أفياء أيمن كبوش تاني جابو سيرة الفساد.. !

أفياء
أيمن كبوش
تاني جابو سيرة الفساد.. !

# قلت له: ذات يوم قال لي أحد رؤساء الهلال السابقين (اللطيفين) بلا أي مقدمات: (فلان ده أنا عارفو حرامي وبيأكل قروشي.. لكن أنا سايبو بى مزاجي ده لانو بيقضي لي غرض).. !! وعلى آخر أيام البشير ونظامه في الحكم.. كان الرجل يضيق (خلقا ومزاجا) عندما يسمع (نغمة الفساد) وهو لم يكن يرفض هذا الحديث في الغرف المغلقة على الاسلاميين ولكن يرفضه في العلن مع أنه موقن بأن الفساد أصبح كائنا كامل الصفات.. يمشي في الأسواق بين الناس ويأكل الطعام، ثم لاحقاً أصبح هذا (الفساد) المستشري وسط الإخوان وحتى الجيران… هو القشة التي قصمت ظهر البشير والبعير معاً.
# الفطرة السليمة ايها السادة لا تنسجم مع الفساد… ولكننا ولله المنعة والمنة أبناء الحاجة والرغبة والحرمان وطموحات الثراء السريع الحرام، خصوصا وأن مجتمعنا هذا في سنوات ما بعد البترول لم يعد يسأل في سيرة اي موظف دولة وكيف أثرى وكيف امتلك الذهب والفضة.. هذه واحدة.. أما مكافحة الفساد فهي تكمن اولا في كشفه ومن ثم التعامل معه بالقانون.. القانون الجنائي لا قانون التحلل ومبدأ عفا الله عما سلف.. تطبيق القانون في الفاسدين يؤكد بأن الدولة جادة في مكافحته.. والا ستكون مجرد حكاية عنك يا ابازيد العمرك ما غزيت.
# أعود وأقول إن الفساد كان (طافيا) على بحر الأحداث في عهد البشير.. ولكنه للأسف الشديد لم يتوقف في عهد التغيير بقيادة البرهان وحمدوك بدليل أن الصحافة لم تتوقف عن كشف ملفات الفساد وكان أشهرها قضية (زبيدة) ولا ندري من هو زغلول…
# في الثاني من أغسطس من العام 2019 كنت اكتب عن عهد ما بعد البشير.. واشيّع الثورة إلى مثواها الأخير فقلت إن اقدار الله ماضية فينا وسحب القنوط تملأ السماء لتقول اننا الشعب الاشقى في محيط “الزون فايف”.. ثم اضفت: (كنا الأوائل اقتصاديا حتى حسبنا أنفسنا مع الشعوب “المرفهة”.. الدولار الأمريكي الواحد كان بجنيهين اثنين.. والجنيه السوداني الواحد بجنيهين مصريين.. هذا لم يكن على ايام طيب الذكر مشروع الجزيرة.. ولا زمان القطن “طويل التيلة او قصير التيلة”.. كان ذلك على ايام تدفق البترول… وتدفق الامنيات مثل تدفق الماء في الحقول والسهول والوديان..
انتعش الاقتصاد السوداني في تلك الفترة الممتدة من ٢٠٠٥ إلى ٢٠١٠ ولكنه للأسف كان انتعاشا يشبه “الحمل الكاذب”.. أو قولوا انه كان مجرد “فجة موت” بعدها دخل رجل أفريقيا المريض في غيبوبة طويلة لم تجد معها جميع محاولات التطبيب حديثها وقديمها.. فلم يتبق من الاسم الذي كان اسما للسودان.. إلا مرحلة نزع الأجهزة وتشميع البلد بخاتم وامضاء “الموت الرحيم”.. ثم قلت: (أن أجيال كلية غردون.. وجامعة الخرطوم التي كانت جميلة ومستحيلة.. عاشوا جزءاً من نضار ذلك السودان الذي حدثتنا عنه الكتب.. نالوا تعليما مجانياً لدرجة الرفاهية وصرفت عليهم الدولة صرف من لا يخشى الفقر.. ولكن ماذا فعلوا بنا عندما تخرجوا وأخذوا مكانهم في قيادة الخدمة المدنية.. لم يفعلوا شيئا غير انهم تركوا البلد للعساكر.. يحكمونها بالحديد والنار.. يحولون عامة الشعب إلى مجرد “فئران” في معامل التجارب.. فشلوا في عسكريتهم.. ولم ينجحوا في إدارة الدولة منذ الاستقلال.. فلم يقدموا لنا اي منجزات كبيرة بحجم المسيرة.. رغم طول المدة… بينما تفرغ “ملكية جامعة الخرطوم” من حملة الدكتوراة من السوربون وهارفارد وغيرهما للتنظير الفطير.. وكأن التنظير هو ساندوتش الطعمية الذي يتناوله معظم شعب السودان الآن.. هؤلاء.. بارعون في الخلاف والكلام.. لذلك تركوا الساحة للعساكر ليسرحوا ويمرحوا ويحكموا بالمزاج الذي متى ما كان عليلا.. تكلم بدلا عنه الرصاص بالصورة التي نراها الان.. من حق الشعب السوداني ان يعيش سنوات صفاء ورخاء تعوضه عن سنوات الحرمان والجفاف التي عاشها طوال سنوات ما بعد الاستقلال.. هذا شعب ظلم بمناخ خط الاستواء الذي مازال يعكر مزاجه.. وظلم بثقافاته المتعددة التي قالوا لنا كذبا انها إشعار إضافة.. فلم نر منها غير إشعار الخصم الذي قتل حلم الوحدة الجاذبة واغتال امنية السلام المستدام.. من حق الشعب السوداني ان يحكم بحكام صادقين.. يخافون الله.. ويخافون السؤال يوم السؤال.. حكام لا يعرفون درب الفساد ولا ينسجم مزاجهم الخاص مع الفعل الحرام.. فهل هذه مطالب صعبة ؟ هي مطالب سهلة ولكن لن تتحقق ما لم ينسحب ذلك الجيل القديم الذي فقد الطموح وتعطلت عنده حاسة الذوق لغد آت.. لم يعد البقاء في محطة الثورة مجديا.. الثورة الهتافات.. الثورة الشعارات.. والثورة المتاريس.. فلا بد من المضي قدما إلى محطة الجرافة وود البخيت وجبال كرري.. هي محطات كان عشمنا كبيرا بأن يصلها “مترو الانفاق” مثل خلائق الله في كل الدنيا.. وأن تتحول مساحاتها الخالية إلى حدائق وميادين وضياء وغناء.. او يمضي العمار كذلك إلى جبل أولياء.. من محطة قطار الداون تاون.. سندة في العزوزاب.. سندة في الكلاكلة.. وقدلة في الجبل والخزان.. الا يستحق هذا الشعب حياة مريحة.. تغيب عنها صفوف المواصلات.. وصفوف الرغيف.. وصفوف الصرافات.. آن لنا أن نحلم احلاما سعيدة فيما تبقى لنا من عمر.. لذلك سدوا فرقة الخلاف.. وتذكروا بأن الشعب السوداني الذي يغني الان (قلت افتكر لعمري.. ألحق الفضل اجيبو) في حاجة لملهم حقيقي.. ملهم يحمل مشرط الجراح الذي يجعلنا نلتقي من الرياح إلى الرياح.. مثل أجزاء الجراح.)… انتهى ما كتبته في تلك الفترة، ايها السادة، ومازالت الحدوتة هي (غول الفساد).