بعير* الجيش و *كديسة* الحكومة ..!!
لواء شرطة (م) :
د . إدريس عبدالله ليمان
—————————————
يُحكى أن رجلاً ضلَّ له بعيرٌ بين الوديان والصحراء وأضناه البحثُ عنه ، فنذر نذراً وأقْسَمَ لئن وجَده ليبيعَنَّهُ بدرهمٍ واحد فلما أصابه ووجده أراد أن يفى بنذره بطريقةٍ ملتوية فَقَرَنَ به هِرَّة وربطهم بِحَبلٍ واحد وقَالَ : أبيعُ الجملَ بدرهم، وأبيعُ الهِرَّة بألف درهم، ولاَ أبيعهما إلاَ معاً، فقيل له : *ما أرخصَ الجملَ لولاَ الهرة* فصار ذلك مثلاً يُضربُ فى الجمع بين الغالى والرخيص وإقتران الحسن بالقبيح ..!!
وإن صَحَّ القُياس يمكننا أن نُسقط معنى المثل على واقعنا المُعاش الذى يشهد تقدُّماً نوعياً فى إدارة العمليات العسكرية ضد المليشيا الإرهابية وفشلاً ذريعاً فى إدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية تَمَثَّل جَليَّاً فى التَخَبُّط المقرون بالتَسَرُّع وفى التردُّدُ والتراجع عن القرارات التى يبدوا أنها تُتَّخذ فى عَجَلَةٍ غير مدروسة وأضحت ديدن القادة ..!! فليس هناك أسوأُ من رؤية هذا الوطن الغالى الذى يتمتع بثروات هائلة فى باطن الأرض وظاهرها وهذه الأنهار التى تجرى من تحته ، ورؤية أهله الذين حِيزت لهم مكارم الأخلاق بأجمعها أن يَعيشوا حالة من التوهان بسبب تَخَبُّط الحكومة وعواسة الحكام .. !! وقطعاً سترتفع فاتورة إصلاح الضرر الذى يُحدثه ذلك التخبُّط الحكومى وستكبر تداعياته وتنداح دوائره ( والبركة فى قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية وجميع المقاتلين الصادقين الذين يحافظون على الكفة من أن تميل !! ).
ومن المعلوم بالضرورة أنَّ الغرض من إدارة الدولة هو تنفيذ السياسات التى تستند إلى مبادئ الحُكم الرشيد وترتكز على المناقشات البنَّاءة وإيجاد الحلول للتحديَّات الصعبة ، ففشل الدولة أو فلنقل الحكومة فى تطبيق القرارات التى ترمز للسيادة الوطنية يُضعِفُ موقفها أمام القوى الخارجية ، كما يُمكن أن يؤدى إلى تدخلات إقليمية أو ضغوط دولية متزايدة قد تؤدى إلى التنازل عن بعض أشكال السيادة الأمر الذى يُشكِّل تهديداً لإستقلالية القرار الوطنى ، فنجاح أية سياسة أوقرار مرهونٌ بمدى تطبيقه على أرض الواقع .. فعدم تطبيق قرارات الدولة أيَّاً كانت ولأى سببٍ كان يؤدى إلى عواقب وخيمة وخطيرة على مختلف الأصعدة مما يؤثر على مستقبل البلاد ويهدد أمنها وإستقرارها ..!!
فهذه المبالغات ( الإعلامية الرسمية ) التى تصدر من قادة الدولة من حينٍ لآخر ترفع من مستوى التوقعات والآمال لدى عامة الناس رغم أن الكثير منها بعيد كل البُعد عن الواقع المُعاش ، بل وتَنتَقِص( أى تلك المبالغات ) فى معظم الأحوال من مصداقية التصريحات والوعود الرسمية وتُغذّى آمالاً غير واقعية أو حقيقية .. !! فكل الذى يريده أهل السودان من حُكَّامهم رؤية جادة لا شِيَةَ فيها ولاضبابية لإنتشال البلاد من دوامة القرارات المترددة إلتى كادت أن تغرقها بعد إندلاع الحرب ..!! كما يأملون منهم الإكثار من الفعل والعمل بدل الكلام والخُطب ( والورجغة ) التى تبيَّن للجميع ولكل عاقل ومتابع حصيف خطلها ، وأنهم لايستشيرون فيها أحد والدليل ( *آلولو..!!* ) .. ففى الدول التى تَحتَرِم مؤسساتها وقراراتها لايرتجل فيها الحاكم حديثه مهما بلغت فصاحته وبلاغته وإحاطته بقضايا شعبه ومواطنيه لأنه قطعاً سيخرج عن النص وقد تخونه عباراته وتُصيب أهدافاً خاطئه تماماً ولاتُحقِّق الغرض منها بل قد تأتى بنتائج عكسية .. !! فخطابات الرؤساء تسبقها دوماً مشاورات وإجتماعات مع المستشارين المتخصصين لتحديد عناصرها ونقاطها وفقراتها ولغتها ( سواءًا كانت حادة أو ناعمة ) وإشاراتهها وفقاً للمناسبة والجمهور المُخاطَب والرسالة التى يُرادُ توجيهها والأهداف منها ..!! *وهكذا تفعل مكاتب الناطقين الرسميين للمؤسسات العسكرية والأمنية .!!* ولئن كان الأمر كذلك فمن باب أولى أن تجد خطابات رئيس وأعضاء مجلس السيادة بعض الإهتمام من مستشارية المجلس السياسية والإعلامية ( إن وجِدَت ..!! ) بأن يتم شرح مضمونها بصورة جيِّدة ثم تُرسل المسودة لمن يكتب خطابات الرئيس ( إن كان هناك ثمَّة كاتب ..!! ) لصياغتها وفق الأعراف المتبعة حتى لا يلحن فى القول وتفلت منه كلمة تكون سبباً فى حدوث أزمة داخلية أو مع دولة أخرى ، ومن ثمّ تُجرى بروفة للتوفيق بين مضمون الخطاب وطريقة الإلقاء ولغة الجسد ..!! وهذا الأمر ينطبق على وزراء الحكومة أو ( شبه الحكومة على الأصح ) الذين نراهم مبذولون على قارعة الفضائيات كأيَّة بضاعة رخيصة ويجلسون بكل سذاجة أمام الكاميرات على الهواء لساعةٍ كاملة أو بضع الساعة كأنهم متهمون أمام تلك القنوات معلومة الخط التحريرى ويخضعون للإستجواب المُهين ( والزرزرة ) والتَنَمُّر والسُخرية والتعالى من قِبَل بعض المذيعين تحت سِتار المهنية والرأى الآخر التى يخدعونهم بها للأسف الشديد مع الإبتسامات البلاستيكية الصفراء وبعض العبارات المُعلَّبة ( منتهية الصلاحية ) الأمر الذى لايحدث فى أى دولة تحترم سيادتها وتسعى للمحافظة على سمعة مواطنيها .. فإن كانت هنالك ثمة ضرورة للمقابلات الإعلامية فيجب أن تكون وفق محاور متفق عليها تُسلم للوزير المعنى قبل زمن كافٍ مع الإلتزام بعدم الخروج عن النَّص فضرر الإساءة لايقع على المسؤول المعنى وحده أيَّاً كانت حدود ومستويات مسؤوليته بل هو ضررٌ متعدى يتأذى منه الجميع .
أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم ..!!
حفظ الله بلادنا وأهلها من كل سوء .