حاجب الدهشة
علم الدين عمر
من دار زغاوة ..وللتاريخ كما الجغرافيا سطوته..
..ومن كرامات معركة الكرامة رغم كل شيئ أنها وحدت وجدان السودانيين تجاه قضيتهم الأساسية وهي تطهير البلاد من جرثومة المليشيا التي تمت رعايتها منذ سنوات في حقل من المؤامرات فنمت وتضخمت وأستفحلت حتي تجاوزت طموحات آل دقلو وعربان الشتات الأفريقي لما هو أكبر وأخطر..
في بداية العام ألفين وعشرين بدأت الخطة المتدرجة لتغيير (ديموغرافيا ) السودان بداءاً من أقاصي دارفور حيث الصحراء الشاسعة والبوادي الممتدة ..بدأت المؤامرة والمتمرد حميدتي يستخدم كمرتزق جاهل لإستقطاب عرب الشتات الأفريقي لإقامة دولتهم المدعاة في أقصي مثلث الحدود بين السودان وليبيا حيث مراتع نهايات وادي هور ودار زغاوة ..ويُحفظ للزعيم موسي الهلال رفضه لفكرة توطين عرب المحاميد الأصلاء في تركيبة المجتمع السوداني في تلك الأنحاء ..فالرجل من بيت إدارة أهلية عريق ويعلم تماماً قواعد وأصول الأرض والإنسان..
(أقومي) هي منطقة حية من بوادي الزغاوة ..هذه القبيلة الكبيرة الكريمة الأصيلة ..وقد عاشرت عدد كبير من أبنائها في مختلف الظروف والأمكنة ..وهم قومية سودانية ممتدة في جغرافية وتاريخ هذه البلاد طولاً وعرضاً..
لدي الزغاوة إمتداد منطقي في تشاد وليبيا ولكن موطنهم الأصل هو السودان حيث تنتشر حواكيرهم ومراعيهم ومضاربهم في شمال وجنوب دارفور ..ولديهم وجود قوي وتاريخي في البنية المجتمعية والسياسية والإقتصادية في السودان حتي قبل تشكله في جغرافيته الحالية..
أذكر منذ سنوات أن والي شمال دارفور حينها الدكتور عثمان كبر خيرني كصحفي موجود بالولاية بين الخروج معه في موكبه لمنطقة الصياح لإمضاء صلح قبلي تم الوصول له بين مكونات قبلية في المنطقة أو مرافقة سلطان الزغاوة (السلطان علي دوسة) لمباركة صلح آخر بمنطقة الطينة (مع نصيحة بمرافقة موكب الوالي) فأخترت مرافقة السلطان لخوض تجربة السفر براً من الفاشر للطينة بكل مخاطرها في ذلك الوقت ..
وبعد مغادرة الفاشر بساعتين توقف موكب السلطان بأمر الأجهزة الأمنية المرافقة وقالوا لنا أن الصلح لم يكتمل ونشبت الإشتباكات مرة أخري وعلي السلطان أن يعود بموكبه للفاشر لخطورة الأمر ..أطرق السلطان لثواني ثم صاح في مرافقيه قائلاً إن السلطان قد لبس عبائته وخرج ولا ينبغي له أن يعود ..ثم خاطبني طالباً مني العودة مع بعض سيارات الإستخبارات ..قلت له أنني أرغب في المواصلة معه ..وقد تم الأمر وواصلنا للطينة وأكمل السلطان دوسة مهمته وتم الصلح ثم عدنا جواً وبقيت ذكريات الرحلة إلي قلب دار زغاوة ومنذها بدأت علاقتي بهذه القبيلة وأولئك الرجال ..
عرفت الزغاوة وعلمت أنهم لن يسمحوا وإن طال الزمن وتعقدت الرؤي بما جري ويجري في (الزرق) ..(أقومي) ..سمعت منهم عشرات الروايات حول التوطين الجديد المدعوم بنشوة السلطة وسطلة القوة الزائفة ..سمعت عن العمدة جمعة دقلو الذي طغي وتجبر في تلك الأنحاء وكيف يتابعون الأمر أنتظاراً لسانحة الأستعادة بالتي هي أحسن إستناداً لأعراف وتقاليد المجتمع ..فأختار حميدتي أن يكون الأمر بالتي هي أخشن ..
أستعادت القوات المسلحة والقوة المشتركة منطقة الزرق وبدأت مسيرة تصحيح هذا الأمر الشائه وقد تكسرت نصاله علي صخرة المجتمع السوداني وعلي رأسه قبيلة الرزيقات بكرام قادتها وأهلها وعادت للزغاوة أرضهم لصالح القومية السودانية..
وحُق لهم الفرح والإحتفاء كما حُق لي أن أعبر عن عظيم محبتي وأعتزازي بهم ..أهل وأصدقاء وقادة كرام يساهمون مع غيرهم من قوميات السودان في تلوين لوحته الضاجة بالتسامح والمحبة ..
وهي سانحة كذلك للتأكيد علي ضرورة مخاطبة قضية الوطن الكبير من كياناته المختلفة المتعايشة دون حياء أو خجل ..فقوتنا في تنوعنا وليس العكس ..
فقد حان الأوان لتعزيز فكرة إدارة التنوع كمركز قوة وليس نقطة ضعف ..
السودان أمة عظيمة متعددة الثقافات متسقة مع بعضها علي مر التاريخ..أمة واحدة قوتها في تنوعها الثقافي والمجتمعي وقد وحدتها هذه الحرب الوجودية وأستفزت مشاعرها فتدافعت للدفاع عن أرضها ومقدساتها وستقول كلمتها للتاريخ.