هناك فرق مني أبوزيد “الطيبة السودانية كثغرة أمنية”..

هناك فرق
مني أبوزيد
“الطيبة السودانية كثغرة أمنية”..

*”نحن شعبٌ يؤمن بأن القلوب تُقرأ من الكلمات، لذا فهو قد يُسلم مفاتيح الأسرار والبيوت لكل من يحفظ بيتين لمصطفى سند أو كوبليه لمصطفى سيد أحمد”.. الكاتبة..!*

في بلادٍ يُستقبل فيها الغريب بكوب لبن ووسادة، لا يحتاج الجاسوس إلى حذاء خفيف الخطى، بل إلى قصةٍ جيدة، ولهجةٍ محلية، وبعض الابتسامات. نحن شعبٌ يجيد بناء الثقة من أول نظرة، ولا يتقن مراجعة جواز السفر إلا بعد حلول الخراب..!

كاثرين بيريز شكدم لم تكن أول ولا آخر من اجتاز أسوار الأوطان باسم المحبة أو الدين أو الإعلام، هي لا تختلف كثيراً عن ذلك الوجه الطيب الذي يحمل كاميرا في يد، وخريطة في الأخرى، بينما يحمل في جيبه هوية مزدوجة، وخطة مفصلة على مقاس العدو..!

في الماضي، كانت الجاسوسية تُدار من مكاتب مظلمة ومخابئ سرّية، واليوم تُدار من حسابات تويتر، ومنصات بودكاست، وقنوات اليوتيوب، حيث يمكن للعدو أن يخترقك من خلال تعليق عاطفي على صورة لخراب مدينتك، أو رسالة دعم ممهورة بعلم غير علم بلادك..!

وإن كانت كاثرين قد دخلت إيران عبر المودة الفكرية، فإن بلادنا كانت وما تزال تُفتَح بعض أبوابها من خلال الطيبة والبساطة وقلة الحذر وسلامة الطوية في معاملة الوافدين والغرباء..!

في ظل هذه الحرب السودانية ذات الأطراف المزدوجة، من الصعب التمييز بين من يحمل سلاحاً ومن يحمل ميكروفوناً، وبين من يجاهد في خندق القتال ومن يغازل الخراب باسم “السلام المستدام”، كل شيء يصبح متاحاً وعرضة للبيع في زمن الحروب..!

والأخطر من الجواسيس ذوي التدريب العالي، هم أولئك “الطابور الخامس” الذين لا يحتاجون إلى تدريب بقدر ارتكانهم إلى شعور دفين بالدونية، يجعلهم يعتبرون ولاءهم للبعض في الخارج نوعاً من الارتقاء..!

نحن في حربٍ تُدار من بعض العواصم البعيدة بوجوهٍ محلية، لذلك لا يكفي أن تسأل عن “ماذا يقول” المرء، بل اسأل “لمن يدين”، ولا يكفي أن تحذر من الرصاص، بل احذر من الصداقات الإسفيرية، ومن الرسائل الصوتية، ومن المقالات التي تفوح منها رائحة الجغرافيا البديلة..!

لذا علينا أن لا نعتنق العفوية بينما ينتهج خصومنا التخطيط طويل الأجل، وليس شرطاً ان ترتدي العمالة بدلة رسمية أو أن تتكلم بلكنة أجنبية، بل يحدث أحياناً أن تأتي على هيئة شاب وسيمٍ يتحدث عن الحرية، أو سيدة جميلة تكتب عن العدالة وهي تشارك في القتل ببطء عبر تضليل القراء..!

الحروب تغيرت، والجاسوسية تطورت، والعمالة تمددت، ونحن في السودان ما زلنا نصادق كل من يشاركنا وجبة طعام، ونستبعد الخيانة عن كل من يجيد قول كلمة يا زول!.

munaabuzaid2@gmail.com