هجمات دموية وحصار خانق وتهديد حياة أكثر من مليون شخص في المدينة الفاشر .. نيران الحرب والجوع والحصار

هجمات دموية وحصار خانق وتهديد حياة أكثر من مليون شخص في المدينة

الفاشر .. نيران الحرب والجوع والحصار

مقتل 13 مدنيًا بينهم نساء في قصف للجنجويد على “حي مكركا”

شبكة أطباء السودان تدين قصف المدنيين في الفاشر

مطابخ الإعاشة في المدينة تتوقف بسبب نفاد الدعم

مناشدة دولية عاجلة لإنقاذ أكثر من مليون محاصر في الفاشر

استشهاد الطبيبة فردوس الطيب ضمن سلسلة استهداف الكوادر الطبية

توقف آبار المياه نتيجة انعدام الوقود وشح الإمدادات

تقرير: رحمة عبدالمنعم
تعيش مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، أيامًا دامية تحت وطأة حصار خانق وهجمات متكررة تشنها مليشيا الدعم السريع، وسط صمت دولي مقلق ،في ظل تصاعد القصف العشوائي الذي يستهدف المدنيين والمعسكرات والمرافق الطبية، تتدهور الأوضاع الإنسانية بشكل كارثي، فيما يكافح أكثر من مليون شخص للبقاء على قيد الحياة تحت نيران الحرب والجوع والحصار.

جرائم القصف
وتتواصل المآسي في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، مع اشتداد الهجمات التي تشنها مليشيا الدعم السريع ، وسط تصاعد لافت في جرائم القصف المتعمد ضد المدنيين ومرافق الإغاثة الحيوية.
وأكدت شبكة أطباء السودان، في بيان أصدرته امس السبت، مقتل 13 مدنيًا بينهم أربع نساء في حي “مكركا” جنوب الفاشر، جراء قصف مدفعي مباشر شنته مليشيا الدعم السريع، ونددت الشبكة بما وصفته بـ”الاستهداف الممنهج للمدنيين”، معتبرة أن هذه الأفعال تمثل انتهاكًا صارخًا لكل القرارات والقوانين الدولية الخاصة بحماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة.
ودعت الشبكة المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لرفع الحصار المفروض على الفاشر وفتح ممرات إنسانية آمنة لإنقاذ أكثر من مليون شخص، معظمهم من النساء والأطفال، يعيشون أوضاعًا إنسانية كارثية تحت وطأة الحصار.

معسكرات النزوح
وفي ذات السياق، أعلنت غرفة الطوارئ بمعسكر أبو شوك للنازحين أن المعسكر تعرض لقصف مدفعي عنيف من قبل مليشيا الدعم السريع، ما أدى إلى تدهور بالغ في الأوضاع الإنسانية والأمنية داخله.
وقالت الغرفة، في تعميم صحفي، إن الهجمات تسببت في تعطيل تقديم الخدمات الإنسانية، وخلقت تحديات جسيمة أمام المتطوعين والعاملين في مجال الإغاثة، محذرة من أن استمرار القصف قد يؤدي إلى فقدان الاتصال بالمعسكر وانقطاع الخدمات بشكل كامل، في ظل انعدام الغذاء والمياه والخدمات الطبية.
وفي مأساة جديدة، نعت غرفة الطوارئ الطبيبة فردوس الطيب موسى، التي استشهدت إثر قصف مدفعي استهدف المعسكر، لتضاف إلى قائمة الضحايا من الكوادر الطبية الذين سقطوا برصاص وقذائف قوات الدعم السريع خلال الأيام الماضية.
وكانت الهجمات العنيفة على مناطق أخرى بالولاية قد أسفرت عن مقتل المدير الطبي لمستشفى أم كدادة، الدكتور نور الدين آدم عبد الشافع، في الحادي عشر من أبريل الجاري، فضلًا عن مقتل تسعة من أفراد الطاقم الطبي في المستشفى التطوعي بمعسكر زمزم للنازحين.

واقع مأساوي
من جانبها، وصفت تنسيقية لجان مقاومة الفاشر أوضاع الأحياء الشمالية للمدينة بأنها “كارثية”، مؤكدة أن آلاف السكان يعيشون تحت حصار خانق، يفتقرون فيه لأبسط مقومات الحياة من غذاء ومياه وأدوية.
وأوضحت التنسيقية أن مطابخ الإعاشة الشعبية في أحياء الزيادية، وديم سلك، والشرفة، والقبة، التي كانت تمثل شريان حياة للأسر المنكوبة، قد توقفت عن العمل بسبب نفاد الموارد والدعم.
وحذرت التنسيقية من أن استمرار هذا الوضع ينذر بكارثة إنسانية حقيقية، داعية المنظمات الخيرية وأبناء الوطن في الداخل والخارج إلى دعم هذه المبادرات لإنقاذ الأرواح. وأشارت إلى أن دعم المطابخ المجتمعية لا يقتصر على توفير الغذاء فقط، بل يمثل دعمًا لصمود المجتمعات المحلية في وجه الحرب والحصار.

انهيار الخدمات
وعلى صعيد متصل، أفاد ناشطون إغاثيون بأن توقف القوافل التجارية وتعثر عمليات الإسقاط الجوي للإمدادات الإنسانية، أديا إلى توقف العديد من آبار المياه التي تعتمد على وقود الديزل، وسط شح حاد في الوقود.
ويعيش سكان الفاشر منذ مايو 2024 دون انتظام في سلاسل إمداد الغذاء والمياه والكهرباء، حيث أدى الحصار المتزايد إلى حرمانهم من الحصول على الاحتياجات الأساسية، وزاد من تفشي المجاعة والأمراض وسط الفئات الهشة.
في المقابل، أعلنت وزارة الخارجية السودانية في وقت سابق، استعدادها للتعاون مع المجتمع الدولي لفك الحصار عن الفاشر وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين، بينما التزمت مليشيا الدعم السريع الصمت حيال هذه الدعوة، مما يزيد المخاوف من تصعيد الهجمات ضد المدنيين في الأيام المقبلة.

جريمة حرب
ويرى مراقبون أن ما يحدث في الفاشر يُعد جريمة حرب مكتملة الأركان وفقًا للقانون الدولي الإنساني، حيث تتعمد مليشيا الجنجويد استهداف المدنيين والمرافق الطبية ومخيمات النزوح بالقصف المدفعي، إلى جانب فرض الحصار والتجويع كسلاح حرب، وهو ما يستوجب تحركًا عاجلًا من المجتمع الدولي لمحاكمة المسؤولين عن هذه الجرائم وحماية السكان المحاصرين.
وسط هذا المشهد القاتم، لا تزال صرخات الأطفال والنساء في الفاشر ترتطم بجدران الصمت الدولي، فيما تعاني المدينة – التي كانت ملاذًا للنازحين من ولايات دارفور الأخرى – من خطر الإبادة الجماعية، وسط أمل خافت أن يحمل الغد بادرة إنقاذ لهذه الأرواح المحاصرة بين نار القصف وجوع الحصار.