حديث السبت
كتب/ يوسف عبدالمنان.
على خطى الرابع من رمضان!!
المؤتمر الوطني على حافة انقسام جديد.
*الشباب يقاتل المليشيا والشيوخ يقاتلون من أجل كراسي السلطة!!!*
اللجنة الأمنية ذات الأذرع داخل الوطني يتحالف معها البشير اليوم ..
الصراع ليس بين أحمد هارون فى شخصه، وإبراهيم محمود..
صراعات تياري (عثمان ونافع) لعبت دوراً خفياً في إضعاف الإنقاذ..
البشير أحاط نفسه بغير الإسلاميين، وجاء بمدير مكتب من عشيرته الاقربين
1️⃣
علي خطي الانقسام الذي ضرب التيار الإسلامي في السودان، وأفقد الإنقاذ هويتها، وفت في عضدها، وذهبت ريحُها في الرابع من رمضان، حينما تحالف عسكر الإسلاميين مع بعض المدنيين، وأطاحوا بالشيخ حسن الترابي، الذي حملهم من وهنٍ إلى قوةٍ، ومن هامش المعادلة السياسية في البلاد إلى قلبها، بل زجوا به في غياهب السجن بكوبر، وأخذ بعضهم يباهي بأنه من اعتقل الترابي، بل كوفئ الضابط الذي اعتقل الترابي بوظيفة صغيرة، بولاية فقيرة، في وسط السودان وزيراً، وعلى خطي ذلك التاريخ المخزي تمضي مسيرة الانشقاقات، والتصدعات داخل حزب المؤتمر الوطني، الذي سقطت سلطته في 2019م بانقلاب بعض أبنائه !! مثلهم مثل أطفال رضعوا من ثدي أمهم لبن الحياة فلما ظهرت أسنانهم عضوا الثدي الذي رضعوا منه !! وانقلبوا على حكومتهم، والمدهش جداً أن الذي أوحي لهم بالأنقلاب على المؤتمر الوطني رئيس البلاد ورئيس الحزب نفسه !! الذي فتح مزاداً للانقلابات في خطابه الشهير بمقر سلاح المدفعية بعطبره، وبملء السمع والبصر وفي أعين الناس حرض البشير ضباط الجيش، علناً على عرشه وحكومته، وهو يقول *(اذا دقت الموسيقى كل فأر يدخل جحره)* وكانت تلك بمثابة دعوة صريحة، تلقفها صلاح قوش، وعوض ابن عوف، وآخرين، واطاحوا بالبشير باسم اللجنة الأمنية، *ولأن السودان هو بلد الغرائب والعجائب، فإن ذات اللجنة الأمنية – التي كانت لها أذرع سياسية داخل حزب المؤتمر الوطني- هي ذاتها تحالف معها البشير اليوم !!، وهو لايزال يأمل ويمني نفسه الإمارة بالسلطة لحكم البلاد مرة أخرى، أو على الأقل قيادة الحزب الذي تخلى عنه علناً، يوم عسرةٍ ومشقةٍ وحصار، ثم عاد إليه في لحظة تخبطٍ وفقدان البصيرة، وسوء التدبير، وعدم التفكير، وغياب التأمل في المآلات، فلم تفلح خطواته تلك في الخروج من ذلك النفق الذي أدي للسقوط.*
شهد الأسبوع الماضي خروج خلافات المؤتمر الوطني من دائرة الصمت إلى العلن !!، وعادت تلك الأجواء المسمومة بين الإخوان، والتي طفحت بكل كيلٍ من الحشف، وفاحشٍ من القول، وساقط من اللغو، وتجريحٍ، اعادتنا الي أيام مفاصلة الرابع من رمضان، التي بلغت حد تخوين الترابي، وتقريب خصومه، ورفع مقامهم الي مقامات الشيخ، الذي ولغ هو الآخر وحيرانه في التقليل من شأن البشير، والحط من مقامه، متناسين أنهم وصفوه (بهبة السماء) وهاهي تعود تلك الأجواء، ويتراشق الطرفان بالكلمات المسمومة، الي حد وصف نائب رئيس الشورى – الذي يفترض فيه الحياد والترفع عن الإساءة لاخوانه – فإذا به يصفهم بالمتمردين على الشرعية وقال *(قد جاءت الشورى ببعض أعضاء المكتب القيادي من العدم).* ومع تقديرنا واحترامنا لرجلٍ مثل السلطان عثمان كبر، ماكان له وصف اخوة له جمعتهم الفكرة والسجون والمعتقلات، بهذا الوصف الذي لايليق برجال مثل د. نافع، والمهندس إبراهيم محمود، ود. الحاج آدم يوسف، والفريق محمد عطا، ولكن ما أشبه الدكتور عثمان اليوم بالبروف عبدالرحيم على، الذي كان يجلس على ذات كرسي رئاسة الشورى حينما تفجر خلاف الرابع من رمضان، فتظاهر البروف العالم بالحياد في الصراع لبرهةٍ من الوقت، ولكن ما لبث أن مال بقلبه بعد أداء دوره المرسوم بدقة إلى البشير، ونكص علي بيعته للترابي، فخسر تاريخه ومقامه، والدور المحوري المنوط به، أي خسر كل شي. وعندما نقول ما أشبه الليلة بالبارحة، فإننا لاننظر إلى الشخص وسمته بقدرما ننظر إلى المواقف، وكيف