فرضتها إدارة ترامب على السودان وتجاهلت الإمارات..
العقوبات الأمريكية.. ازدواجية المعايير..
الحكومة تستنكر العقوبات وتعتبرها ابتزازاً سياسياً وتزييفاً للحقائق..
تساؤلات مهمة عن مدى اتساق السياسة الأمريكية وحقيقة حيادها؟..
السفير نادر: العقوبات مهر للتزاوج غير الشرعي بين واشنطن وأبوظبي..
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..
الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام والتعجب أثارها إعلان الولايات المتحدة الأمريكية فرض عقوبات جديدة على السودان ارتكازاً على مزاعم تتعلق باستخدام الجيش السوداني أسلحة كيميائية خلال حربه مع ميليشيا الدعم السريع المتمردة، فإلى جانب التساؤل المنطقي عن أبعاد هذه العقوبات؟ وعن توقيتها؟ وتأثيرها؟ وارتباطها بتوتر العلاقة مع الإمارات؟ وعلاقتها بالتطورات الميدانية على الأرض؟ فقد كان التساؤل الكبير عن مدى اتساق السياسة الأمريكية وحيادها، في ظل التقارير الموثقة عن دعم الإمارات لميليشيا الدعم السريع بالعتاد والمعدات الحربية من المدافع والمُسيرات، والآليات إماراتية الصنع، والأسلحة أمريكية الصنع.
كيل بمكيالين:
عقوبات واشنطن المفروضة على السودان تشمل قيوداً على الصادرات الأمريكية وخطوط الائتمان الحكومية، ومن المقرر أن تدخل حيز التنفيذ في السادس من شهر يونيو المقبل، وتعكس هذه العقوبات بحسب مراقبين حقيقة ازدواجية المعايير التي تتعامل بها إدارة ترامب في سياستها الخارجية، ذلك أن واشنطن غضت الطرف عن اتخاذ إجراءات وعقوبات مماثلة في حق الإمارات المتورطة بالأدلة والأسانيد في دعم ميليشيا الجنجويد، حيث تشهد على التورط الإماراتي في الحرب على السودان عيون العالم أجمع بما فيها مؤسسات محترفة داخل البيت الأمريكي، مما يعني أن واشنطن تكيل بمعيارين حين تستخدم حقوق الإنسان أداةً تضغط بها على خصوم أو دول خارج الحلف، بينما تتجاهل ممارسات مشابهة أو أشدَّ لدى شركائها وحلفائها الاستراتيجيين.
استنكار الحكومة:
وفي أول ردة فعل من الحكومة السودانية، استنكر وزير الثقافة والإعلام، الناطق الرسمي باسم الحكومة، خالد الإعيسر، الاتهامات والقرارات التي أصدرتها الإدارة الأمريكية، واعتبرها نوعاً من الابتزاز السياسي وتزيف الحقائق المتعلقة بالأوضاع في السودان، وأكد الإعيسر أن الولايات المتحدة الأمريكية قد اتبعت سياسات تعرقل جهود الشعب السوداني نحو تحقيق الاستقرار والسلام والازدهار، وقال إنه ليس من المستغرب أن تُستأنف هذه السياسات كلما أحرزت الدولة تقدماً ملموساً على الأرض، مبيناً أن فبركة الاتهامات، وترويج الأكاذيب، بما في ذلك الادعاءات الأخيرة التي لا تستند إلى أي دليل، تأتي ضمن نهج قديم يرتكز على خارطة الطريق التي وضعتها الإدارة الأمريكية السابقة في العام 2005م، والتي تُعدَّل مرحلياً بما يخدم الأجندات الأمريكية، استناداً إلى مزاعم لا تمت إلى الواقع بصلة، مؤكداً أن هذه الادعاءات الكاذبة قد استهدفت مجدداً القوات المسلحة السودانية، لاسيما بعد إنجازاتها الميدانية التي غيَّرت من واقع المعركة، وعقب تعيين رئيس للوزراء، وهو ما شكل تطوراً مهماً في مسار إعادة بناء مؤسسات الدولة، ونوه الإعيسر إلى التصريحات الواضحة التي أدلت بها السيناتور الأمريكية سارة جاكوب، والتي انتقدت فيها تواطؤ إدارة بلادها مع الجرائم التي ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع في السودان، بدعم من دولة الإمارات العربية المتحدة، ودعت إلى حظر توريد الأسلحة إليها، مبيناً أن هذا الموقف يعكس وجود أصوات أمريكية تدرك حقيقة الأزمة وحجم المظالم التي يتعرض لها الشعب السوداني.
