كتب :أحمد دندش
بات من الطبيعي خلال السنوات الماضية الاخيرة ان نشاهد فناناً شاباً (مغموراً) وهو (يجلبط) وجهه ب(بودرة) ويقف على مسرح مرتدياً على صدره (تونيك)-والتونيك هو احدى قطع ملابس الفتيات التي يرتدينها تحت قطعة اخرى-(يعني البنات بلبسوهو تحت قطعة تانية..وديل بلبسوهو براااااهو)-شفتو (قوة العين) دي.؟
المهم…اصبح مثل ذلك المشهد لايحتاج لان ترسم على وجهك اي معلم للدهشة، ولن تملك كذلك الا ان تضرب يداً بيد، قبل ان تنهض لتغادر مكانك-ان كنت من المحترمين-لتنآي بنفسك بالطبع عن الجلوس والاستماع لمثل هذه الفئة الجديدة التى ظهرت من الفنانين (ابو تونكات وبودرة)، وستكون رابحاً بالطبع إن استفدت من وقتك لتلحق بأي امر هام آخر بدلاً من الجلوس والاستماع لمثل هؤلا الذين يستحقون تماماً الاجابة على سؤال الراحل معمر القذافي: (من انتم)..؟
قبيل ايام وجدت في احدى القروبات صورة لمثل هذا النموذج الذى احكي لكم عنه اعلاه، واصدقكم القول انني اصبت بخيبة امل وصدمة كبيرة، ليس في ذلك الشاب، (لأنو هو اصلاً ماناقص خيبة)، ولكن في المجتمع السوداني الذى صار يفتح بيوت (اعراسه) لمثل اولئك للغناء فيها بحناجرهم وب(اشياء اخرى).!
مامعنى ان نفتح بيوتنا لمثل اولئك..؟…هل عدمت البلد الفنانين المحترمين..؟..ام اننا صرنا عرضة لثقافة جديدة طابعها (الخشلعة) وعنوانها الابرز (ثقافة الورا..ورا)..؟
نعم…الوسط الفني في السودان اليوم (موبوء) ومصاب بالعديد من الامراض اقلها (الهبوط الحاد في الاغنيات) واخطرها (التدجين السيئ) الذى يمارس لثقافات الغرب واهتماماتهم لتصبح هي من ضمن عناصر المجتمع السوداني، وهذه هي الكارثة التى لم ينتبه لها الكثيرون، فالكثير من معالم فننا السوداني باتت تتراجع وتحل مكانها ثقافات اخرى و(مظاهر) مختلفة كذلك، ويمكنكم الجلوس مع انفسكم بهدؤ ومراجعة التاريخ ومقارنته بالحاضر وستجدون اننا (خسرنا) الكثير من (وزن) فننا المحترم.
الاسرة السودانية التى تقوم بإستضافة فنان من عينة -(الرجالة تطير)- لاتستحق على الاطلاق ان ندافع عنها وعن ذوقها فهي مساهمة بشكل كبير في تمدد مساحات الداء في جسد الاغنية والمجتمع السوداني، والفنان الذى يحرص على ارتداء (التونك) اكثر من القميص لايستحق ايضاً ان نشير حق اليه بأسمه، يكفيه فقط ان ينظر لنفسه في المرآة ويحدد اولاً الى اي (جنس) ينتمي.!
بالتأكيد لن نطمح من احد مطربي -(البلوزات والتونك)- ان يردد لنا في حفل ما اغنية (الطير المهاجر) او (الذكريات)، لأن هذه الاغنيات تحديداً هي من يعملون على قتلها والغائها من عقلية المستمع السوداني ضمن خطة متكاملة للقضاء على الفن السوداني المحترم الرصين والتأسيس لفن آخر ثقافته السائدة (تبدأ من الخلف)-او كما يسمونها ب(ثقافة الورا..ورا).!
الصعاليك.!
عانى الفنانون كثيراً خلال سنوات مضت فى سبيل تغيير الفهم السائد عنهم بأنهم مجموعة من (الصعاليك)، وعملوا بجهد شديد لمسح ماتبقى من تلك النظرة من اذهان الجمهور، ومحاولة اذاقته طعم آخر يتسم بالكثير من المسؤولية والابداع، وربما نجحت محاولات الفنانين لدرجة كبيرة في ذلك الامر، وذلك بدليل التقبل الكبير الذى وجدوه في السنوات الاخيرة، والانفتاح الايجابي في اذهان السودانيين والذين صار معظمهم لايمانع ان يصبح ابنه فناناً.
وبرغم الرائحة (الاقتصادية) التى تفوح من آخر نقاط الحديث اعلاه – والتى تدور حول عدم ممانعة الاسر في ان يصبح ابناؤها فنانون- الا اننا بالمقابل لايمكن ان نصمت ونحن نشاهد على اقتراب عودة الفنانين لذات المربع الاول الذى عملوا في السابق للخروج منه، خصوصاً ونحن نشهد هجرة غير مسبوقة للشباب لامتهان مهنة الغناء، وابلغ دليل هل هذا هو التصريح الصادم الذي ادلي به مؤسس برنامج نجوم الغد بابكر صديق قبل سنوات وهو يؤكد ان اكثر من (2000) شاب وشابة لاختبارات برنامج نجوم الغد (في اخر نسخة له) فقط.!
مايجب ان يعلمه الجميع ان وصول الفن لنقطة (الامتهان من اجل الرزق) يمثل كارثة كبيرة جداً لابد ان يتم تداركها قبيل الطوفان، فهذا مهدد مباشر للارث والثقافة السودانية، والتى ستضيع ممثلة في الاغنيات التاريخية بعد عدم توفر المؤدي الذى يقوم بإيصالها للجمهور، وبعد ان يفشل المستمع في التمييز بين صوت (فلان وعلان)، وبالتالي يفقد الثقة في المؤدي، وبالتالي يفقد الامل في الاغنية السودانية الى الابد (وهي اصلاً ماناقصة).
(2000) شاب يتقدمون للتنافس في نسحة برنامج غنائي.!!…هذا بخلاف فناني الاحياء و(السمايات والختان)..؟؟..وماذا عن فناني الحيرة والعلاقات العامة و(الواسطة)..؟؟ وماذا..وماذا…؟؟.
الامر خطير يحتاج لردة فعل تتناسب معه، قبل ان نستيقظ ذات يوم ونجد (البلد كلها بقت فنانين) ونضطر لإستجلاب (مستمعين) من الخارج بعقود إحتراف شبيهة بعقود إحتراف لاعبي كرة القدم.
على كل الفنانين ان يعلموا ان عودتهم من جديد للمربع الاول الذى قاتلوا بشراسة ليخرجوا منه، سيعني لامحالة نهاية أي امل في الاغنية السودانية وفي الفنانون كذلك، وعلى كل الفنانين ان يعلموا ان لقب (الصعاليك) الذى اطلق عليهم في فترة ما، سيكون اهون بكثير من القاب جديدة قد تطرح وفق العصر والتكنلوجيا، وفي زمان صار فيه كل الشعب (يغني)، وعليهم ان يعلموا اكثر ان تنظيف التاريخ هذه المرة سيكون صعباً للغاية، خصوصاً في ظل إهمال الجهات المناط بها ترقية الفنون للموضوع وانتهاجها بإمتياز للمثل القائل (اضان الحامل طرشاء).!