حديث السبت:
كتب/ يوسف عبدالمنان..
(6) سنوات على التغيير
المبادرة التركية .. والعبرة من سقوط الإنقاذ… ؟!!!
(…..) فى هذه اللحظة سقطت الانقاذ معنويا فى نفوس الناس..
نشبت الحرب كثمرة لانسداد الأفق السياسي، وتمزق الجبهة الداخلية..
أصبحنا شعبا مقهورا بالحرب، مطارداً في وطنه، لاجئاً في دول الجوار
فوضى، ولامبالاة وصراع عقيم واستباحة للبلاد بعد زوال حكم البشير…
ماذا جنينا من فائدة، بعد سقوط الإنقاذ؟ هل نهضت في البلاد؟!!..
معارك الخرطوم بحري هل تكسر عظم المليشيا!!
1️⃣
ست سنوات الا قليلا منذ سقوط الإنقاذ الفيزيائي، وست سنوات أو سبع منذ سقوط الإنقاذ في نفوس غالب السودانيين… فما العبرة والدروس من السقوط الذي اعقبته الفوضى، واللامبالاة والصراع العقيم واستباحة البلاد. ثم نشبت الحرب الحالية التي قضت على كل أمل في عودة الأمن والأمان، لبلد منذ أن أشرقت شمس استقلالها ظلت تغرق في ظلمات اخلصراع الدموي والصراع السياسي العقيم،
سقطت الإنقاذ معنوياً في نفوس الناس، حينما قضى البشير على أي أمل في تغيير يبدأ به وينتهي بأجهزة الحكم.
ولكنه أصر إصراراً على أن يبقى في السلطة، حتى يُنفخ في الصور، واحاط نفسه بكل طبال زمار يرقص على لحن تجديد انتخاب البشير 2020 وكسر عنق الدستور، ولي ذراع الحزب السياسي الحاكم، ثم المضي في تحريض الجيش على الانقلاب علناً، حينما خطب في جنوده بعطبره، ويقول (إذا دقت المزيكا كل فأر يدخل جحره)، *ودقت موسيقى عوض ابن عوف ليوم واحد، ودخل كل فأر جحره، وكان البشير اول الداخلين،* ومنذ تلكم اللحظات، وفقدان الرئيس للناصحين، وتقريب العشيرة الأقربين سقطت الإنقاذ معنويا في النفوس، ثم أعقبها السقوط النهائي في الحادي عشر من أبريل وانتقال السلطة لمجلس عسكري، تشكل من لجنة البشير الامنيه بلا إرادة تغيير حقيقي، ولا رؤية صائبة لكيفية الانتقال بالبلاد، من ضيق إلى سعة، وتقلبات النخبة العسكرية مابين رهن الإرادة لمليشيات تعاظم دورها، وركبت قطار التغيير في عربة الفرملة، ومابين أحزاب تنظر أسفل أقدامها، هرعت للسلطة، مقبلةً كاقبال الرضيع على ثدي أمه العائدة إليه بعد حين، وبدأ قادة المجلس العسكري مرعوبين من ثوار الشارع الذي كان يموج غضباً على النظام السابق، ثم فرحاً بسقوطه، ولم يتعلم المجلس العسكري من تجربة المشير سوار الذهب بعد سقوط مايو، في تشكيل حكومة تصريف أعمال مستقلة، لفترة انتقال قصيرة، تعود بعدها الإرادة للشعب.
حدث ماحدث واخفق العسكر، وزومرة المدنيين، في إدارة البلاد، بحكمةٍ وعمق نظر، وجعلوا البلاد مباحةً للأجانب حتى غدا الألماني فوكلر أهم من رئيس الوزراء !! والسفير السعودي هو من يقرر في أمهات القضايا في البلاد، ونشبت الحرب الحالية كثمرة لانسداد الأفق السياسي، وتمزق الجبهة الداخلية، وأنقسام المكون العسكري، مابين مليشيا وضعت بيضها في رحل حمدوك، وقيادة جيش ارغمتهم وحداتهم وكبار الضباط على نفض أيادي العسكر من حالة التماهي مع خط سير الأجنبي، والمليشيا التي اغراها واشتراها. والان بعد ست سنوات لذلك السقوط، تبدت الأشياء غير الأشياء، وحصد السودانيون المر والأسى، و فقدوا الأمن والأمان، وأصبحت البلاد في مهب ريحِ صرصرٍ عاتية، ربما تهوى بها إلى قاع سحيق، وربما تهبط على السودانيين دعوات الصالحين، من عباد الله المخلصين، لالهام قادتنا الرشد، وتحقيق انتصارٍ لصالح هذا الشعب، المغلوب على أمره.
