منى أبوزيد هناك فرق – أدب سوداني..!

.
.

مني أبوزيد

هناك فرق –

أدب سوداني..!

 

 

 

*”القلبُ غِمدُ الذِّكريات، من الذي أفضَى لسيفٍ في الضُلوعِ وسَلَّه” .. الشاعر أحمد بخيت ..!*

 

 

العنوان أعلاه لكتاب من منشورات جمعية البيت للثقافة والفنون الجزائرية أعده الشاعر السوداني “نصار الحاج” جامعاً فيه بعض نصوص القصة القصيرة التي برزت خلال العقود الأخيرة في السودان، ومنها ثلاث قصص قصيرة من تأليفي نُشرت قبل سنوات في بعض المواقع الأدبية..!

هذه الحرب – كما أراها – تندرج ضمن نبوءات أدب الحروب التي كانت الخرطوم تقرأ ما تقوم القاهرة وغيرها من العواصم بكتابته عنها وما تقوم بيروت وغيرها من العواصم بطباعته عنها، قبل أن يتحول الدمار الذي حاق بها إلى حكاية سودانية تستحق أن تكون مصدر إلهام لبعض نصوص الأدب الإنساني..!

من الأشياء البديعة في الأدب أنه يبوح بما في نفسك إنابة عنك ويختزل طبائع النفس الإنسانية في أيقونات رواية يسهل التوسل بمواقفها لتفكيك سلوك البشر الخطائين..!

هنالك دراسة نشرت قبل سنوات – أجراها عالم نفس كندي – تتناول الفوارق بين الذين يقرأون الأدب وبين الذين لا يقرأون، وقد أثبتت نتائجها أن قراء الأدب يمتلكون مقدرات عالية على التكيف مع المشكلات الاجتماعية المعقدة ويجيدون فنون التعامل مع طبائع النفس الإنسانية على تباينها. فالأدب يجهز قارئه نفسياً ويقوم بتهيئته علمياً على احتمال مفاجآت الحياة ..!

السلوك البشري كله مختزل ومؤيقن بين فصول الروايات الأدبية الحُبلى بالنبوءات السياسية والمرجعيات النفسية والشروحات العاطفية، فكل موقف إنساني – مهما خف وزنه بمكاييل الواقع المَعيش – خطير وقاطع وثمين في موازين الأدب ..!

الأدب العالمي وصف الحروب الدولية والمعارك الأهلية واللحظات الأخيرة في حياة الطغاة. لذلك تجد أن الذين شاهدوا نهاية الحكم المستبد على صفحات الرواية لم يصابوا بدهشة تذكر لمصير بعض الطغاة ولا يساورهم أدنى شك في مصائر بعضهم الآخر..!

أول نبوءة سمعتها بشأن هذه الحرب كانت قبل نحو عامين من اندلاعها ولم يكن مصدرها مساهمة مُهمَّة لخبير ومحلل استراتيجي في إحدى الندوات السياسية، بل كان حواراً من تلك الحوارات العابرة التي تقوم معظم السيدات بحياكتها على مقاسات فترات الانتظار في مراكز التجميل..!

كانت محدثتي شابة ثلاثينية أدهستني نبوءة أطلقتها بشأن مصير الخرطوم الذي سوف يعيد التاريخ نفسه من خلاله بتكرار ما حدث فيها أيام حكم الخليفة عبد الله التعايشي..!

بعد اندلاع هذه الحرب هاتفتها للاطمئنان على حالها وسألتها من أين لك بمثل ذلك الزعم، فقالت إن كل من يقرأ الأدب والتاريخ جيداً يمكنه أن يتوقع كل ما حدث..!

هي إذن قصة موت معلن وآخر فصولها مكتملة سلفاً، أما أسباب نهايتها فمرصودة ومؤيقنة بين سطور الأدب التي لا تغفل شيئاً ..!

 

 

 

munaabuzaid2@gmail.com