تتبدل الأشياء بين عشية وضحاها، *وقد كشف رئيس الشورى بالإنابة الأخ عثمان كبر ببيانه المنشور أمس الأول عن تماهيه مع مجموعة على حساب أخرى، وكان حرياً برجلٍ في سنه وخبرته وتجربته، أن يسعى لرتق الفتق وتضميد الجراح، ومعلوم ان الاتكاء على الذرائع واللوائح والدستور والنظام الأساسي لن يحقق مقاصد الوحدة في مجموعات اختلفت مصالحها، وتضاربت تقديراتها، وغابت حكمة الكبار،* بينما تجلت تضحيات الشباب في الميدان الجهادي للدفاع عن البلاد وهويتها، ووجودها، وهذا الذي لم يدركه الشيوخ الجانحين إلى الفتنة، والتشرزم والتمزق.
وتجدني هنا لست على وفاق مع قول عالم كبير ومفكر مثل د. محمد مختار الشنقيطي الذي قرأ في الجهد التنظيري الذي ورثه المسلمون من علمائهم الاقدمين، وقد لاحظ الشنقيطي في كتابه الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية من الفتنة الكبرى إلى الربيع العربي، لاحظ كيف تحول الخوف من الفتنة إلى هاجسٍ مرض، وكابح نفسي يستبطنه العقل الفقهي الإسلامي، أملاً في الحفاظ على وحدة موهومة، تتأسس على القهر، وتلك صفقة خاسرة على المدى البعيد، رغم كل ماتحققه من حلول تلفيقية ظرفية، ولو أن فقهاءنا السياسين تعاملوا مع سلطة الأمر الواقع بمنطق عملي محض، فوضعوا القبول بالاستبداد ضمن فقه الضرورات العملية المؤقته وميزوا بين الطاعة بالواجب والطاعة بالضرورة كما فعل جان جاك روسو مثلا، لما كان عليهم من حرج، فالضرورات تبيح المحظورات ولاريب، ولكن هل حالة المؤتمر الوطني الآن وصراع قادته هي صراعات ضرورة ام صراعات مصالح منتظرة ؟؟.
وهيهات .. هيهات ان يحققوا منها مصلحةً.
2️⃣
الصراع الذي طفح إلى الساحة وخرج من دائرة الصمت إلى العلن، هو صراع بين لاعبين آخرين، وليس صراعاً بين أحمد هارون بشخصه، وإبراهيم محمود حامد، ولكنه صراع تيارات تخلقت داخل رحم المؤتمر الوطني، جراء التنافس بين مجموعة تمثلها رمزية الشيخ علي عثمان محمد طه، ومجموعة تمثلها رمزية الدكتور نافع، ونحن هنا لسنا معنيين بأعمال التشخيص والدقيق لمكونات كل مجموعة، ورؤيتها السياسية، ولا من يقف هنا ومن يقف هناك، *ولكن صراعات تيارات عثمان ونافع لعبت دوراً خفياً في إضعاف الإنقاذ،* وكان الرئيس البشير يمارس لعبة التقريب والإبعاد، و يشعر بزهوٍ والرجال يتنافسون في خطب وُده، والتقرب إليه، وحينما وقع على عثمان اتفاق نيفاشا مع جون قرنق، وصعد نجمه في الفضاء الإقليمي والدولي، ورشحه البعض لخلافة البشير، وقيادة التيار الإسلامي، عوضاً عن حركية الترابي، وفي الوقت الذي كان منطقياً وعملياً أن يصعد فريق التفاوض الذي جاء باتفاقية نيفاشا إلى سدت الحكم، ويتسنم الوزارات والمفوضيات، غير أن البشير جاء بتشكيل وزاري غلب عليه تيار نافع علي نافع، الذي لايخفي تحفظاته على الاتفاقية، ولعب هذا التيار دوراً في إجهاض الاتفاقية، ومضى علي طريق كما وصفه ابيل الير بالتمادي في نقض العهود والمواثيق، وذهب الجنوب لحاله، وأبعد البشير نافع من الحزب، وعلى عثمان من القصر. *ومضي البشير ومجموعة من الطبقة السياسية المنتفعة من وجوده في السلطة، مضي في مضمار التجديد له كل مرة !!، واستخدمت في سبيل ذلك حيِّل وذرائع، وقصص وحكايات، ورفعت شعارات بأن بقاء السودان على قيد الحياة رهيناً بتخليد البشير في السلطة!! حتى يُنفخ في الصور وتأتون أفواجا !!* وهنا وقفت مجموعة نافع على نافع والراحل الزبير أحمد الحسن موقفاً رافضاً للتجديد للبشير مرة أخرى، ولكن موقفهم لم يمض لآخر الشوط، وآثر د.نافع التنازل عن موقفه، ظناً أن ذلك يدرأ عن حزبه الانشقاق والفتنة فانحني لعاصفة (البشيريين) ولم يسير في رفض ترشيح البشير حتى آخر المطاف، وأغفل د. نافع مبدأ أو شرط من شروط البيعة السياسية الشرعية في الإسلام، وهي ان البيعة تُنبني على حرية الإختيار، شأنها شأن أي عقد آخر، كما انها بيعة متفق عليها الي أجلٍ موثق بقوانين ودستور.