عبرٌ ودروسٌ سقوط الإنقاذ، لم يتعلم منها الناس الا القليل، ولايزال التمادي في أخطاء الأمس شاخصاً أمام أعين من له نظر، وأمام من له عقل يتدبر مآلات المستقبل، فسقوط الإنقاذ هو سقوط لمنهج احتكار السلطة والاعتداد بالرأي وتغييب المؤسسات، وإعلاء شأن الأفراد.
حسناً، ماذا جنينا نحن من فائدة، بعد سقوط الإنقاذ؟ هل نهضت في البلاد مؤسسات؟ ونعني بها مجلس وزراء، وبرلمان للرقابة، والتشريع، وديوان للمراجعة الماليه، وقضاء مستقل، ومحكمة دستورية، وصحافة حرة، وأحزاب ديمقراطية، وخطاب سياسي يعلي من شان القبول بالآخر، ويناهض الكراهية والإقصاء؟
*بالطبع الإجابة لا.*
وهل طرحت القوى السياسية خطاباً راشداً لجمع شعث الشعب، الذي قبل أن يفيق من صدمة انفصال الجنوب، اندلعت حرب دارفور، وفشلت كل مساعي ايقاف الحرب في جبال النوبة، وان كانت هناك نجاحات في سنوات الانتقال الحالية فإنها تتمثل في اتفاق جوبا الذي يجب أن يُحترم وينفذ لأنه الفرصة الأخيرة لبقاء السودان الحالي موحداً.
سته سنوات لسقوط الإنقاذ ولم تنهض من بعدها الحكومة ببناء مركز صحي، في البركل ولاشفخانة في همشكوريب، ولم تُشيد فصل دراسي واحد في أضان الحمار، التي أصبحت الفردوس.
سته سنوات لسقوط الإنقاذ وقد توقفت مشروعات الطرق القومية، ونضبت آبار البترول لنقص الصيانة، وخرجت صادرات الذهب الأصفر بالتهريب إلى روسيا ودبي، واصبح مشروع الجزيرة والرهد والمناقل ترتع فيه مليشيا قجه وجلحة، وقبل كل ذلك أصبحنا شعبا مقهورا بالحرب، مطارداً في وطنه، لاجئاً في دول الجوار يتسول الخبز الحافي، وانتشرت الدعارة والبغاء في معسكرات اللاجئين، وفي دول الجوار، واصبح ينظر إلينا كشعب فاشل، وافقرت الأسر، وعجزت الدولة لأول مرة منذ المهدية في الوفاء برواتب العاملين في الدولة.
