صور ومشاهد يوثقها يوسف عبدالمنان “الجميلة المستحيلة”.. وقصة اغتصاب معلن ماذا فعل الجنجويد بجامعة الخرطوم؟؟؟!!

صور ومشاهد يوثقها يوسف عبدالمنان
“الجميلة المستحيلة”.. وقصة اغتصاب معلن
ماذا فعل الجنجويد بجامعة الخرطوم؟؟؟!!

الساسة لم يعرفوا لبلادنا قدرها (وجعلوها امرأة مباحة لعرب الشتات)

رحلة اليوم الطويل في تفرس المدينة التي دست رأسها من عار الجنجويد..

تسلق “اللبلاب” كشافات الميدان الشرقي وسكنه ” العشر “..

لاصلاة الآن في مسجد الجامعة ولا ماء وضوء وقد تناثر الزجاج في كل مكان…

من قاعة كلية العلوم تفوح روائح من بقايا “براز الجنجويد”..

صعدت إلى المنبر ووجدت فأر كبيرا يبحث عن شيئا ما..

في أول يوم بعد انقضاء عطلة العيد كانت رحلتي هذه المرة إلى قلب جامعة الخرطوم التي تغني طلابها منذ أيام ماقبل غروب شمس السودان الذي الفنا والفناها بأنها الجميلة المستحيلة “زي سحابة الريح تعجل برحيلها” والسيارة تهب الشوارع التي تحفها من اليمين الشمال بقايا الرصاص وأثار المعارك ورائحة الدم والموت وخراب بلد لم يعرف ساستها قدرها (وجعلوها امرأة مباحة لعرب الشتات) ومرتزقة من الدينكا والنوير والأمهرا والقرعان والتبو وحتى الطوراق من سكان الصحراء .
أقبلت على الخرطوم في رفقة ثلاثة صحفيون وصحفيتان وعندما عبرت السيارة جسر النيل الأزرق باتجاه الخرطوم راودتني قصيدة لعلي الجارم الشاعر المصري الكبير حفظت بعض آبياتها ونسيت البعض الآخر ولكن لم أنس..
جئنا إليها وفي اكبادنا ظما
يكاد يقتلنا لولا تلاقينا
جئنا إليها من دار إلى وطن
ومن منازل اهلينا لاهلينا

جئنا إلى جامعة الخرطوم وهي أولى محطات رحلة اليوم الطويل في تفرس المدينة التي دست رأسها من عار الجنجويد والمليشيا بين رجليها وانكفات تبكي بلا دموع فقد جفت في بلادي الدموع دخلنا مع الاخوان الحاج الشكري وصلاح مركز وصلاح التوم من الله والصحافية حفية نوالدائم والإذاعية انتصار.

من بوابة ميدان الجامعة الشرقي الذي اختفت ملامحه ونبت في مكان ذلك النجيل الأخضر شجيرات العشر وهو نبات وسدر قليل وتسلق اللبلاب كشافات الميدان الشرقي بجامعة الخرطوم وهو ميدان تتجاوز رمزيته كرة القدم لفرق جامعة لم يعرف عنها كثير ولع بكرة القدم مثل جامعة القاهرة الفرع في ذلك الزمان ولكن كان الميدان الشرقي ساحة للفكر والمعرفة والمساهمة في قضايا البلاد الكبري ومنبرا يتحدث فيه الشفيع أحمد الشيخ وحسن الترابي ومحمد يوسف محمد وابن عمر محمد أحمد والمحجوب والازهري ومحمود الفضلي وعرف الميدان محمود محمد طه و محمد طه محمد أحمد والحاج وراق وغني فيه وردي بعد انتفاضة رجب أبريل 1985 “ياشعبا لهبت ثوريتك” وغني فيه محمد الأمين لاكتوبر .
ويعرف الميدان نزار قباني وعلى الجارم و العقاد ومحمد المهدي المجزوب ولكن الميدان في صورته أمس اشعث اغبر تخشى السير فيه حذر الرصاص غير المتفجر وبقايا روث الجنجويد الذي يقضون حاجتهم في مكان وتنبعث من قاعة كلية العلوم المجاورة لميدان الجامعة الشرقي روائح نتنه هي بقايا براز الجنجويد الذين دنسوا الجامعة حقا واغتصبوا شرفها ليلا ونهارا

