمية هويتها الوطنية وأصبحت بمثابة أمم متحدة وفريق مثل ريال مدريد لايضم من بين صفوفه الا ثلاثة لاعبين إسبان و ارسنال الانجليزي يضم لاعبين فقط من إنجلترا والاستثناء في أروبا يمثله برشلونة الذي يطغى اللاعبون الاسبان من خريجي أكاديمية لامسيا على اللاعبين الأوروبيين والأجانب.
وفي أروبا لايعرف اللاعب الأوروبي كاجنبي والهلال الذي لعب بالأمس يمثله أربعة لاعبين فقط من السودان الطيب عبدالرزاق وبوغبا وصلاح عادل ومحمد عبدالرحمن اتساقا مع مايجري من حولنا من تطور في المفاهيم ، وكل فرق المجموعات التي تنافس في البطولة تضم محترفين من كل الدول بما في ذلك برازليين يلعبون في أفريقيا فلاعجب أن تغيرت ملامح الهلال وبدا فيه اللاعب السوداني غريب الوجه واللسان حتى النشيد الوطني لايستطيع ترديده مثل لاعبي منتخب فرنسا .
ولرجل الأعمال هشام السوباط الفضل في الإنفاق على الفريق الحالي وتحمل الصرف عليه من تسجيلات ورواتب وميزانية معسكرات وتنقلات في ظل شح في المردود من عائد الدعاية والإعلان ومهما كانت ثروة هشام السوباط فإن واجب الدولة الصرف على نادي الهلال باعتباره كتيبة تقاتل من أجل السودان.
ومع اقرارنا بسوء الأوضاع المالية في الدولة الوفاء بالالتزامات الضرورية حتى الآن بما يشبه المعجزة من جبريل إبراهيم فإن الواجب يملي على الفريق البرهان التوجيه العاجل بتحمل الدولة لنفقات الفنادق وحوافز اللاعبين حتى نهاية البطولة وماذلك بكثير على دولة يلعب باسمها فريق كرة قدم ويقدم صورة مغايرة مشرقة ومضيئة من بلد عتمت الحرب على وجهها وصبغته بلون الدم.
مايصرف من الخزينة العامة على أنشطة هامشية ومايبدده المسؤولون في الحواريين أولى به فريق الهلال.