فضل الله رابح يكتب :لمسة وفاء من أسرة السوباط .. تكريم الفن وإجلال المبدع ..!!

الراصد
فضل الله رابح

لمسة وفاء من أسرة السوباط .. تكريم الفن وإجلال المبدع ..!!

لا مبالغة في استخدام كلمةِ تمدن أو حضارة ورقي الأغنية الكردفانية لوصفِ لونية غناء الموسيقار عبد القادر سالم والإزدهار الذي وجدته أغنية كردفان في عهده وكيف تطورت تأثر بها الجميع ولن أتحدث هنا عن إحتراف عبد القادر سالم للغناء في العواصم الأوربية والغربية لكنني أتخذه مدخلا للحديث عن ليلة خالدة علي ضواحي منطقة العبور بالقاهرة .
ومناسبة هذا التناول وهذا الإستدعاء لإيقاع وموروث الجراري والمردوم تلك الأمسية الرائعة التي خصصها رجل الأعمال رئيس نادي الهلال السوداني هشام السوباط وأسرته الصغيرة دكتورة. أفراح محي الدين بلال وأبناءه محمد .. مهند .. ملاذ .. وسكرتيره الخاص الشاب الودود محمد عصام ومدير المزرعة (سامر ) الذي أشرف علي إستقبال ووداع الحضور جميعا .. كانت تلك الأمسية بمثابة وداع عبد القادر بعد رحلة مرض شاقة تكللت بحمد الله بالشفاء والعودة منأرض الكنانة الى أرض الوطن .. كان حضورا لافتا إبن كردفان رجال الاعمال دكتور. أحمد فضل الله المدير العام لشركة ويلز العالمية .. كيف لا وعبد القادر سالم ظل يحمل السودان وكردفان هوية ولسانا في مجمل أغانيه التى طاف بها الدنيا والعالمين وغلب عليها إيقاع المردوم والجراري .. تجربة عبد القادر سالم متميزة فهو فنان مرتبط بالبيئة وهو من أوائل المبدعين الكردفانيين الذين نقلوا تجربة أغنية المردوم الى وسط السودان والي العالم أجمع .. أسهم عبد القادر سالم في إنتعاش ونماء الأغنية البدوية في الجزء الجنوبي من كردفان كما هو الحال في بعض أغانيه ومنها أغنية (اللوري حلّ بي، دلاني في الوِدَيْ)، وهو إيقاع سريع يحاكي سير الأبقار أو ما يعرف عند الرعاة بأم “جاعورة” وتشتهر به القبائل التي ترعى الأبقار، مثل المسيرية والحوازمة وكنانة وغيرهم من مكونات تلك المنطقة. وإيقاع المردوم يمتاز بقوة الحركة والحيوية وهو راقص جداً ويشارك فيه الجنسان من الشباب والشابات. ويعود الفضل في ذيوع هذا الضرب من الإيقاع إلى الفنان الموسيقار عبد القادر سالم الذي أخرجه من إطاره المحلي ليبلغ الآفاق، داخل وخارج السودان. ولعل أروع فقرات ليلة تكريمه في مزرعة السوباط هو تدافع الفنانين عماد أحمد الطيب .. عصام محمد نور .. مكارم بشير .. محمد حسن حاج الخضر .. مهاب عثمان .. سمية حسن .. ياسر عبد الوهاب ( الشهير بياسر سيد خليفة ) وكانت الفرقة الموسيقية الرائعة ومعظمهم فرقة موسيقي الاذاعة والتلفزيون بقيادة المايسترو. عمر الصول والموسيقار . محمد جبريل .. الموسيقار.عوض رحمة .. الموسيقار .عوض أحمودي .. الموسيقار.صلاح عمر .. الموسيقار .حيدر مدني .. الموسيقار.سيف مدلل .. الموسيقار.جمال الله جابو .. الموسيقار.الشافعي شيخ ادريس ..الموسيقار. فتح الرحمن الجندي ( فتح الرحمن ساكس ) والموسيقار . مامون كرار .. بعض الفنانين الحضورغني لهذا الضرب من الإيقاع الكردفاني مثل أغنية مكتول هواك يا كردفان التي أبدع في أداءها عصام محمد نور كما غنت مكارم بشير أجمل أغنيات عبد القادر سالم ( كل ما قلت أغني جروحك ما بخلني ) وهي أغنية من تراث قبيلة دار حامد فى شمال كردفان تقول المغنية فى تفاصيلها : قدار ما قلت نغني جراحك ما بخلني .. رميت الخط قابلني بشاير خيرك جني .. التوب الما هدا ولا بنشال في عجا .. كلما قلت أترجا نارك تاخد وجا.
لقد إنفعل عبد القادر سالم ونهض من كرسيه فغني “حليوة يا بسامة” التي تقول كلماتها : حليوة يا بسامة الفايح نساما ..الريدة في قلوبنا الله علاما .. طالبين سلاما ما تبقى ظلاما .. يا خيا الدنيا دي معدودة أياما .. فتمايل الحضور مع حركة ونشاط عبد القادر سالم لأن الاغنية قد أعادت البعض الي تاريخ وموروث عميق الجذورعندما كان للموسيقار عبد القادر أغنيته ذائعة الصيت اللوري حلا بي فهي التي تعد من بواكير انتاجه فهي أيضاً على إيقاع المردوم الذي اشتهر به هذا المبدع وأوصله إلى المستمع في أرجاء الوطن كافة حتى حسب كثير الناس أن كردفان لا يوجد بها إلا إيقاع المردوم .. أسرة هشام السوباط أحسنت الإختيار عندما إحتفت بالموسيقار عبد القادر سالم فهي بهذا التعبير تعبر عن الكثيرين من أهل السودان الذين رقصوا مع صاحب ( نجوم الليل ) – التي تقول : نعد نجوم الليل نار الغرام ضايق .. حال البريد مشغول ما تقولوا عاد فايق ..الفي العمر ملحوق غير ريدو كان حايق .. الليلة غاب تومي خلوني ياخلايق .. صبراً بجيب الخير للنارو ما طايق .. حبل الصبر ممدود بالخير بجيب سايق .. الليلة غاب تومي خلوني يا خلايق .. يا سلام خلوني يا خلايق .

