الموت يغيّب الشاعر الكبير هاشم صديق بمدينة ابوظبي
هاشم صديق ..رحيل شاعر الحب والثورة
مجلس السيادة ينعي الفقيد الراحل ويصفه اعماله بالرصانة والإبداع
الشاعر الذي لم ينحنِ سِوى للوردة، ولم يبايع سوى كفّ الوطن..
كتب اوبريت قصيدة “الملحمة” أول تجربة ناجحة في فن الغناء الموسيقي الكورالي
رفد المسرح السوداني بأعمال رائعة مثل مسرحيتي “أحلام الزمان ونبنة حبيبتي ”
حاز على جائزة الدولة لأفضل نص مسرحي لعامين على التوالي ( 1973، 1974)
كتب : رحمة عبدالمنعم
غيّب الموت أمس السبت في مدينة أبوظبي شاعر “الحب والثورة ” هاشم صديق عن عمر ناهز الـ81 عاما، تاركا خلفه إرثا شعريا وثقافيا غنيا قل نظيره.
وانتشر خبر وفاة الشاعر الكبير هاشم صديق على المواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي ونعاه العديد من الناشطين والكتاب والمثقفين على صفحاتهم، ونعاه ابنه قصي، ويقول عنه محبوه أنه الشاعر الذي خاض “مرافعات” الحراز ضد رهان المطر، فتغلغل في تفاصيل الشجرة الوحيدة في أفريقيا التي تتساقط أوراقها بموسم الأمطار، والكاتب الذي لم ينحنِ سِوى للوردة، ولم يبايع سوى كفّ الوطن، ولم يغمسْ قلمَه سوى في دواة “المبدأ والنار والغضب”
شاعر الثورة ..
ونعى رئيس وأعضاء مجلس السيادة الإنتقالي، الأديب والشاعر المعروف هاشم صديق ، و جاء في تعزية مجلس السيادة : إنما ينعى للشعب السوداني شاعراً فذاً ومبدعاً متعدد المواهب. إتسمت كل أعماله بالرصانة والإبداع. فهو بجانب نبوغه في الشعر والأدب، تميز بكتاباته المسرحية والدرامية، فضلاً عن تقديمه للعديد من البرامج الاذاعية والتلفزيونية في مجالات النقد والتحليل الدرامي
وتناول هاشم صديق في شعره الوطن والأرض والإنسان عبر موهبته التي ظهرت باكراًفلم يهملها بل عمل على تعزيزها حيث قال عنه الناشط الشبابي أحمد عثمان : “هاشم شاعر كبير نهض بالشعر ، وقد تفرد بقصائد رائعة الجمال من خلال الوحدة الفكرية المتماسكة وكل قصيدة من قصائد دواوينه تحكي قصة معبرة صادقة”.
كتب للوطن والحب وللعمال والفلاحين.. في قصائده وطن الصبر وخبز المحبين يدندن من زمن اكتوبر “والكل يا وطنى حشود ثوار..وهزمنا الليل والنور فى الآخر طل الدار” وكتب للمحبوبة “ضحكك شرح قلب السماء لون سحاب كل الفضاء ،هز وتر الأزمنة ”
وتميز الراحل بموهبة فطرية منذ كان في الثامنة عشرة من عمره كتب قصيدة الملحمة الثورية وأثارت إعجاب ودهشة كل من حوله وعرف هاشم بأنه هو لغة العامة يتناقلونه في حياتهم اليومية هو شاعر شفاف يدخل القلب بسهولة ويتقبله السامع لحلاوة كلماته هو سر الحياة اليومية التي نعيشها بجميع قواعدها، وهو القائل “انا هاشم أمي امنة..ابويا ميت وكان خضرجي ومرة صاحب قهوة في ركن الوزارة “,
وكان يرى أن المشاعر عند كل إنسان تترجم عن طريق الكلمة ولكن الشاعر يفوق الناس العاديين في التعبير والإبداع والقدرة على الإمتاع من خلال أبياته الشعرية والفرق طبعا هو في الموهبة التي حباها الله لأناس محددين دون سواهم وهناك أساتذة في الأدب يعرفون نظريا بحور الشعر وقواعد اللغة ولكنهم لا يمتلكون الموهبة ولا يستطيعون صياغة بيت شعري واحد.
