حديث السبت
بقلم: يوسف عبد المنان
خارطة الطريق ومشروع الانفصال الجديد..
هل عادت الرباعية وصية على السودان مجددًا؟!!
مأساة جبال النوبة.. ماذا ينتظر كبرون والفريق شمس الدين كباشي
انقشعت سحابة أزمة السلطة وبقيت الشراكة مفتوحة..
في الخامس عشر من يوليو الجاري، ستعود منظومة الدول الرباعية لعقد جلسة جديدة لبحث الأزمة السودانية وطرق حلها نيابة عن أهلها بعد أن أعجزهم ذلك.
ولكن السؤال: لماذا عادت الرباعية التي كانت وراء كل أزمات السودان ما بعد رحيل نظام البشير، وهي التي أشعلت حرب الخامس عشر من أبريل قبل عامين ثم انسلت بعيدًا تراقب سيل الدم السوداني الذي تدفق، لتعود اليوم بتغيُّرٍ لم نحصل على أسبابه ودواعيه؟
ربما استجابة لمطالب قطاع عريض من أهل السودان بدخول مصر في مشروعات الحل والتسويات بعد أن أُبعدت لسنوات طويلة. مصر هي الأقرب وجدانيا للشعب السوداني، وهي أكثر دولة عربية وأفريقية لحق بها الضرر من حرب السودان التي لفظت ما لا يقل عن مليوني سوداني إلى الأراضي المصرية. فكيف لا تصبح دولة كانت شريكًا في استعمار السودان، وهي بثقل كبير في المنطقة، شريكًا في الحل؟
الرباعية الجديدة تضم المملكة العربية السعودية ، والتى يلعب سفيرها في بورتسودان أدوارًا ناعمة في تشكيل المشهد السياسي بالبلاد. والولايات المتحدة الأمريكية، سيدة العالم وسيدة العرب، ومشيخة أبوظبي التي دمرت البنية التحتية للاقتصاد السوداني وأنفقت نحو خمسين مليار دولار في تمويل حرب آل دقلو.
ورغم ذلك الدور، تم القبول بالإمارات مجددًا كوسيط من قبل حكومة السودان باعتبارها صاحبة الشأن. وتم، بصورة مفاجئة، انسحاب بريطانيا من الرباعية واستبدالها بمصر، وهو تغير شكلي.
بريطانيا تعتبر الأم والأب لمشروع التغيير الثقافي والسياسي والاجتماعي في السودان الذي تعثر واصطدم في لحظة ما بأنفة وكبرياء عسكر السودان.
مشروع التغيير في البلاد لم يبدأ بالثورة الشبابية التي اندلعت في العام 2019 كما يظن البعض، فقد أنفقت بريطانيا قبل سقوط نظام البشير نحو 179 مليون جنيه إسترليني، باعتراف الفريق صلاح قوش في جلسة جمعته بكاتب هذا المقال في بيته بحي الراقي بالخرطوم بعد سقوط نظام الإنقاذ بخمسة أيام فقط، حينها كان صلاح يحاول الإمساك بخيوط التغيير قبل أن يفلت من بين يديه بتخطيط ماكر بطله البرهان، وتلك قصة أخرى.
لكن السفير البريطاني عرفان صديق، الذي كان بمثابة الحاكم العام، يهرع إليه رئيس الوزراء عبدالله حمدوك في رابعة النهار وفي هجعة الليل، ويقدم إليه تقارير عن مسار التغيير وترشيح الوزراء الجدد وما ينبغي له أن يفعل. وحمدوك كان رجلًا مؤدبًا بين يدي عرفان صديق.
ولكن اليوم، بريطانيا التي قادت التغيير انسحبت من المشهد وجاءت مصر بدلًا عنها، ولكن السؤال ، ماذا تريد الرباعية بتشكيلها الجديد؟ هل تفرض وصايتها مرة أخرى على الشعب السوداني؟ وكيف تصبح دولة الإمارات وسيطًا في الأزمة السودانية وهي التي تمثل طرفًا أصيلًا في كل الخراب الذي لحق بالبلاد؟ وهل قبلت الحكومة مجددًا بالدور الإماراتي أم مكرهة أخاك لا بطل؟
2
قبل عودة الرباعية للانعقاد في الخامس عشر من يوليو الجاري، تبرز علامات استفهام عديدة وأسئلة تبحث عن إجابة. وبالطبع لن تجد إجابة في مناخ الغموض الذي يسود الساحة الآن.