“كسر بيت”:
ويرى السفير نادر فتح العليم، الخبير في العلاقات الدولية وفض النزاعات، أن المصالح الاقتصادية والعسكرية لواشنطن في الخليج، تلعب دوراً محورياً في رسم أولويات العقوبات، ونوه السفير نادر في إفادته للكرامة إلى الزيارة الأخيرة للرئيس دونالد ترامب إلى منطقة الخليج والتي وقع خلالها صفقات تفوق 140مليار دولار، والتي وصفها السفير نادر بالغربان الذي قدمته الإمارات للسمسار الدولي دونالد ترامب، قبل أن تُوعز إليه بفرض هذه العقوبات على السودان، مبيناً أن الأمر لا يعدو أن يكون كما يقول الجنوبيون ” كسر بيت ” وزاد: ” أن هذه العقوبات تأتي في مقابل ما قدمته الإمارات من رشوة سياسية باهظة من أجل تحسين صورتها أمام أعين المجتمع الدولي، بعد الأزمة الأخلاقية التي وضعها فيها السودان”، وأكد السفير نادر أن هذه العقوبات لن تؤثر على السودان خاصة في ظل اختلاف الديناميكية العالمية وبروز التفوق الصيني في مجال الأسلحة مما أضعف حظوظ الولايات المتحدة تماماً في التعامل مع الأسلحة والتعامل مع الحماية حيث تعيش واشنطن حالياً على ما وصفه بالبلطجة الدولية من خلال استجواب الرؤساء في البيت الأبيض.
التعامل بندِّية:
وجدد السفير نادر فتح العليم، الخبير في العلاقات الدولية وفض النزاعات التأكيد على أن هذه العقوبات ليست سوى مهر للتزاوج غير الشرعي بين الولايات المتحدة ودويلة الإمارات العربية، وأن واشنطن تحاول إرضاء نظام أبوظبي والتذكير بأهمية الإمارات التي كانت مُتَنفَساً للسودان خلال الحظر الأمريكي السابق بحيث كانت كل التعاملات البنكية والصادرات السودانية تتم عبر الإمارات، وأكد السفير نادر أن الوضع الآن أصبح مختلفاً، وأمام السودان العديد من البدائل في التعاملات البنكية والتعاون الاقتصادي مع عدد من الدول على سبيل المثال وليس الحصر السعودية، الصين، روسيا، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي الشريك السابق لترامب والمنافس الحالي له، مبيناً أن الاتحاد الأوروبي يبحث عن موطئ قدم له في أفريقيا من بوابة القيم الجديدة المبنية على الشراكة لا الهيمنة، وأكد السفير نادر أن السودان مقبل على وضع جديد يحتاج فيه إلى صياغة أجندة تنموية خاصة به يسيطر فيها على موارده ويستند عليها في تجيير علاقاته مع كبريات دول العالم من منطلق التعامل ندِّاً بند، وذلك من خلال التعويل على الشراكات وليس الخضوع للولايات المتحدة الأمريكية، مؤكداً أن السودان يمكن بما يمتلكه من موارد أن يطوِّع جميع القرارات ويعيد العالم إلى صوابه، وقال محدثي الخبير في العلاقات الدولية إن حكومة الأمل التي يقودها الدكتور كامل إدريس يمكنها أن تضع من الخطط والسياسات ما يحقق طموحات وتطلعات الشعب السوداني.
خاتمة مهمة:
ومهما يكن من أمر تبقى العقوبات الأمريكية على السودان دليلاً جديداً على أن العدالة الانتقائية تقوّض مصداقية القانون الدولي، وتخلق شعوراً متزايداً لدى المستضعفين من دول العالم، بأن النظام العالمي لا يُدار على أساس القانون، بل على أساس موازين القوة، وهو الأمر الذي ينبغي أن ينتبه إليه السودان في ظل تجربته المدنية المقبلة ليطوِّر من موارده التي يسيل إليها لعاب العالم، بحيث تكون هذه الموارد والثروات الضخمة مصدر قُوَّة السودان وعصاه التي يلوِّح بها في التعامل مع العالم، ومن لا يملك موارده لا يملك قراره.