(6) تحديات عاصفة علي طاولة الرجل الهادئ.. كامل إدريس في قلب المعركة..

(6) تحديات عاصفة علي طاولة الرجل الهادئ..

كامل إدريس في قلب المعركة..

هل تنجح الحكومة المدنية في تفكيك ألغام الحرب والإقتصاد؟

رئيس وزراء من الخارج.. هل يملك مفاتيح الداخل السوداني؟

الإعمار وصراع القوى ومجتمع ما بعد الحرب..عقبات كبيرة ..

تقرير: علم الدين عمر

في لحظة شديدة الحساسية والتعقيد تولى الدكتور كامل الطيب إدريس منصب رئيس الوزراء في السودان وسط ترقب محلي ودولي لما سيقدمه الرجل من حلول في بلد أنهكته الحرب وتفككت مؤسساته وتعطلت عجلة إقتصاده.

إختياره جاء بعد مشاورات إمتدت لأشهر.. قادها مجلس السيادة بحثاً عن شخصية مستقلة تُرضي التوازنات القائمة وتملك شبكة علاقات خارجية تسهل عودة السودان إلى محيطه الإقليمي والدولي.

وفي خطوة أعتبرها المراقبون مؤشراً قوياً على نية المجلس السيادي تمكين رئيس الوزراء الجديد من عمله بصلاحيات تنفيذية واسعة أصدر المجلس قراراً بإنهاء إشراف أعضائه على الوزارات ..وهو الإجراء الذي كان مطبقاً منذ سنوات في ظل غياب الحكومة المدنية.. هذا القرار يُمهد الطريق أمام كامل إدريس لتشكيل حكومته بحرية كاملة ووضع يده على مفاصل الجهاز التنفيذي دون وصاية أو أزدواج في السلطة.

لكن إدريس.. رجل القانون والدبلوماسية القادم من المؤسسات الدولية يجد نفسه اليوم أمام مجموعة من التحديات المصيرية التي ستحدد ليس فقط مصير حكومته.. بل مستقبل السودان برمته.

أولاً.. الحرب والسلام: التحدي الأول والأثقل!!

الملف الأمني يتصدر قائمة الأولويات فالحرب دمرت البنية التحتية وشردت الملايين وأغلق أبواب الحوار السياسي بعد تورط قوي سياسية تصدرت المشهد خلال الفترة التي أعقبت الثورة في دعم تمرد مليشيا الدعم السريع ورئيس الوزراء مطالب بأن يكون فاعلًا في الملفين العسكري والدبلوماسي لتحقيق تسوية توقف نزيف الحرب وتعيد للدولة سيادتها مع القضاء التام علي التمرد .

ثانياً.. إعادة بناء الدولة من تحت الأنقاض..

الخراب الذي طال مؤسسات الدولة يتطلب خطة طوارئ لإعادة الإعمار وتفعيل جهاز الخدمة المدنية.. من دون ذلك لا يمكن ترميم ثقة المواطن ولا إطلاق عملية سياسية حقيقية.. ويتطلب الأمر تشكيل حكومة ذات كفاءة عالية قادرة على التحرك في ميدان محفوف بالمخاطر والتجاذبات.

ثالثاً.. الإقتصاد المأزوم.. هل من أفق للإنقاذ؟

الإقتصاد السوداني يعيش واحدة من أسوأ أزماته.. العملة منهارة، والإنتاج متوقف، والإستثمار غائب.. أمام إدريس تحدٍ حقيقي في جذب الدعم الخارجي وتوظيف موارده لإعادة العجلة الاقتصادية للدوران.. من خلال مشاريع إنتاجية.. وشراكات دولية تضمن الإستقرار المالي.

رابعاً.. فجوة الداخل: الخبرة المحدودة في الميدان السوداني..

أحد أبرز الإنتقادات الموجهة للرجل أنه ظل بعيداً عن واقع السودان العملي لسنوات طويلة.. فخلفيته الأممية لا تكفي وحدها لفهم تعقيدات الولاءات القبلية والجهوية ونظام الخدمة المدنية السودانية المتآكل.. هذه الفجوة تتطلب سداً عبر مستشارين ووزراء ميدانيين على دراية حقيقية بالواقع اليومي للمواطن السوداني.

خامساً.. موازنة القوى المسلحة والمدنية..

من التحديات الدقيقة التي تنتظر رئيس الوزراء الجديد بناء معادلة سياسية تحفظ التوازن بين الفاعلين في الساحة.. القوات المسلحة.. الفصائل المسلحة.. والقوى المدنية المختلفة.. فكل طرف يحمل أجندته الخاصة ويفرض إشتراطاته في المشهد الإنتقالي.. إدارة هذا التوازن تتطلب قدراً كبيراً من الذكاء السياسي والمرونة.

سادساً.. تقاطع الإتفاقيات ونسب تقاسم السلطة..

تواجه الحكومة الجديدة شبكة معقدة من الإتفاقيات السابقة.. أبرزها إتفاق جوبا للسلام.. وتفاهمات القوي المجتمعية ..وإتفاقات وقف إطلاق النار.. إدريس مطالب بإعادة قراءة هذه الاتفاقيات في ضوء المتغيرات الحالية.. وضبط نسب المشاركة بشكل يضمن التمثيل العادل دون الوقوع في فخ إعادة إنتاج الأزمات السابقة.

فرصة محفوفة بالمخاطر..

في تقييمه لفرص نجاح الدكتور كامل إدريس، يقول الأستاذ الصادق الرزيقي رئيس اتحاد الصحفيين السودانيين:
> “الدكتور كامل إدريس يملك رصيداً دولياً مهماً وشبكة علاقات واسعة، لكن نجاحه مرهون بقدرته على قراءة الداخل السوداني بتعقيداته القبلية والسياسية، وباختياره فريقاً متوازناً يملك الخبرة والمعرفة بواقع البلاد. الفرصة متاحة، لكنها تحتاج إلى شجاعة في القرار ومرونة في الإدارة.”

مهمة محفوفة بالأشواك.. هل يعبر إدريس؟

بداية الطريق أمام رئيس الوزراء الجديد تبدو محفوفة بالأشواك.. تحديات أمنية، توازنات سياسية، إقتصاد منهار، ومجتمع منقسم..ومع ذلك فإن الشخصية الهادئة التي عُرفت بحذرها ودبلوماسيتها قد تملك مفتاحاً غير تقليدياً لحل الأزمة.. إذا أحسنت إستثمار اللحظة..وأدارت المشهد بعقلية شاملة تتجاوز الحسابات الضيقة.

السودان اليوم لا يحتاج إلى مجرد رئيس وزراء بل إلى عقل إنقاذي شجاع يتقن لغة الداخل والخارج معاً ويملك الجرأة على أتخاذ قرارات صعبة..فهل يكون كامل إدريس ذلك الرجل؟