مولد هاشم
ولد هاشم صديق في حي شرق، بمدينة أم درمان بالسودان في عام 1947، وأبوه هو صديق الملك علي، وأمه هي أمنة بنت محمد طاهر.
إلتحق هاشم أولا بروضة الأستاذة أمال حسن مختار في مسقط رأسه قبل أن يبدأ تعليمه الأولي بمدرسة أبو عنجة الأولية في أم درمان ثم انتقل إلى مدارس الأحفاد ودرس بالمعهد العالي للموسيقى والمسرح ونال درجة البكالوريوس في النقد المسرحي من الدرجة الأولي في عام 1974 م.
وتتلمذ هاشم صديق على يد اساتذة في مجال المسرح والتمثيل أمثال إسماعيل خورشيد و السر أحمد قدور و الفاضل سعيد و محمود سراج و الطاهر شبيكة وغيرهم وسافر إلى الخارج ليدرس التمثيل والإخراج بمدرسة التمثيل ايست 15 في اسيكس بالمملكة المتحدة في عام 1976م. عمل بعد تخرجه استاذاً محاضراً واستاذا مشاركاً بالمعهد العالي للموسيقي والمسرح بالسودان حتي عام 1995م وكان من انجازاته في تلك الفترة أنشاء مكتبة المسرح السوداني بشقيها المقروء والمسموع.
ظهرت بوادرمواهب هاشم وشغفه بالتمثيل والشعر منذ صباه وقبل دخوله المدرسة وتم اختياره من ضمن أطفال الروضة التي تم الحاقه بها من قبل والديه للاشتراك في برنامج «ركن الأطفال» بالإذاعة السودانية في أم درمان حيث قام بلعب دور الابن مع الممثل حسن عبد المجيد الذي مثل دورالأب.
البداية الفنية
وعقب ثورة 21 اكتوبر 1964 بالسودان والتي أطاحت بحكم الرئيس إبراهيم عبود أبدى الشاب هاشم نشاطاً غير عادي في الآداب وفنون الموسيقى وذلك من خلال انتمائه لفرع اتحاد شباب السودان بحي بانت حيث قام بتنظيم فعاليات ثقافية مكثفة في التمثيل والشعر والموسيقي والدراما و في تلك الفترة ألف أول مسرحية له عنوانها «قصة شهيد» وتولى بنفسه مهمة اخراجها أيضا.
وبعد ذلك توالت أعماله في الشعر والمسرح وكانت أول قصيدة له رأت النور هي قصيدة «النهاية» ( في يوم غريب )، وأول مسلسل إذاعي كان بعنوان «قطار الهّم» الذي قُدِم في ثلاثين حلقة في الموسم الإذاعي الرمضاني للدراما. وكانت «أجراس الماضي» أول تمثيلية تلفزيونية ألفها ومسرحية «أحلام الزمان» أولى مسرحياته.
ومارس هاشم صديق العمل الصحفي وعمل في عدة صحف سودانية. وقد أُستُدعي مرات عديدة إلى مكاتب الأجهزة الأمنية و نيابة الجرائم الموجهة ضد الدولة في عهدي الرئيس جعفر نميري و حكومة الإنقاذ برئاسة عمر البشير وتعرض للاعتقال بسبب بعض أعماله الأدبية التي كانت تراها الحكومتان مناوئة لنظاميهما، فضلاً عن إتهامه بميول شيوعية تحاربها الحكومتان. ومن أعماله المحظورة آنذاك مسلسل «الحراز والمطر» وتم اعتقاله عند بثه لفترة شهر إبان حكومة نميري عام 1979، ومسلسل «الحاجز» في عام 1984م الذي تم إيقاف بثه أولا ثم قُصَت منه أجزاء من قبل الرقابة على الإعلام، وبرنامج «دراما 90 – 1993م» الذي تم إيقافه من قبل أجهزة السلطة وأخيراً مسرحية «نبتا حبيبتي» التي تم إيقافها بعد يومين فقط من عرضها بحجة أنها ضد نظام الرئيس نميري وتم تكوين لجنة لتقييمها برئاسة بونا ملوال وزير الدولة للثقافة والإعلام آنذاك ضمت في عضويتها ممثلا لجهاز أمن الدولة. وأوصت اللجنة بالسماح بعرض المسرحية «لأن إستـمرارها أقل ضرراً من وقفها».