من شارع المين إلى المسجد

من شارع المين بجامعة الخرطوم حيث البوابة التي نالت منها دانات المدافع ولكنها قاومت وصمدت وبقية شاهد على ماحل بالجامعة هناك عربة عسكرية محطمة وأكثر من عشرة عربات مدنيه (شلعوها) الجنجويد وتركونها قابعة في شارع الجامعة الخالي من المارة ومن المركبات الا بعض الجنود المنتشين بالنصر ولكنهم يعانون أشد المعاناة وفي الحصول على جرعة الماء البارد وهم قد ضحوا بالعيد والايام رمضان يقاتلون من أجل تحرير مدينة تمثل لهم كل شي وانت جالس في بيتك أمنا ومطمئنا وبين اهلك وعشيرتك وهاتفك تحت راسك وتتابع مباريات ريال مدريد والارسنال وتهتف العسكر للثكنات وتطعن في شرف رجال أشرف منا جميعا .. في الطريق إلى مجمع الكليات ومقابل إدارة الجامعة بدا لي كم هي المسافة بعيدة بين الأماني والواقع وبين الرجاء والثناء على كفاح وجهاد شباب السودان وهم ينتزعون انتصارا بشق الأنفس من قوى الشر التي تفوقهم عددا وعتاد ولو كان السلاح يقاتل والكثرة تغلب الشجاعة للبث الجنجويد في قلب الخرطوم حتى ينفخ في الصور وتاتون افواجا ، ولكن ابطال القوات المسلحة وهم يفترشون الأرض في بلد درجة الحرارة بلغت في النهار 45 درجة ويتوسدون الحجارة وعلى اليد الدوشكا ينافحون عن بلد تعرض للخيانة من بعض أبنائه الفاسدين ومن ادارة جامعة الخرطوم التي حطمت الاثاثات عمدا وخربت المعامل.
اتجهت والأخ الشكري من أجل الصلاة في مسجد جامعة الخرطوم ذلك المسجد التاريخي الذي يمثل للإسلاميين رمزية ملهمة للجهاد في سبيل الله ولكن لاصلاة الآن في المسجد لا ماء وضوء ولا أرضا طاهرة وقد تناثر الزجاج في كل أرضية المسجد المهجور، رفع الشكري نداء الصلاة للظهر ولكن من يسمع النداء من مسجد هجره رواده وعشاقه وعماره مرة حينما اتجه الإسلاميون إلى مساجد قريبة من السلطة أو حليفة لها مثل مسجد القصر حيث كان يصلي البشير ويصلى معه محمد لطيف بدون وضوء أو طهاره ويصلي آخرون في مسجد سيده سنهوري حيث شركاء السلطة من التيار الإسلامي وشركاء المال من ال البرير واتجه في اخريات سنوات الإنقاذ قادتها والراكعون بابواب سلاطينها للصلاة في مسجد كافوري مع الخليفة عمر ابن البشير وترك الإسلاميون مساجدهم التقليدية واشهرها المسجد الذي هدمته المليشيا من سقفه وتركت اعمدته الخرسانية لتشهد بأن في هذا المسجد كان الشهيد حاج نور يصدح بالحق وكان الكاروري يبشر بدولة الرعاية الاجتماعية وكان بروفيسور أحمد علي الإمام يحدث الناس عن التفسير التأويلي للقرآن الكريم
صعدت إلى المنبر ووجدت فأر كبيرا يبحث عن شيئا ما، ولكن بدأ أمامي مشهد تلك الوجوه الراضية والنفوس الطاهرة والأشواق لدولة تقيم حدود ولكن اه من تبخر الأحلام تحت وطأة الواقع ومسجد الخرطوم حاله أقل بؤسا من وزارة التعليم العالي التي حرقت ولم تبقى منها إلى الأعمدة الخرسانية وجثث السيارات المحترقة وبعض الأثاث المتناثر في تحت أشجار اللبخ الذي جف معظمه لندرة الماء في خرطوم مقرن النيلين التي تموت مثل موت الطيب ود ضحوية الذي انشد على فراش موته

وكيف امسيتي يالمزنة ام سحابا شايل
وشن سويتي في السلمة وبلاد ناس نايل
واحدين في الخلا وواحدين بسقوا الشايل
معاك سلامة ياالدنيا ام نعيما زايل

فماذا قالت الخرطوم يوم ان خرجت من مغتصبيها…
هذا مانعود إليه في حلقة أخرى من تغطية أحداث تحرير الخرطوم…