رحمة عبدالمنعم يكتب :
إلى عبدالقادر الأمام “قدورة”
في ذلك الخلاء البعيد، حيث تصفو الأرواح وتنكشف معادن الرجال، كنت محظوظاً بمرافقة عبدالقادر الإمام “قدورة “، ابن الجزيرة البار، فارع القوام، نقي الدواخل، وجميل العشرة. قضينا عاماً كاملاً معاً في منطقة هجليج البترولية، حيث تسطع الحقائق في أوج صراحتها. هناك، في وسط الحقول، تجلّت أمامي مواقف هذا الرجل الذي لا يشبهه أحد.
عبدالقادر كان أخا ً وصديقاً، رجلًا نادراً بأصالته وشهامته، لم يكن يوماً مجرد زميل؛ كان أخًاً تقاسمت معه الأيام والليالي، واستمعت إلى حكاياته الماتعة وقصصه التي لا تملّ، تُبهج الروح وتملأ القلب دفئاً. إنه “أخو إخوان”، كما يُقال، صاحب مواقف لا تنسى، يقف إلى جانبك في الشدائد، ويدفعك إلى الخير بحضوره الهادئ ونصحه الصادق.
ما أروع صباحاته التي تبدأ بورد قرآني عذب، صوت عبدالقادر وهو يقرأ القرآن كان يشبه ضوء الفجر الذي يُزيل ظلمات الليل، قهوته المعمولة بحب، كانت كأنها دعوة للحياة من جديد، تجتمع حولها الدفء والمؤانسة، حديثه اللطيف كبلسم يشفي تعب الأيام، ووجوده كان عزاءً لمن يواجه غربة البترول وقسوته.
اشتياقي للقائه يمتد كطيف جميل، يزورني كلما تذكرت تلك الأيام. أحنّ إلى قريته “ودالزاكي “وأهلها الطيبين في شرق الجزيرة، حيث الكرم هو السائد والنقاء هو السمة، وحين ينقشع غبار الحرب، وتتحرر الجزيرة من أيدي الميليشيا المتمردة، سأكون أول المهنئين لهذا الوطن، وأول الزائرين لعبدالقادر وأهله،هناك، حيث الطيبة ترفرف كعلم فوق البيوت، سأجد صديقي كما عهدته: رجلًا عظيماً، وأخًاً لا يُعوَّض.
سلم يراعك استاذنا والزميل المقدام رحمة والله لقد قلت كلمة حق في هذا الرجل الفريد في نوعه فحقيقة عند الجلوس والاستماع إليه يدخلك في عالمة البسيط الذي لايملك منه من جالسة نعم الرجل وانت نعم الصديق فلقد اثبت الوفاء بيراعك الفريد وفقك الله وسدد خطاك