ختم عبد القادر سالم الليلة الإحتفائية بهذا الإيقاع. وعبد القادر سالم قدم أيضاً أغنيات رائعة بإيقاع الجراري منها “المريود” و”قدار ما قلت نغني” ولعل القارئ يلاحظ بساطة هذه الكلمات وثيقة الصلة بالتراث الكردفاني الأصيل ، وقد اضفى عليها عبد القادر سالم ألقاً ورونقاً بحسن أدائه وجمال صوته وتمكنه من التوزيع الموسيقي فجعلها من الأغنيات التي لاقت رواجاً منقطع النظير مقارنة مع غيرها. في واقع الأمر لم يكتف عبد القادر سالم فقط بإيقاعات كردفان بل استخدم كثيراً من الإيقاعات السودانية الشائعة وغنى باللغة العربية الفصحى وبالسلم السباعي وهذا ما يجعلنا نقول إن : “عبد القادر سالم قد ساهم في لفت الانتباه للتراث وقيمته بالسماع ، وفي ذات الوقت لم يفشل في التأليف على نسق الأغنية القومية. وربما وازن عبد القادر بين التراث، والمعاصرة، بصورة لم يسبقه عليها أحد. فهو، وعبد الكريم الكابلي ، من أكثر المبدعين الذين عالجوا الأعمال التراثية بخلفيات موسيقية نقلتها إلى دائرة الاستماع القومي العريضة”. وهذا ما يجعلنا نعتقد أن عبد القادر سالم قد جسد المزيج الصحراوي والأفريقاني الذي ميز الأغنية الكردفانية ومنحها طابعاً مرتبطاً ببيئة هذا الإقليم وسبل كسب العيش فيه. يضاف إلى ذلك أن الدكتور عبد القادر قد صقل موهبته بدراسة الموسيقى وعلم الصوت الأمر الذي أهله لأداء اغنياته بشكل متميز وجد قبولاً واسعاً في الأوساط الفنية ولدى النقاد الفنيين وساعد ذلك في نشر إيقاع المردوم على نطاق واسع جداً، سيما وأن هذا المطرب الفذ قد تعامل مع كوكبة متميزة من شعراء كردفان منهم فضيلي جماع وعبد الله الكاظم وغيرهم كثير، وهو باحث متمكن في التراث القومي والمحلي وأخرج لنا مشاركات خالدة بدون تحيز إلى جهة ولا مجموعة بعينها .. لأنه كان يخدم الفن والإبداع فصارت أغانيه مثل الليموني ، ومكتول هواك يا كردفان وليمون بارا على لسان كل متذوقي الإيقاعات الكردفانية والموسيقى الحديثة على حد سواء. وسار على نهج عبد القادر سالم مجموعة من المطربين الشباب الذين مزجوا بين إيقاعات مختلفة من التراث الكردفاني ، منهم على سبيل المثال لا الحصر المطربة شادن حسين التي إغتالتها يد الغدر من مرتزقة مليشيا ال دقلو الارهابية ، وهو مبدعة قدمتها غرب كردفان فنانة لكل السودان ، من ديار المسيرية ، موطن المردوم الأصلي ، ولكنها أضافت إلى تجربتها ألحان راقية من أيقاع الجراري مثل أغنيتها : إلبل عملن جوطا .. سيدهن جرجر سوطا .. إلبل ليهن راعي .. سارح بيهن واعي .. إلبل سرحن غادي ..هبن لب الوادي ..وقد أدت شادن هذه الأغنية بضرب من إيقاع الجراري يعرف لدى الموسيقيين بالهودج ويتضح ذلك من اللحن الذي يميل إلى الإيقاع الثقيل لأن جمل “العطفة” عادة ما يسير ببطء ملحوظ. وقد اعترض بعض النقاد على عبارة “إلبل عملن جوطا” لأن الإبل في واقع الأمر لا يحدث منها ما يمكن أن نصفه “بالجوطة” ولكن طالما أن حديثنا هنا عن الإيقاعات الكردفانية نستطيع القول بأن شادن كمطربة شابة قد استطاعت أن تقدم مساهمة معتبرة في مجال الأغنية الكردفانية .. نظراً لتنوع ألحانها التي يغلب عليها المردوم.. شكرا الرجل الخلوق هشام السوباط .. شكرا الأسرة الصغيرة فقد إحتفيتم بقامة وطنية تستحق وزيادة لما قدمت من إبداع فقد خففتم عليه وعلي اسرته .. زوجته وإبنته تيسير التي قدمت من الولايات المتحدة الامريكية لتتابع إجراءات علاجه مع شقيقتها التي جاءت مرافقة له من أمدرمان الى القاهرة .. أصر عبد القادر سالم أن يعود الي السودان رغم رجاءات وإلتزامات السوباط وتكفله بكل الإجراءات بما فيها السكن والإعاشة لكنه عاد وكان محل إحتفاء وسط أصدقاءه ومعارفه وأسرته .. تحياتي الدكتور عبد القادر سالم ومتعك الله بالصحة والعافية فأنت ثروة وطنية قومية .. متعك الله بالعافية بقدرما قدمت من فضيلة وأخلاق وقيم عبر مسيرتك الإبداعية والمعرفية العامرة الطويلة ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top