خلال عامي الحرب.. جرد حساب..
فنانون وقفوا مع الجيش.. واخرون (…..)…
رحيل فاجع لمبدعين ابرزهم محمد الامين وعدد من العازفين بينهم ( حذيفة وبيكلو، وكرري)..
ماوراء غياب وظهور طه سليمان واتصالات عاصم البنا ب ( كيكل)..
وفاة محمد المكي ابراهيم وهاشم صديق ونبيل متوكل تضاعف احزان السودان..
(……) هؤلاء اول من دعموا القوات المسلحة..
عامان (عجاف) من النشاط…(غنيات) بالمواقف والحكايات.!
عامان مرا على اسوأ كابوس هجم على احلام السودانيين وهو (الحرب)، تلك المفردة التي عاشها الناس حقيقة والماً ودموعاً وصبراً.
ارتال من الاسر العابرة، شيخ كبير يضع حقيبة مهترئة على رأسه، طفل يبكي وام تغرق في بحر دموع، اب يتكئ على بص سفريات وهو ينتحب بينما افراد اسرته الصغيرة بالداخل في طريقهم الى مجهول.
كلها مشاهد، عدت على اعيننا خلال العامين الماضيين، ولازالت باقيه في الذاكرة تقاوم الغياب وترفض المغادرة، وكما الحال العام، كانت الساحة الفنية، فهي جزء لايتجزأ من المجتمع، نبضاتها مستمرة بدماء الاهتمام الذي يمنحه السودانيين لها عبر شرايين الغناء والادب والثقافة.
(1)
اول ايام الحرب، لم يظهر الكثير من الفنانين بشكل واضح كداعمين للجيش، تلك حقيقة مطلقة لاتقبل الجدال ولن تغبشها بوستات زعل او اعتراض، ولم يظهر في اول ايام الحرب كداعم للجيش الا الفنان الشاب احمد الصادق والفنانة ندى القلعة وميادة قمر الدين، ذلك الثلاثي الذي كان اول من خطوا على صفحاتهم بفيس بوك عبارات الدعم للقوات المسلحة، قبل ان يعقبهم آخرون وآخرون، وحتى وصلت نسبة الدعم اليوم من الفنانين للقوات المسلحة الدرجة الكاملة.
(2)
الفنان طه سليمان تم تسريب عدد من الصور له بعد مرور اكثر من عام على الحرب، تلك الصور التي ظهر خلالها وهو يقف ويشرف على “تكية شمبات” ويعتني باطفال الحي، تلك الصور قفزت بطه سليمان
ووضعته في موقع مميز كاحد ايقونات الساحة الفنية لم ينافسه في ذلك الموقع سوى عاطف السماني والذي تحول ايضاً الى ايقونة شعبية عقب وقفته الصلده وتجواله بين التكايا اضافة لحمله للسلاح ضد مليشيا الغدر والخيانة.
(3)
وقبل مدة يصادفني المخرج الكبير شكر الله خلف الله ويحكي لي عن مغامرته الكبيرة هو والفنان عبد القادر سالم من اجل الاطمئنان على الفنان الكبير ابوعركي البخيت، حيث اضطرا للزحف بسبب القناصه حتى يصلوا لمنزل الفنان الكبير ويقضوا معه بضع ساعات.
ومن المعروف ان عركي كان اول فنان يرفض الخروج من منزله، ليحفر ايضا اسمه في دواخل السودانيين باحرف من ذهب ونور.
(4)
الساحة الفنية شهدت خلال عامي الحرب ندرة واضحة في انتاج الاغنيات العاطفية، وصارت كل الاعمال والمجهودات المتوفرة موجهة صوب انتاج الغناء للجيش والوطن، فأطل عدد كبير من الفنانين باغنيات جديدة داعمة للجيش السوداني،تلك الاغنيات التي كان لها بالغ الاثر في رفع الروح المعنوية لجنودنا البواسل.
(5)
بالمقابل هناك فنانون تعرضوا خلال هذه الحرب لبطش وتنكيل من المليشيا ومنهم الفنانة مودة الحنينة، بينما لازال مصير الفنان الشاب المهذب صفوت الجيلي حتى هذه اللحظة مجهولاً، ولااحد يعلم اين مكانه بعد ان تعرض للاسر من المليشيا واقتيد من منزله بشرق النيل لمكان مجهول.
