حرب الـ12 يوماً.. نهاية جولة أم بداية مرحلة جديدة؟!
إيران : اختبار الخطوط الحمراء..
الهجوم قاعدة العديد..وترامب يعلن نهاية الحرب بقواعد جديدة للعبة..
التصعيد في الخليج يعيد تشكيل التحالفات.. والسودان في قلب المعادلة ..
واشنطن لا ترغب في التصعيد بل تسعى لتثبيت واقع جديد..
تقرير تحليلي / علم الدين عمر
في إعلان مفاجئ حمل في طياته رسائل متعددة..مباشرة ..ومبطنة.. أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنتهاء حرب الـ12 يوماً في إشارة إلى الجولة التصعيدية الأخيرة التي شملت إغتيالات.. وضربات متبادلة..وهجمات غير مسبوقة إستهدفت قواعد أمريكية في المنطقة..
حديث ترامب الذي بدا وكأنه خطاب نهاية مرحلة.. تضمن إشارات دقيقة إلى أن الولايات المتحدة حققت أهدافها الاستراتيجية.. وجاء وقت السلام ما يُفهم منه أن واشنطن لا ترغب في التصعيد بل تسعى لتثبيت معادلة جديدة..ضبط الردع من دون التورط في حرب شاملة..
لكن اللافت أن الإعلان عن نهاية الحرب جاء بعد ساعات فقط من الهجوم المباغت الذي قامت به إيران مباشرة أو عبر أحد وكلائها في المنطقة على قاعدة العديد الجوية الأمريكية في قطر..
وبين سطور خطاب ترامب بدا واضحاً أن الفرصة قد أُتيحت لإيران وإسرائيل على حد سواء لإنهاء (مهام غير مكتملة) خلال هذه الجولة..كما ذكر الرئيس ترامب..فيما أضطلعت قطر بدور الوسيط خلف الكواليس عبر قنوات الإتصال المفتوحة مع طهران وتل أبيب وواشنطن..
هذا السياق يفرض قراءة مختلفة للهجوم على قاعدة العديد..
هل كان مجرد رد تكتيكي؟ أم إنه الحلقة الختامية المتفق عليها في لعبة معقدة تدار بأعصاب باردة؟ وهل تم فعلاً إستيعاب الهجوم ضمن إتفاق “الضربة الأخيرة” مقابل الدخول في مفاوضات أوسع؟.
أولاً.. قاعدة العديد – هدف رمزي في لحظة حرجة..
تُعد قاعدة العديد القاعدة الأمريكية الأهم خارج الأراضي الأمريكية..وركيزة تجمع القيادة المركزية (CENTCOM).. ويأتي استهدافها كحدث غير مسبوق في تاريخ الصراع بين الولايات المتحدة ومحور المقاومة.. خاصة وأن القاعدة لطالما أعتُبرت منطقة محرمة (ممنوع الإقتراب والتصوير) ناهيك عن الضرب والتدوين.!!
ثانياً.. بصمات إيران ورسائل مزدوجة..
إيران أو أحد أذرعها – كالحوثيين أو حزب الله العراقي نفذوا ضربة العديد بصورة مباشرة ولكل من المسارين (التنفيذ المباشر أو بالوكالة) رسالة تختلف عن الأخري في معرض إظهار قوة ومتانة الحلف والتنسيق –في رسالة ذات مسارين..
أولاً: كسر هيبة الردع الأمريكي والخليجي بضربة رمزية داخل العمق العملياتي لواشنطن.
ثانيًا: الرد على عمليات إسرائيلية/أمريكية في سوريا والعراق وأغتيالات إستهدفت رموز محور المقاومة..
لكن التوقيت المحسوب بدقة يفتح الباب أمام فرضية أن الضربة نُفذت بضوء أخضر ضمني لإغلاق ملف التصعيد وبدء جولة المساومات.
ثالثاً: الرد الأمريكي – صراع الحذر والهيبة..
رغم أن بيانات وزارة الدفاع الأمريكية قللت من أهمية الهجوم.. إلا أن “الرسالة وصلت” كما أشار بعض المسؤولين…
فالصقور داخل البنتاغون يضغطون للرد، لكن البيت الأبيض يميل لإحتواء الضربة ضمن إستراتيجية (التحمل الاستراتيجي) منعاً لإنزلاق واسع النطاق قد يُربك الحسابات الأمريكية..الأمر الذي يخالف زاوية النظر لشخصية الرئيس دونالد ترامب خاصة في الإعلام العربي والسوداني علي وجه الخصوص ..فالرجل بدا أكثر إنضباطاً ومرونة تحت الضغط المباشر..
رابعاً : الخليج بين الإحراج والإرتهان..
قطر وجدت نفسها في موقف حرج بين شراكتها الإستراتيجية مع واشنطن وعلاقاتها الدبلوماسية مع طهران.. فهل كانت في صورة الترتيبات الأخيرة؟ وهل وافقت ضمنياً على لعب دور (منصة استيعاب الرسالة)!!؟ ربما تكون هذه القراءة الأقرب والأكثر منطقية بعد ظهور الدوحة كوسيط مقبول أو وكيل صاحب مصلحة مباشرة بعد إمتصاصها لصدمة العديد وتجاوزها بأقل الخسائر من زوايا الماديات والسيادة الوطنية..
