ايمن كبوش يكتب :حكايات عن التحول الرقمي والدفع الالكتروني

افياء
ايمن كبوش
حكايات عن التحول الرقمي والدفع الالكتروني

# قال لي: نحمد الله أنه رغم الحرب التي جعلت الأفق السوداني أفرغ من فؤاد ام موسى في بند الطموح، إلا ان الإرادة السودانية القوية مازالت تدفع الدولة السودانية للبحث عن مدارج موضوعية تقود إلى التطور، ودونك محاولات التحول الرقمي ودفع الناس إلى إجراءات الدفع الالكتروني في جميع المعاملات المالية بين المواطن والدولة.. قلت له أن هذا حلم جميل ونبيل لانه سوف يمحو ذكريات القديم البالي وتلك الحكايات المبذولة على قارعة الحياة السودانية وكانت تستمطر الضجر وتقصر العمر: (شاب من شباب بلادي، عاش معظم سني حياته في الخارج، جمع “تحويشة” العمر من أوروبا وقصد السودان لكي يحتفي بنجاحاته ويستثمر فيه.. اختار النشاط الذي يفهم فيه.. وبعد عامين من التجربة والدربة والحنكة التجارية.. توسعت أعماله وتمددت أمنياته لكي تزرع السماء بسحابات الوعد العوامر.. قرر الفتى “الموعود بالعذاب” أن يتوسع في النشاط وأن يفتتح شركة جديدة، فطلب منه أن يجري عملية “التحري الشخصي” أو ما يعرف عند العامة بـ”الفيش والتشبيه”.. فساقته قدماه، في ظل بيروقراطية الحصول على الخدمة، إلى أحد المجمعات الشرطية فأشاروا إليه في أول عتبة من عتبات ذلك المبنى الأنيق الذي صار يجسد حكاية القصر المشيد والبئر المعطلة، بالذهاب إلى إدارة تحقيق الشخصية في منطقة بري، توكل صاحبنا على الحي الذي لا يموت وذهب إلى هناك وفي باله رفاهية أوروبا والخدمة التي تمنح بـ”كبسة زر” كما كان يقول “مولاي الشعب الأسمر” عمر الدقير.. حاول العبور إلى داخل وجهته فأستوقفه فرد الشرطة.. “ياخينا ماشي وين؟!.. ماشي جوه..!! عندك شنو جوه..؟ عايز اعمل فيش.. الفيش ده ما هنا.. من طريقك ده تمشي مجمع خدمات الجمهور..!! يا جنابو أنا جاي من هناك وقالوا لي تمشي بري..!! لا لا شغلتك دي ما عندنا هنا.. نحن بنشتغل حالات خاصة بس جاية من الولايات..”.. انتهى الحوار الذي يشبه “حوار الطرشان” بنهاية حلم كان في الجوار ملء السمع والأبصار.. ولكن.. صاحبنا هذا، لم يتب من مصاعب “هذه الأرض التي تغطت بالتعب”.. أو لعله نسي ما كان بالأمس.. وفي جولة جديدة قصد صديقه مدير فرع البنك الذي تجاوز عمره المائة عام في السودان.. سأله عن شروط الحصول على تمويل ما.. تناول السيد المدير ورقة صغيرة وكتب فيها المطلوبات.. ذهب صاحبنا وحضر في اليوم التالي ومعه كافة المستندات الداعمة لطلبه.. نظر فيها المدير ملياً وحوله إلى موظف يجلس قريباً منه.. تطلع الموظف في الأوراق وقدم له عقداً لكي يوقع عليه الضامن.. سأله صاحبنا: كيف يوقع الضامن على العقد والبنك لم يستعلم بعد عن كفاءته في البنك الآخر الذي سيسحب عليه “شيك الضمان” .. لم يجب الموظف بل تناول خطاباً وأرفق معه شيك الضمان وقال له اذهب به إلى البنك للحصول على الاستعلام.. وصل إلى هناك وقالت له موظفة البنك، صغيرة السن والتجربة، “تعال آخر اليوم”.. جاء الوقت وحضر صاحبنا مطمئناً مستبشراً ووجد أن الموظفة المشغولة طوال الوقت بأحد الجالسين أمامها، لم “تجر سطراً” في المعاملة المطلوبة.. سألته هل أنت مندوب البنك..؟ قال لها لا..!! “خلاص جيب لينا صاحب الشيك لأنو عندنا منشور من بنك السودان بأنو الضامن يحضر بنفسو يعمل الاستعلام.. أمشي جيب لينا الضامن..”.. طيب يا بنت الحلال ليه من الصباح ما قلتي كده.. وضيعتي لي زمني.. فردت عليه بكل استهتار: أنا صراحة “اتخيلتك” مندوب البنك..!! كادت “اتخيلتك” هذه أن تحيل صاحبي إلى ذلك السوداني الذي يضع أخلاقه “في نخرتو” ولكنه لعن الشيطان وقال للموظفة التي تحفزت للمشكلة الكلامية.. يا سيدتي.. اتخيلتك دي جاية من الخيال.. وانتوا والله الذي لا إله غيره لو عندكم شوية خيال كان البلد دي اتغيرت.
# في الختام أعود وأقول، إن كل زمن السودانيين مهدر في اللاشيء.. فكيف لنا أن نسأل عن أسباب تأخرنا عن ركب الأمم التي ذهبت إلى تلك الضفاف الحالمة فساقها الخيال إلى إقامة وزارة للسعادة.. وهيئة عامة للترفيه.. ينبغي ألا يكون ما قبل 15 ابريل قبل عامين، ايها السادة، هو السودان ذاته الذي سيخرج من الحرب بلا ادني عبرة أو اعتبار والأمر لا يحتاج سوى (شوية حلم وخيال).