وسته سنوات من السقوط ولايزال قادتنا في طغيانهم يعمهون؛؛؛؛
2️⃣
منذ أن تفقد البرهان الأسبوع الماضي منطقة حطاب بشرق النيل، ومنذ زيارته الشجاعة حد التهور لام درمان، بعد مجزرة ال65 شهيدا في ساعة واحدة، بسبب تدوين المليشيا لأحياء مدينة أم درمان، أصدر القائد العام توجيهاته، ببدء عمليات القضاء على التمرد في الخرطوم بحري، ومن حطاب وأم درمان بدأت عملية كسر عظم التمرد والقضاء على شركته في الخرطوم بحري، وبدأت العمليات الخاصة من السامراب ومنطقة العزبة وكافوري، ومعركة أبراج السلطان حسن برقو، وهي أبراج تتكون من عشرة طوابق وثلاثة بنايات كبيرة ومخابئ تحت الأرض واتخذتها المليشيا مقرا لها، ومركزا للسيطرة على جميع مناطق بحري بها أكبر مخازن الأسلحة والمسيرات وبها إعداد كبيرة جدا من القناصين، وقد استطاعت قوات المليشيا من خلال أبراج السلطان إيقاف تقدم القوات المسلحة أكثر من مرة وشكلت عقبة كبيرة جدا لتحرير بحري ودخول الجيش الصافية وشمبات الأراضي وكافوري، وكان سهلا على القوات المسلحة دك أبراج السلطان والقضاء على التمرد هناك ورجل الأعمال الشاب حسن برقو، وهو من سلاطين الزغاوة في تشاد والسودان، ورجل منفق جدا على الرياضة والفقراء وتعرض للاعتقال في سنوات الإنقاذ بتهمة الانتماء لحركة العدل والمساواة، وهي مجرد اتهامات وتصفية حسابات مع رجل ناجح جدا اعطي القوات المسلحة حق دك الابراج التي كلفت مايقارب ال20 مليون دولار أمريكي ولكن قيادة القوات المسلحة اختارت التضحية بكل ماتملك والمحافظة على المال الخاص، ولكن أراد الجيش القضاء على المليشيا بالسهل من الحلول والغالي من الكلفة المالية لدك حصون وجدر يقاتلون من ورائها منذ امدٍ بعيد، ولكن العقل العسكري الذي يقود العمليات على الأرض خطط لعملية اقتحام ليلي ومواجهة امتدت لعشر ساعات كاملة واجه فيها أبطال الجيش والقوات المشتركة والخاصة والمستنفرين الموت بشجاعة ارهبت المليشيا وأدخلت الرعب في قلوبهم ومع بزوغ شمس صباح الثلاثاء كانت نداءات حي على الصلاة من أعلى أبراج السلطان إعلانا عن تحريرها والقضاء على رئاسة المليشيا في بحري، بخسائر محدودة في صفوف الجيش، وهلاك إعداد كبيرة جدا من القناصين والمدفعجية والقوات النخبة من مليشيا آل دقلو فاوجعتهم ضربات القوات المسلحة، وحشدوا صباح الأربعاء اثنا عشر عربة قتاليه من الحاج يوسف لإعادة السيطرة على أبراج السلطان وأرسلوا المسيرات وحمم المدفعية من توتي ولكن كانت القوات المسلحة في الموعد، دمرت إحدى عشر عربة بمدافعها ولم تنجوا من القوى التي هاجمت أبراج السلطان الا سيارة واحدة فقط، وصباح أمس الجمعة كانت القوات المسلحة تخوض المعركة قبل الأخيرة في بحري، وتحرز تقدماً أحاط بالقوات المتمردة، في حلة حمد وشمبات الزراعة، وجعل خروج المليشيا إلى الحاج يوسف اشبه بالمستحيل، وإذا كان الرأي العام ينتظر بشريات الجزيرة فإن ماتقدمه القوات المسلحة في بحري لأمر مثير للإعجاب ومدعاة للفخر، بهؤلاء الرجال الأبطال الذين يخوضون حربا معقدة جدا، يتمركز فيها العدو بالعمارات وينصب بنادق القنص التي يجيد تصويبها الاثيوبيون، ولكن تحت وابل الرصاص والشهادة، وفي البرد القارس، منتصف الليل، حينما نهجع نحن إلى مضاجعنا، ونتسامر عبر الهواتف مع من نحب، هناك من يسهر ويمشي في الليل ويتسلل بين الأزقة وفي قلب المعركة لقتل جنجويدي يكاد الحجر يقول من ورائي قاتلاً فاقتلوه!!
قواتنا المسلحة تقدم كل يوم درساً في الفداء والتضحية من أجل هذا السودان وربما الوقت مبكر لكشف أبعاد معارك التحرير وتضحيات الرجال.
3️⃣
علي استحياء قدمت دولة تركيا ماقيل انه مبادرة لإصلاح العلاقة بين السودان ودولة الإمارات العربية المتحدة، ولم يفصح الفريق البرهان عن مادار بينه والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في المكالمة الهاتفية بينهما، ولكن هل تركيا مؤهلة للعب دور الوسيط لإصلاح العلاقة بين السودان والإمارات؟.