السعودية والإمارات بدورهما تابعتا الحدث بقلق.. فكل تصعيد في الخليج يهدد منشآتهما النفطية..في تكرار كان محتملاً لهجمات بقيق 2019.. بينما لا تخفي الرياض وأبوظبي نفورهما من الفوضى التي قد تترتب على أي تساهل أمريكي جديد.
خامساً: إسرائيل.. عين على إيران وأخرى على واشنطن..
إسرائيل بدورها لا تقل إهتماماً..فأختبار حدود الردع الأمريكي في الخليج ينعكس مباشرة على الجبهة الشمالية في لبنان وسوريا..
أي ضعف في الرد الأمريكي قد يُغري طهران بتوسيع نطاق الضغط..لا سيما في ظل هشاشة الجبهة الداخلية الإسرائيلية بعد الحرب الأخيرة على غزة.
بين المهام غير المكتملة وتوازن الضعف.. المرحلة الرمادية للشرق الأوسط..
تشير قراءة أكثر عمقاً إلى أن (المهام غير المكتملة) لكل من إيران وإسرائيل لم تكن فقط عمليات أمنية أو إغتيالات نوعية.. بل هي جزء من معركة أوسع لإعادة التموضع في المشهد الإقليمي..
إيران.. عبر حلفائها سعت لترسيخ حضورها في مناطق الفراغ الجيوسياسي كالعراق وسوريا ولبنان واليمن.. وتثبيت نفوذها البحري في الخليج والبحر الأحمر.. أما إسرائيل.. فعملت على تصفية البنية التحتية للمقاومة في غزة.. ومنع نقل الأسلحة الدقيقة إلى حزب الله..
ومع دخول الولايات المتحدة كـ”منسق غير مباشر” لضبط إيقاع الضربات ظهرت ملامح “توازن ضعف” بين الطرفين.. لا أنتصار حاسم.. ولا أنهيار كامل..هذا التوازن الهش بات يُستخدم كأداة لإعادة تشكيل خريطة المنطقة بهدوء عبر سياسة تقليم الأظافر لا بتر الأطراف..
وبذلك يعاد تشكيل الشرق الأوسط الجديد بصورة ناعمة علي أنقاض المشروع الدموي (2003م) عبر إضعاف الجميع.. وضبط التهديدات.. وتدوير المحاور.. وفرض طاولة مفاوضات طويلة ومملة.. لكنها تصب في صالح النفوذ الأمريكي والإسرائيلي طويل الأمد.
سادساً : السودان.. الساحة الخلفية لصراع المحاور..
وسط هذا المشهد يبدو أن السودان ليس بعيداً عن خارطة الاشتباك..
تمرد مليشيا الدعم السريع وعروضها الأخيرة بالتعاون في ملفات الهجرة والمرتزقة.. يأتي في سياق محاولات إستثمار الفوضى الإقليمية لتحسين موقعها التفاوضي و
أي تصعيد في الخليج يعيد ترتيب أولويات الداعمين الإقليميين ويضعف الغطاء السياسي والمالي للمليشيا خاصة في ظل إنتقال الإهتمام نحو ساحات أكثر خطراً كقطر وشرق المتوسط..ويتيح المجال أمام الحكومة الجديدة بقيادة الدكتور كامل إدريس لتعزيز موقف السودان وإنهاء حالة التجاهل لحربه الوجودية مع التمرد الداخلي ومحاولات التدخل الخارجي الخشن..
أخيراً.. هل إنتهت الجولة أم بدأت مرحلة جديدة؟
الضربة على العديد وإن كانت محسوبة تطرح سؤالاً جوهرياً:
هل نحن فعلاً أمام نهاية جولة وضبط جديد لقواعد الإشتباك؟
أم أن المنطقة لا تزال على فوهة بركان ينتظر لحظة الإنفجار؟
التحليل الأقرب للواقع للإجابة علي هذا السؤال يقول إن الجميع حقق الحد الأدنى من أهدافه في حرب الـ12 يوماً..
واشنطن إختبرت حدود الردع من دون التورط في حرب..
إيران وجهت رسالة رمزية دون تجاوز الخطوط التي تستوجب رد شامل..
إسرائيل أعادت تثبيت خطوطها الحمراء..
وقطر لعبت دور المهدئ ومُستوعب الصدمة..
دول الخليج الأخري إختبرت توتر الترقب الحذر المفتوح علي كافة الإحتمالات وأجتازت اللحظة الحرجة ولن ترغب في إعادة هذا الشعور مرة أخري..
لكن هل هذا التوازن قابل للإنهيار في أي لحظة ؟!! أم أنه أسس لموقف مستديم…فـ”توازن الضعف” بين إيران وإسرائيل و”الإنهاك الإستراتيجي” الأمريكي.. كلها عوامل تجعل المنطقة عرضة لموجة جديدة من الصدامات..ما لم تُبادر قوى الإقليم بحوار شامل يعيد الإعتبار لمصالح شعوب المنطقة بعيداً عن معادلات الخارج..