ولو وقف د. نافع في المؤتمر العام للحزب الأخير، وتمسك بتنحي البشير علناً واختيار مرشحٍ آخر، لهزم مجموعة البشير، ولكن صمت د. نافع، مع إصرار البشير والمجموعة التي تحيط به للترشيح، هذا أعطاهم أكسجين الحياة، واتيحت لهم فرصة استقطاب الشباب الذين خرجوا لازاحة البشير، بعدما استيأسوا من إصلاح النظام، الذي كان يتحدث بلسان ويفعل شيئاً آخر . في الوقت الذي وقفت مجموعة أو تيار الشيخ علي عثمان الذي يمثله أحمد هارون ومحمد الحسن الأمين وأسامة عبدالله وعثمان كبر وعبدالرحيم علي وبرفيسير إبراهيم أحمد عمر والفريق صلاح قوش واللواء محمد حمدان دقلو (حميدتي) الذي جاء به البشير لتخويف قيادات حزب المؤتمر الوطني، قبل تخويف المعارضة، وكان حميدتي يبدوا متطرفاً في دعمه لترشيح البشير، أو يتظاهر بالتطرف في مساندة البشير الذي أحاط نفسه بغير الإسلاميين، وجاء بمدير مكتبه حاتم حسن بخيت من عشيرته الاقربين، ووضع في هيئة أركان الجيش الفريق عماد عدوى، العروبي الأقرب لحزب البعث والبرهان وشمس الدين كباشي، وابعد السر حسن بشير وجاء بعد عدوى بكمال عبد المعروف، ظناً منه أن أواصر الرحم و رفقة الكاكي أكثر اخلاصاً من أهل التنظيم والفكرة والمشروع الإسلامي، وكانت نقطة ضعف تيار الدكتور نافع انها لم تقدم مرشحاً باسمه لمنافسة البشير، وبذلك أصبحت أقرب للأصوات الاحتجاجية في واقع صاخب، لاصوت فيه يعلو على صوت التجديد.
3️⃣
*الان بات كل شي في( السهلة)*: التيار الذي كان يقف مع إعادة ترشيح البشير تخندق وراء أحمد هارون بينما التيار الذي كان متحفظا علي ترشيح البشير يقف مع ابراهيم محمود، *والاغلبية من الشباب المقاتلين انصرفوا عن كلا المجموعتين وجعلوا من تحرير الوطن مقدماً على كراسي السلطة، والحزب،* وبالنظر لشخصيتي إبراهيم محمود وأحمد هارون، فكلاهما من خريجي الجامعات المصرية، وإبراهيم محمود درس الزراعة، وكان من قادة الطلبة في الاتحاد العام للطلاب السودانيين في مصر، ويقول خصومه امعاناً في التقليل من شأنه، أنه كان رئيساً لرابطة الطلاب الاريتريين في الجامعات المصرية، في محاولة لوصمه بالأجنبي، ولكن حقائق الواقع تقول ان البنى عامر قبيلة مشتركة بين السودان واريتريا، وروابط الدم وامتدادات القبائل في أفريقيا من ممسكات القارة، ومصادر قوتها لا ضعفها، وبذات القدر فإن أحمد هارون الذي درس الحقوق بمصر، كان قائداً في تنظيم الطلاب السودانيين بالجامعات المصرية، ومن أقرانه الصحافي عثمان ميرغني والراحل إبراهيم هباني والمليشي حسبو محمد عبدالرحمن، وينتمي هارون إلى تحالف قبيلة الحوازمة العريض مع قومية أهله البرقو الصليحاب، المتناسلين بين تشاد والسودان، ولهم وزنهم الكبير في المجموعات التشادية. وحكم كبيرهم تمبل بأي دولة النهر والصحراء (اي تشاد) وتقلب إبراهيم محمود في المناصب الوزارية في سنوات الإنقاذ من محافظ الي والي كسلا ثم سنار، ووزير زراعة، ووزير داخلية ووزير شئون إنسانية، ومساعد للرئيس، وأمضى أكثر من ربع قرن في المناصب والمواقع الدستورية، حتى شبع وأصابته التخمة، وكذلك هارون رغم صغر سنه صعد من قاضي محكمة من الدرجة الثالثة، الي وزير ولائي، ثم منسق للشرطة الشعبية، ثم وزير دولة بالداخلية، ثم والياً لجنوب كردفان، ووالياً لشمال كردفان، وأخيراً مساعد للرئيس حتى سقوط الإنقاذ. وهارون مثقف عميق الاطلاع، ويملك مقدرات خطابية، وشجاعة في اتخاذ القرارات، ويتكئ على ثقة البشير، لذلك يعتبر تياره الذي يتزعمه، أن البشير هو رئيس الحزب بينما يعتبر ابراهيم محمود هو رئيساً للحزب !!
