منى أبوزيد تكتب:الولادة من الخاصرة..!

هناك فرق

منى أبوزيد

الولادة من الخاصرة..!

*”الأدب هو موهبة أن نحكي حكايتنا كما لو كانت تخص آخرين، وأن نحكي حكايات الآخرين كما لو كانت حكايتنا” .. أورهان باموق ..!*

 

الحكايات التي انتشرت عن فظائع سجن صيدنايا الذي يقع في ريفي العاصمة السورية دمشق – بعد سقوطها بأيدي المعارضة المسلحة – بَدَتْ وكأنها قصص خيالية تنتمي إلى أدب الرعب..!

وتزامن هروب الرئيس بشار الأسد وعائلته مع بدء عمليات تحرير المعتقلين في ذلك السجن بدا وكأنه “ماستر سين” لفيلم أكشن من إنتاج هوليوود..!

أما كل ما تم تداوله في اليومين الماضيين عن مظاهر بطش النظام السوري بالمعتقلين – داخل أسوار ذلك السجن – فقد تم توثيقه أدبياً من خلال رواية “القوقعة:يوميات متلصص” التي صدرت قبل نحو ستة عشر عاماً، للكاتب السوري مصطفى خليفة..!

القوقعة من أشهر روايات أدب السجون في العالم العربي وقد تمت ترجمتها إلى عشر لغات عالمية، ويقوم بسرد أحداثها شاب أمضى نحو ثلاث عشرة سنة في أحد السجون السورية دون أن يعرف طبيعة التهمة الموجهة إليه، وكأن الكاتب الذي أصدر روايته في العام ٢٠٠٨م كان يتنبأ باندلاع الثورة السورية وبعدد سنوات اشتعالها قبل سقوط النظام..!

اليوم وبعد مرور بضعة عشر عاماً ما زلت أذكر الحال النفسية السيئة التي عشتها بعد فراغي من قراءة رواية القوقعة التي أجبرتني على إعادة تعريف مفهوم الشعور بالقرف المطل، بعد أن أقلقت روحي بأطنان من الغثيان الاستثنائي، فبقيت في حيرةٍ من أمري بعد قراءتها، هل أنا راضية أم ساخطة على أسباب وقوعها بين يدي ..!

أذكر أنني وبعد فراغي من قراءة إلياذة العذاب والتعذيب تلك بقيت ساهرةً حتى الصباح، أتململ، أفكر، أركض لاهثةً وراء تيار وعي الكاتب “البطل” وهو رجل مسيحي يحمل اسماً إسلامياً، درس الإخراج في فرنسا وعاد إلى بلاده، فألقي القبض عليه واتهم بالانتماء إلى جماعة الأخوان المسلمين، وسجن لنحو ثلاثة عشر عاماً قبل أن يفرج عنه، فيخرج من قوقعة السجن تلك ليعيش سجيناً في قوقعة العزلة ..!

الرواية المكتوبة بلغة المذكرات اليومية تنتمي بوضوح إلى ما اصطلح على تسميته بأدب السجون، وهي تشبه في ذلك – على الأقل – رواية “العريس” للكاتب المغربي صلاح الوديع التي تحكي – بدورها – قصة شاب ذهب لحضور عرس ابن عمه فاعتقل وتم سجنه وتعذيبه ..!

على أن الشعور بالغثيان لم يمنعني حينها من الخروج ببعض الملاحظات التي كان أبرزها كون الواقعية والتقريرية قد باتت موضة في المشهد الروائي العربي الذي انتقل – في تلك الأيام – من السرد الأدبي إلى السرد التقريري “تفاصيل يومية، سيناريوهات واقعية، نقل دقيق وجريء، ثم تعويل مطلق على حصاد دهشة القاريء جراء ذلك البوح العظيم” ..!

كان الطيب صالح إذا أراد أن يصف شخصاً – أو شيئاً ما – يختزل المعاني في جمل قصيرة سهلة ممتنعة، مشبعة بالمعنى ومحفزة للخيال، جملاً على غرار “منسي إنسان نادر على طريقته”. وكان نجيب محفوظ إذا أراد أن يقرر حقيقة عارية يكسوها ثوباً كرنفالياً من المفردات، فيكتب جملاً فاخرة على غرار ما كتبه عن “الزمن الذي يذيب الصخور ويفتت الصروح ويغير وجه البسيطة” .. إلخ ..!

وعلى العكس من الكتاب العرب هنالك كتاب عالميون انتهجوا تقرير الواقع بتصرف مثل ماركيز الذي كان يمعن في قراءة الصحف في باكورة عهده  بالكتابة، عندما اكتشف خط الواقعية الرقيق الذي يفصل بين الأدب والصحافة..!

إذن فقد شكلت الصحافة مرآةً للحاضر والمعيش الذي جعل منه ماركيز وقوداً لواقعيته الروائية السحرية، ومن ذلك أن مسودة رواية “وقائع موت معلن” ظلت حبيسة أدراجه لمدة ثلاثين عاماً، لا لشيء سوى أن والدته قد طلبت منه أن ينتظر حتى تموت جارتهم “أم البطل” المغدور، قبل أن يشرع في نشر الرواية ..!

أما مصطفى خليفة كاتب رواية القوقعة – وظل حكايتها الحقيقي –  فقد أخذ على نفسه عهداً بالبكاء والنشيج على حائط حقوق الإنسان في سوريا والعالم العربي..!

لقد اجتهد الرجل في أن يفسر الماء على طريقته فيحدثك عن ما تعلمه سلفاً عن حكم النظام – الذي أصبح بائداً – في سوريا “ليس أسهل من سجنك أو تعذيبك حتى الموت إذا حاولت أن تختار من يَحكُمك لا من يتَحكَّم بك”!.

 

munaabuzaid2@gmail.com

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top