ضياء الدين بلال “المناظر هي ذاتها الصور نفس المشاهد”

ضياء الدين بلال

“المناظر هي ذاتها
الصور نفس المشاهد”

لم أجد وصفاً أوجز وأدق للسياسة من مقولة: “السياسة فن تجنيب الشعوب المآسي”.
ولا مأساة تفوق الفقر والحرمان من ضروريات الحياة: الطعام والشراب، التعليم والعلاج، والضحك الصافي المعافى.
وتزداد المأساة عمقاً، والفاجعة هولاً، حين يكون الفقر والحرمان في بلد يفيض بالثروات والفرص غير المستغلة، أو المهدرة في مشاريع عبث وخراب.
النيل راقد هناك ، والذهب يبتسم تحت أقدام الفقراء.
ولا تزال حسرة الشاعر الراحل صلاح أحمد إبراهيم تتردّد على بوابة التاريخ:
“النيل وخيرات الأرض هنالك.. ومع ذلك.. ومع ذلك”..!
تترسخ لديّ قناعة يوماً بعد يوم: لا سبيل لتجاوز أزماتنا إلا بأن يقود الاقتصاد السياسة، لا العكس.
وأن يُدار بعقلية الشركات الربحية وثقافتها، لا بخيال الأفندية ولا بتحفّظ المحاسبين وفهلوة السياسيين.
لقد عرقلتنا المشاريع الهلامية، وصراعات الهوية، و”شكلة أولاد حنتوب”، والشعارات الفضفاضة، والتنازع المزمن على السلطة والثروة في كل العهود.
زيارة واحدة لدار الوثائق، وتصفح لساعتين في أرشيف الصحف الوطنية، كفيلة بأن تكشف لك، عزيزي القارئ، أن الاقتصاد لم يكن يوماً من أولويات الحاكمين أو المعارضين.
معظم العناوين والمقالات تدور في فلك الصراع السياسي، بمعناه القديم: الخطابة، واللعب بالبيضة والحجر، والوعود الطائرة بلا رصيد.
ساسة يحكمون، وساسة يعارضون، واللعبة مستمرة.
المنابر سوق، والشعب هو البضاعة، كما قال الشاعر الكبير عبد القادر الكتيابي.
قلّ أن تجد سياسياً في تلك الصحف يتحدث بلغة الأرقام أو يفكر بمنطق الاقتصاد.
وللتأكد من حالة الجمود والانغلاق على قضايا مكرورة، غطِّ التواريخ والأسماء في تلك الصحف، وجرّب أن تُخمّن العهد أو العام الذي صدر فيه العدد.
ستجد صعوبة في الإجابة.
فالعناوين مكررة، والقضايا جامدة:
المناظر هي ذاتها
الصور نفس المشاهد
الشوارع والبيوت
الأماكن والمقاعد
والزمان واقف مكانه
والرقم لسه واحد.