من حيث القدرات والإمكانيات والنفوذ الدولي فإن تركيا تعتبر من الدول المتقدمة ولكن علاقتها بالسودان دون المأمول باعتبارها دولة إسلامية شكلا وعلمانية مضموناً، وذلك أمر ثانوي غير مهم باعتبار السودان نفسه بعد سقوط الإنقاذ قد نكص عن اي توجهات إسلامية، وبات أقرب للدول العلمانية في المنطقة العربية والأفريقية، وإذا كانت أنقره في سنوات مضت على علاقة جيدة بالخرطوم، فإن سنوات الانتقال الستة الأخيرة حدثت بينها والخرطوم مايشبه الجفوة من غير قطيعة، وبعد نشوب الحرب قدرت تركيا مصالحها الاقتصادية مع دولة الإمارات على حساب التزاماتها الأخلاقية مع شعب استعمرته من قبل الدولة العثمانية التركية، واختارت تركيا مايشبه الحياد وخاب امل كثير من السودانيين في وقوف اردوغان إلى جانب البرهان، في الحرب الوجودية التي يخوضها السودان، وبعد مايقارب العامين يعلن اوردغان عن مبادرة لتحسين العلاقات بين ابوظبي والخرطوم، وهي علاقة متوترة جدا، بسبب دعم الإمارات غير المحدود للتمرد في السودان، وتقديم كل أسلحة الدمار لإلحاق الأذى بالشعب السوداني، وقد اعترف القيادي في تحالف المعارضة صديق الصادق المهدي بأن حل الصراع مع الإمارات يعني وقف الحرب وهو تصريح صادق من رجل كاذب، ولكن الإمارات التي تعول على المليشيا بمدها بالرجال لخوض حروبها في المنطقة لن تتخلى بيسر عن هذه المليشيا، وتركيا التي لها مصالح اقتصادية كبيرة مع دولة الإمارات العربية المتحدة لن تكون في وضع محايد يمكنها من النظر لزوايا الأزمة كلها ولكنها بطبيعة المصالح هي أقرب للإمارات العربية المتحدة وبالتالى لن يكتب لهذه المبادرة نجاحاً حتى لو نجحت تركيا في الملف السوري، والقرن الأفريقي، فإن المستنقع السوداني يصعب تحقيق اي اختراق فيه قبل أن يحقق الجيش السوداني تقدماً كبيرا يستعيد فيه المدن المغتصبة، وبعدها يمكن أن تدرك الإمارات أن مصلحتها في الاستقرار بالسودان، وبالتالي تبادل المصالح.
ولكن مبادرات العلاقات العامة وحسن النوايا لن تحقق نجاحا في هذا الملف، ورجب طيب أردوغان لولا تماهيه مع الإمارات، كان يمكنه أن يحقق اختراقا في جدار الأزمة.
4️⃣
بنص اتفاقية السلام يفترض أن تخضع ولايات النيل الأزرق وجنوب كردفان لحكمٍ ذاتي، فيه قدر من الفيدرالية الإدارية، والمالية، عن المركز القابض وقد نجح مالك عقار بقدر ما في تطبيق حكمٍ فيدراليٍ، ولكن في جنوب كردفان الوضع أكثر سوءاً، وحتى هذه اللحظة لم تطبق من اتفاقية جوبا الا تعيين نائب والي من غير صلاحيات، ومن غير مال، واختارت الحركة الشعبية شخصيات مغمورة لمهام كبيرة، وحتى كرتكيلا الذي جاءت به الاتفاقية وزيراً للحكم الاتحادي فشل في اختيار أحد ابناء جبال النوبة لإدارة الإقليم، الذي يفترض أن يصبح شبه مستقل، عن المركز ويستفيد من تجربة الفريق احمد العمدة في الدمازين، ولكن ظلت ولاية جنوب كردفان في هامش الهامش، لا يطالها التغيير، رغم مطالبة أهلها بوالي يستطيع قيادة التعبئة، والتحرير لأرض الولاية المغتصبة، من الجنجويد والحركة الشعبية، ولكن اي مطلب يقابله عناد مركزي غير مبرر مطلقاً، وإذا كانت الحكومة تسعى جدياً لإصلاح الأوضاع في جبال النوبه، فلن يعجزها أن تختار من العسكريين في الخدمة أو المتقاعدين لينهض بالولاية من كبوتها الحالية.