(6)
بإنقضاء عام الحرب الثاني امس الاول، يكون معظم الفنانين قد عادوا لحفلاتهم وعملهم ولعل ابرز العائدين مؤخراً كانت ميادة قمر الدين واحمد فتح الله وحسين الصادق، وذلك بعد ان رفضوا في وقت سابق الغناء، بينما كان البقيه يقومون بالغناء ويتعرضون لهجوم شرس، بالرغم من قناعتنا التامة ان الغناء مصدر رزقهم ولاتثريب عليهم.
(7)
الفنان عاصم البنا كانت له قصة غريبة خلال الاشهر الاولى من عام الحرب الثاني، حيث تم اكتشاف رسائل مابينه وقائد قوات درع السودان كيكل- قبل عودته لحضن الجيش- حيث تم اتهام عاصم بالتخابر والخيانة وغيرها، بينما اتضح بعد التدقيق ان الرجل لم يكن يتواصل مع كيكل لاغراض خاصة او مكاسب بل كان يحثه على التوبة والعودة للجيش وهو ماتحقق مؤخراً.
(8)
وحتى نحظى ببعض المصداقية ونوفي الحقوق، لابد لنا ان نشير خلال هذا السرد الى نقطة مهمة وهي ان هناك فنانون لازالوا حتى كتابة هذه الاسطر في السودان، يحملون السلاح ويقاتلون جنبا الى جنب مع قواتنا المسلحة.
عامان كاملان قضاها هؤلاؤ تحت القصف ووسط النار، وفي مقدمتهم الفنانة عابدة الشيخ وتومات شندي والشباب امجد باقيرا ومحمد محمود وشهاب الدناقله، الى جانب المايسترو محمد ضرار ساحر الكمان والذي يستحق ارفع الاوسمة والانواط.
(10)
عودة الاذاعة والتلفزيون لحضن الوطن، كانت من اجمل الاخبار التي احتفل بها اهل الوسط الفني بشكل خاص، فالعلاقة مابين الفنانون والشعراء بذلك الصرح كبيرة وعميقة، بينما اسهمت عودة الاذاعة والتلفزيون في عودة عدد من القنوات للبث من جديد ومنها النيل الازرق، بينما كانت هناك قنوات ظلت على مدار عامي الحرب مرجعاً للمعلومة وقبلة لكل السودانيين وفي مقدمتها تلفزيون السودان وقناة الزرقاء وقناة البلد وغيرها.
(10)
خلال عامي الحرب، شهد الوسط الفني رحيلاً حزيناً لعدد من ركائز الفن السوداني في مقدمتهم الفنان الكبير محمد الامين والذي وافته المنيه بالولايات المتحدة الامريكية في رحيل افزع كل معجبيه وكل الوسط الفني، فود الامين كان احد الكبار القلائل الذين يعتمد عليهم في وصل الاجيال والمساهمة بالنصح والارشاد والاغنيات النظيفة، كما شهدت العامين الماضيين رحيل العازف أسامة بابكر التوم، الشهير بـ”أسامة بيكلو”، والذي لاقي ربه بعد صراع طويل مع مرض القلب، الى جانب العازف التوم والعازف مجدي كرري والعازف حذيفة عبد الله والذي رحل نازحا اثر علة لم تمهله طويلاً بولاية النيل الازرق، ولن ننسى بالطبع الموسيقار عبد الله عربي، ذلك الرحيل الذي ضاعف كثيراً من اوجاع الساحة الفنية منذ اندلاع الحرب الاخيرة.
قبيلة الدراميين ايضاً فقدت احد رموزها وركائزها وهو الممثل الكبير نبيل متوكل والذي توفي بشرق السودان، والحزن ايضاً ابى الا ان وان يعبر بقبيلة الشعراء ففقدنا خلال العام الماضي الشاعر الكبير محمد المكي إبراهيم، الى جانب شاعر الشعب هاشم صديق والذي وافته المنيه بدولة الامارات التي وصلها بعد احداث عديدة ومثيرة ومؤلمة للغاية، حيث تم اجلاؤه من منزله للمطار بعربة كارو.