أولى الأسئلة: ما طبيعة وتفاصيل خارطة الطريق التي قدمها سفير السودان في الأمم المتحدة الحارث إدريس إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وفتحت أبواب التواصل بين الفريق البرهان والأمين العام الذي رحب بتعيين الدكتور كامل إدريس واعتبره خطوة نحو استعادة الحكم المدني في السودان؟
ثم جاء طلب الأمين العام للأمم المتحدة بإعلان هدنة إنسانية لمدة أسبوع واحد في محيط مدينة الفاشر لأغراض إنسانية. ورغم إعلان البرهان موافقته على ذلك، تمادت المليشيا في الهجوم على الفاشر وقصفها بالمدفعية والطائرات المسيّرة، وأوقعت عددًا كبيرًا من الضحايا الأسبوع المنصرم، وداسـت بأقدامها على مبادرة الأمين العام.
وهي ربما تكون مقدمة لرفض عملي لخارطة طريق الحل التي طرحها السفير السوداني في الأمم المتحدة. ولكن، هل ناقش شركاء الحكم السوداني مبادرة خارطة الطريق؟ أم تجاهلوا المبادرة التي تحظى بدعم الرئيس، وأهملوا آراء بقية أعضاء مجلس السيادة وشركاء السلطة وشركاء الميدان من حركتي تحرير السودان والعدل والمساواة؟
هل يستقيم منطقا أن يتلقى شخصيات كبيرة ومؤثرة في المشهد السياسي والميدان العسكري مثل مناوي وجبريل تقارير عن خارطة الطريق التي طرحتها الحكومة من وسائل الإعلام، وهم نظريًا يمثلون الحكومة؟
نقطة ضعف الحكومة الحالية هي غياب التشاور بين الشركاء وغياب أو تغييب آليات اتخاذ القرار المشترك داخل الحكومة. سألت قبل أيام القيادي والرجل الثاني في حركة العدل والمساواة السلطان بشارة سليمان عن كيف تم اختيار رئيس الوزراء كامل إدريس، فضحك الرجل وقال: «سمعنا بالقرار مثلك».
فكيف يستقيم ذلك؟ ولماذا لا يعود مجلس الشركاء إلى الوجود؟ أم كلنا في انتظار العودة الظافرة لقوى الحرية والتغيير التي تشظت إلى أربعة كيانات فأصبحت رباعية (وقدها) خماسية؟ بعضهم تشرنق مع حمدوك وخالد سلك في ما يُعرف بـ«صمود»، وبعضهم باع ملابسه الداخلية لعبدالرحيم دقلو ببضع دراهم إماراتية وأصبحوا شركاء نيروبي فيما عُرف بقوى التأسيس.
ومن المفارقات أن حزب الأمة القومي، أكبر حزب سياسي في البلاد، اختار أن «يضع مسواطه» في كل “الحلل” التي تغلي في النار ؛بعض من قياداته مع حمدوك في «صمود»، وبعضهم مع حميدتي، واخرون مع البرهان.
إلا أن تنظيم قوى الحرية من دعاة التغيير الجذري برئاسة الحزب الشيوعي لم يستقبل بعد ممثلين لحزب الأمة. وهناك قوى حرية وتغيير – التيار الديمقراطي، وبالضرورة يُفترض مقابله التيار غير الديمقراطي، فهل هم «صمود» أم تحالف المليشيا؟
عودة إلى مشروع خارطة الطريق التي طرحتها الحكومة السودانية على الأمم المتحدة – رغم عدم دقة ذلك – فإن العالم الخارجي غير معني بالاختلالات الداخلية وتشاكس الشركاء وتضارب المصالح بينهم. ولكن الواقع يقول إن الدعم السريع يسيطر الآن على كل ولايات دارفور باستثناء عاصمة الإقليم الفاشر والأجزاء الشمالية من دار زغاوة.