وكان أول عمل شعري كبير وناجح ظهر به هاشم صديق وذاع صيته فيه هو ملحمة الثورة أو ملحمة قصة ثورة، كما تسمى أحيانا، وقد كتب صديق نصوصها وهو لا يزال صغيراَ في سنه لم يتجاوز العشرين. وتعد الملحمة التي قام بتلحينها الفنان محمد الأمين أول تجربة ناجحة في فن الغناء الموسيقي الكورالي بالسودان خاصة بعد أن لاقت قبولاًَ كبيراً لدى المستمع السوداني حتى صارت بمثابة تراث وطني ساد الساحة الفنية بالسودان لردح من الزمن. ورغم أن صديق يقول بأنه تجاوز ما اسماه «محطة ومرحلة الملحمة منذ فترة طويلة» إلا أنه لم يقدم أي عمل بحجمها ولم يكرر التجربة ولذلك ظلت أوبريت قصة ثورة خطوة يتيمة لم تلحقها خطوات مماثلة. وتتميز الملحمة ببساطة وسلاسة نصوصها وضخامة معانيها وجزالة الموسيقى المصاحبة لها ،ومن أبرز اعماله الشعرية (كلام للحلوة،جواب مسجل للبلد ،الوجع الخرافي،الغريب والبحر ،اجترار )
وسيم المفردة
ويقول الناقد الفني سراج الدين مصطفى، إن الراحل هاشم صديق شاعر وسيم المفردة وعميق العبارة يتكئ على قاعدة ثقافية ضخمة أتاحت له معاينة المشهد الفني والثقافي بعدة زوايا.. لأنه في الأصل مبدع متعدد المشارب ومختلف الألوان
ويضيف :من البديهي أن يتربع على وجدان الشعب السوداني لأنه خرج من رحم المعاناة.. وذلك يتضح أكثر في مخطوطته جواب مسجل للبلد التي أعلن فيها البيعة كاملة غير منقوصة.. ولكنه ما زال يدفع ثمن تلك البيعة من صحته وراحته ،حتى انزوى في ركن قصي بمنزله يسامر غرف المنزل وشبابيكه التي يفتحها مشرعة للشمس للدخول في دواخله النقية والصافية التي تشابه تماماً حال (طفلة بتحفظ في كتاب الدين
ويتابع سراج الدين :صمد هاشم صديق في وجه كل الرياح والأعاصير ولم ينهزم ،لم ينحن أو يستسلم.. وكان كما يقول (راكز زي أرض والجبهة بتبوس السما)ذلك كان شعاره الذي آمن به واعتقد فيه ورغم محاولات التحجيم ولكن شعره كان ينطلق في كل الفضاءات ،وكلما منعوا له قصيدة من النشر، تجد حظها من التداول الكبير بين الذين يتلهفون لكل حرف يكتبه.. كل تفاصيل الأشياء حاضرة أمامه.
الإنسان السوداني
وقال رئيس تحرير صحيفة “الكرامة” محمد عبدالقادر إن الشاعر هاشم صديق من أحد أهم معالم الشعر المحكي على مستوى السودان ، عكس أحلام الإنسان السوداني وتطلعاته ورصد تداعياته وآلامه وأفراحه مضيفا انه لم يكن يوما بعيدا عن بلاده وشعبه وبرحيله سيترك مكانا لا يملؤه سواه
وكتب الناشط محمد حمد :لقد ترك هاشم أثرا في نفوسنا لأنه الشاعر الذي علمنا حب الوطن والأرض والإنسان فكان السودان من أولوياته فكان يحمله في قلبه ويتغنى به في أمسياته الشعرية والأدبية سواء في السودان أو البلدان الأخرى.