*وإذا كان احمد هاون لايستطيع التحرك بحرية في الفضاء الخارجي ولا الداخلي نسبة لطلبه من قبل المحكمة الجنائية، فإن إبراهيم محمود يملك القدرة على الحركة داخلياً وخارجياً، ويعتبر مقبولا لقيادات الحركات المسلحة، خلافاً لهارون الذي يشكل ظهوره العلني حرجاً بالغاً للسلطة الحالية، التي لاتبدوا مستعدة لدفع فواتير حمايته مثل حال حكومات المؤتمر الوطني، وظهور هارون على قيادة الوطني يثير حفيظة جهات عديدة داخلياً وخارجياً وعندما خاطب البرهان الشهر الماضي المؤتمر الاقتصادي بمدينة بورتسودان، قال إنهم لايسمحون بعقد اجتماع لشوري المؤتمر الوطني،* غير أن البرهان تحدث والمؤتمر انعقد، فهل كان البرهان على علم وغض الطرف عنه، ام غيُبت عنه معلومة انعقاد مؤتمر الشورى الذي أثار غباراً وجدلاً حول صحة إجراءت انعقاده، من عدمها. ولكن الواقع يقول ان المؤتمر الوطني انقسم عملياً إلى حزبين كل حزب يلعن الآخر !!
4️⃣
أخيرا إذا كان هذا هو الواقع القاتم، وصراع مرير غير منتج الا الفشل، والضعف، *فهل من تيار ثالث يخرج شامخاً، تاركاً الركام القديم وراءه، وينهض بأعباء الحزب في ثوبه الشبابي الجديد، فينقذ التيار الإسلامي من محنته؟.*
فهذه التجاذبات مآلها انحسار وموت المؤتمر، بما تصنع أيادي قادته، من صراعات عدمية؟
ومنذ سقوط نظام الإنقاذ، جرت مناقشات في مجالس الإنس، وصوالين الأفراح والاتراح، وفي دعوات الإفطار الرمضاني، حول مستقبل التيار الوطني الإسلامي العريض، بعد سقوط الإنقاذ، وذهبت أغلب المناقشات إلى أن تجارب الانتقال من مرحلة لأخرى – كما كان يقودها الترابي – لاينبغي لها أن تتوقف عند معبد المؤتمر الوطني، الذي انتهت صلاحيته بسقوط حكومته، مثل طاقم تدريب فريق كرة قدم، خرج من الدوري بالفشل وبسقوطه المدوي ، فهل يصلح يقود فريقه لمنافسة أخري؟ *فمقتضيات المشهد السياسي تحتم تجديد دماء الحزب، وتجديد اسمه، وبرنامجه، وفقاً لمطلوبات التغيير. ولكم في ديناميكية التيار الإسلامي في تركيا أسوةٌ حسنةٌ.. ولكن شيوخ الحزب يرفضون التجديد، حتى أطل ليل الانقسام، ليصبح إزاحة التيارين – بعد الحرب – فرض عين على شباب المؤتمر الوطني.*
نعم .. بعد تحرير الوطن من المليشيا، ويعود السودان ساحة تنافسٍ حرةً، يتنافس عليها الجميع، *أما الآن فلا حزب غير الجيش، ولا قائد غير البرهان، ولاصوت يعلو فوق صوت معركة الكرامة.*
14 ديسمبر 2024م