عشرون شهراً من الحرب فقد خلالها السلطة والنفوذ والسطوة،، الدعم السريع.. (الطمع ودَّر ما جمع) ..

عشرون شهراً من الحرب فقد خلالها السلطة والنفوذ والسطوة،،
الدعم السريع.. (الطمع ودَّر ما جمع) ..

تطور لافت انتظم القوات في التدريب والتأهيل والعدة والعتاد..

تميزت بمخصصات مالية ولوجستية، وشاركت في عاصفة الحزم..

تقلَّد حميدتي منصب الرجل الثاني في الدولة، ووقَّع اتفاق سلام جوبا..

تحصَّل على رتبة عسكرية رفيعة دون أن يلتحق بمعهد أو أكاديمية عسكرية..

طموح حميدتي الجامح، وإذعانه للقحاتة، أورده وقواته مورد الهلاك..

تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..

بعد مرور أكثر من عشرين شهراً على اندلاع الحرب الوجودية التي أشعل فتيلها الدعم السريع إثر تمرده الغادر على القوات المسلحة في الخامس عشر من أبريل 2023م، نجد أن تراجعاً كبيراً ضرب بنية الدعم السريع التي كانت تمثل قبل الحرب جزءً فاعلاً ضمن القوات المسلحة، وساعداً أيمناً لها في حماية الأرض والذود عن حياض الوطن، فيما كان قائدها العام محمد حمدان دقلو يتقلد منصباً رفيعاً وضعه في مقعد الرجل الثاني في الدولة بوصفه النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الانتقالي، ليصبح الدعم السريع بين ليلة وضحاها عبارة عن ميليشيا متمردة بعد أن تحطمت قوتها الصلبة جراء الضربات المتلاحقة من القوات المسلحة والقوات المساندة لها، لتضعف، وتفشل، وتذهب ريحها فتصبح مجرد عصابات تهيم على وجهها، وتمارس نهب وسلب أموال وممتلكات المواطنين، فيما يواجه قائدها مصيراً غامضاً ومجهولاً مخلِّفاً وراءه الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام.

قوات الدعم السريع:
ومنذ أغسطس من العام 2013م، أصبح الدعم السريع، قوات شبه عسكرية، أقرَّت بها الدولة وقرَّبها الرئيس المعزول عمر البشير منه لتكون حاميةً له، بعد أن كانت هذه القوات شبه العسكرية، تنشط في إقليم دارفور وتحارب من أجل القضاء على حركات التمرد، وحراسة الحدود، ومحاصرة عمليات التهريب، وبحلول العام 2017م أصبح الدعم السريع قوات مهيكلة وتابعة رسمياً لقيادة جهاز الأمن والمخابرات الوطني، بعد أن أجاز البرلمان السوداني قانوناً شرعنها لتكون قوة أمنية مستقلة تتبع للقوات المسلحة، وتميزت قوات الدعم السريع بخصائص ومخصصات كان يسيل لها لعاب الكثير من الضباط وضباط الصف وجنود القوات المسلحة للالتحاق بها خاصة بعد أن أصبحت تحت رعاية الاتحاد الأوروبي لمواجهة الهجرة غير النظامية، وبعد أن باتت تشارك باسم السودان ضمن منظومة قوات التحالف العربي بقيادة السعودية في عاصفة الحزم باليمن.

حميدتي:
ولم يكن القائد العام للدعم السريع محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي بمنأى عن التطور الذي اكتنف قواته، فقد صعد الرجل بالزانة وأصبح خلال سنوات معدودات ضابطاً رفيعاً يحمل على كتفيه رتبة فريق أول دون أن يلتحق بأيٍّ من المعاهد أو الأكاديميات والكليات العسكرية في سابقة لم تعهدها المؤسسة العسكرية، وفي ظل الفترة الانتقالية التي اتسمت بالفوضى والارتباك أصبح حميدتي نائباً أولاً لرئيس مجلس السيادة الانتقالي، حيث تمتع بمخصصات جعلته يتحرك كرجل دولة من الطراز الرفيع يقابل قادة ورؤساء الدول والحكومات على المحيط الأفريقي والعربي، ويتخذ قرارات مصيرية في الشأن السياسي والاقتصادي كيف لا وقد كان حميدتي مسؤولاً عن ملف السلام والتفاوض مع حركات الكفاح المسلح في دارفور والمنطقتين، وكان حميدتي رئيساً للآلية العليا لإدارة الأزمة الاقتصادية في السودان، في وجود دكتور عبد الله حمدوك الخبير الاقتصادي العالمي والذي رضي أن يكون نائباً لحميدتي محدود الفهم والتفكير والذي لا يفقه في الاقتصاد شيئاً سوى تجارة الحمير المهربة عبر الحدود.