فهل التسوية التي تُطرح الآن في الظلام وبين الجدران الصامتة قد تمهد لفصل دارفور من السودان وتسليمها للجنجويد؟
الواقع يقول إن أغلب مكونات دارفور الآن إما استسلمت للجنجويد أو مُرغمة على مواقفها الرمادية، وترك الزغاوة وحدهم يقاتلون من أجل دارفور، وهم من يقدمون التضحيات دماءً وجرحى ومصابين ومعاقين في الحرب، ويتعرضون لأبشع أنواع القتل على يد المليشيا.
فكيف لا يُسمع لهم صوت في أي حل لتقرير مصير بلادهم؟ وهل أهل السودان يرتضون أن تفرض عليهم حلول الرباعية وخارطة طريق قد تقود لفصل دارفور حتى يستريح «عمسيب» ومن شاكله من (الترك الجدد)؟ أم لا تعدو خارطة الطريق وتحريك ملف الرباعية بثوبها الجديد مسألة شراء وقت حتى سبتمبر القادم، وحينها سيقضي الجيش والقوات المشتركة على الجنجويد في دارفور ويطوون صفحاتهم إلى الأبد؟
وإن الجنرال الماهر، كما وصفه ياسر عرمان يومًا ما، يلعب «بولتيكا» على قول أبونا فليب عباس غبوش.
3
على ذكر أبونا فليب عباس غبوش آدم، المولود في منطقة حجر سلطان غرب الدلنج والمدفون في أم درمان بعد رحلة لم يُوثق لها في دهاليز السياسة، فقد تلقيت نهار الخميس اتصالًا هاتفيًا عبر الواي فاي من الدلنج عروس الجبال التي تحتضر الآن ويكتم الحصار أنفاسها.
كان محدثي العمدة شريف الشيخ، أحد عمد قبيلة دار جامع، وهي بطن من الرواقه الحوازمة، ولكنها القبيلة التي رفضت مبايعة حميدتي ولم تنكص بعدها مع الجيش وظلت صامدة في مناطقها بالكويك والبرداب والشعير وسرف الضي، ولم تفض تحالفاتها التاريخية مع النوبة أو تبيع ماضيها بمال آل دقلو.
قال لي العمدة شريف الشيخ، وكذلك عمدة البرقو الصليحاب بالدلنج العمدة أحمد، إن الأوضاع المعيشية داخل هذه المدينة تنحدر سريعًا إلى أسفل، وقد أحكمت مليشيا آل دقلو الحصار اللئيم على أهل الدلنج وكادقلي وجميع الجبال، وساعدتهم – بكل أسف – الحركة الشعبية التي تخلقت بأخلاق الجنجويد الآن وتخلت عن القيم التي زرعها يوسف كوه مكي وتلفون كوكو.
وتبعات الحصار على الدلنج الآن جعلت سعر “ملوة البصل” خمسين ألف جنيه، وسعر “ملوة الفتريتة” المرة عشرين ألف جنيه، وكيلو السكر خمسة عشر ألف جنيه، وكيلو اللحم خمسة عشر ألف جنيه.
انعدمت الأدوية المنقذة للحياة، وبلغ سعر كيلو الارز عشرين ألف جنيه، وكيس الشعيرية خمسة عشر ألف جنيه، وأصبح الناس يتقاسمون ملوة الدقيق بين أربع أسر في ملوة واحدة، ويعيش الناس على المديدة.
فماذا ينتظر وزير الدفاع كبرون؟ وماذا ينتظر الفريق شمس الدين كباشي؟ ومتى يقود التوم حامد توتو واللواء حسن أبوزيد والسلطان حسن موسى أبناء جبال النوبة من الأبيض إلى الدلنج ويفتحون الطريق عنوة، ولا ينتظرون خطة الجيش الذي ربما أولوياته الآن ليست رفع الحصار عن شعب النوبة؟
أم يقود اللواء فيصل الساير بنفسه، كما ظل يفعل، ويفتح الطريق حتى الحمادي ويضع متحرك «الصياد» أمام مسؤولياته بالوصول إلى الحمادي حتى ينقذ شعبًا حرًا أبيًا يتعرض للحصار ليموت جوعًا، والآخرون مترفون في المدن يستمعون فقط لأخبار الحرب ولا تحرك مأساة جبال النوبة شعرة في جلدهم «التخين».