سلطة ونفوذ:
وجود محمد حمدان دقلو حميدتي في موقعه الرفيع بالدولة مكَّنه من بسط نفوذه وسطوته على جميع مفاصل الدولة، فقد كان الرجل ممسكاً بزمام الأمور في الجوانب العسكرية والأمنية، فاستطاع أن يمكّن قوات الدعم السريع لوجستياً ويدعمها بالمعدات والعتاد الحربي، ويوسّع من قدراتها البشرية بتخريج عشرات الألاف من الجنود حتى وصل عدد قواتها بحسب محللين عسكريين إلى أكثر من 100 ألف فرد، تم تعزيزها ودعمها بخبرات من أرفع الرتب العسكرية من ضباط القوات المسلحة الذين تجاوز عددهم ال400 ضابط بحلول الخامس عشر من أبريل 2023م موعد اندلاع تمرد الدعم السريع حيث استجابوا جميعاً لنداء القائد العام بإنهاء انتدابهم لقوات الدعم السريع عدا قلة لا تتعدى أصابع اليد الواحدة استمروا مع الميليشيا المتمردة، إما لدوافع أثنية وقبلية، أو لضعف الوازع الوطني، وقد كان حميدتي مهتماً بتقوية الدعم السريع على حساب القوات المسلحة والقوات النظامية والأمنية، وقد نجح في مسعاه بحسب مراقبين خاصة بعد تفكيك هيئة العمليات التابعة لجهاز الأمن والمخابرات، وجعل قواته تسكن مساكنهم وتقبع في مواقعهم.

إمبراطورية اقتصادية:

النفوذ والسلطة التي كانت بيد محمد حمدان دقلو، جعلته يحكم قبضته على سوق المال والأعمال من خلال الاستثمار في عدة مجالات في الداخل والخارج عبر عدد من الشركات الضخمة التابعة للدعم السريع ومن أبرزها شركة تراديف للتجارة العامة المحدودة والتي يديرها من مقرها في دولة الإمارات، شقيقه الرائد القوني حمدان دقلو، والمعاقب من وزارة الخزانة الأميركية في أكتوبر الماضي 2024م لتورطه في شراء السيارات والأسلحة وغيرها من المعدات العسكرية التي مكّنت قوات الدعم السريع من تنفيذ عملياتها الجارية في السودان، بما في ذلك هجومها على فاشر السلطان حاضرة ولاية شمال دارفور، وكانت الخزانة الأميركية نفسها قد عاقبت شركة تراديف المذكورة وشركات أخرى تابعة للدعم السريع في يونيو 2023م جراء ما ارتكبته هذه الميليشيا من جرائم وانتهاكات خالفت التعهدات التي كانت قد التزمت بها في مفاوضات جدة، حيث قامت بأعمال النهب والاستيلاء على المساكن والبنية التحتية والأعيان المدنية، وتعرضت شركة “جي إس كيه أدفانس”، لعقوبات مماثلة من المملكة المتحدة في يوليو 2023م وهي شركة صورية أساسية تمتلكها قوات الدعم السريع، وتقدم بعض التمويل للميليشيا المتمردة لمساعدتها في شراء العتاد الحربي.

الجنيد وجبل عامر:
وفي الفترة ما بين عامي (2012م – 2019م) توسعت الأعمال التجارية لقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو من خلال الاستثمار في مجال الذهب بمنطقة جبل عامر بولاية شمال دارفور والتي كانت حكراً على شركة الجنيد المملوكة لحميدتي خوعائلته وهي إحدى أهم الشركات المستثمرة في قطاع المعادن في السودان، وقد قدمت شركة الجنيد عشرات الملايين من التمويل لإسناد قوات الدعم السريع مما مكنها من رفع قدراتها، قبل أن يؤول جبل عامر لصالح الحكومة بفعل اتفاق شهير تم في العام 2020م بين الحكومة ممثلة في وزارتي المالية والطاقة والتعدين، وشركة الجنيد التي تنازلت عن امتياز التعدين عن الذهب في منطقة جبل عامر، ليصبح جبل عامر شركة تتبع للشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة الذراع الحكومي المعني بالإشراف والرقابة على قطاع المعادن في السودان.

خاتمة مهمة:
على كلٍّ،، بعد مرور نحو عشرين شهراً على اندلاع تمرد ميليشيا الدعم السريع، تبقى الأسئلة المنطقية حاضرة وبقوة: أين الدعم السريع من القوة العسكرية والأمنية، ومن العدة والعتاد الحربي واللوجستي؟ ومن الوجود في عاصفة الحزم ضمن التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية؟ وأين نفوذ وسلطة قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو : حميدتي”؟ الفريق أول والنائب الأول لرئيس مجلس السيادة الانتقالي؟ وأين حميدتي نفسه حياً أم ميتاً؟ لقد كان محمد حمدان دقلو ضحية وسواس شيطان الطموح الخناس؟ أرخى أذنيه للقحاتة الذين أوعزوا له بالانقلاب على الجيش وتسلم السلطة خاصة بعد دخول دولة الإمارات على الخط، فأقدم حميدتي على الخطوة المتهورة والتي فقد بموجبها كل بريق السلطة والنفوذ وفقد عائلته التي تقطعت بها السبل بين قتيل وشريد ومعاقب ومجهول المصير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top