حديث السبت:
كتب/ يوسف عبدالمنان..
العميد جودات منتصر .. ومشروع (ال دقلو) تبخر ..
بحري تتحرر ..وأم روابة تتبختر..
جاءت الفترة الانتقالية والجيش بلا سلاح ولا تجنيد ولا خطة تطوير
من الأخطاء الفادحة بحق الجيش إخلاء مقر المظلات لتجوس فيه المليشيا
عندما ارتفعت الأصوات في وجه الرئيس البرهان (أطلق اللجام) وخوَّن البعض القائد الذي لم يخون شعبه، وتعجل آخرون خوض الجيش معركة التحرير، بعد أن تغطرست المليشيا
وظنوا أنهم ملكلو الدنيا وما فيها، لاذ البرهان بالصمت والصبر، وهو يعد جيشه لمعركة طويلة، وإعداد الجيوش ليس مثل إعداد مظاهرة، أو احتفال، وقد ورث البرهان جيشاً خرج مرهقاً ومتعباً من حرب الجنوب وتعرض لتجريف بزعم التطوير والتحديث، ليفقد الجيش ثلاثة عشر ألفاً من مقاتليه استغنت عنهم قيادة الجيش، من دون احساس بفداحة الأمر، وتقلبات الأوضاع في البلاد، وحينما اندلعت حرب دارفور، والقوى التي كانت تساند الجيش من الدفاع الشعبي والمجاهدين كفوا أياديهم عن حرب دارفور، التي نظر إليها المجاهدون بأنها حرب أخطاء سياسية، لاتبرر لهم قتال اخوتهم في العقيدة، وكان خيار البشير حينها دخول السوق وشراء الجنجويد التالفه بضاعتهم، وجعلهم مكان ثقته وأطلق على قائدهم صفة (حمايتي) ظناً من البشير أن كل الكلاب لها وفاء، لمن أطعمها وسقاها. وماكان البشير يعلم بأن كل كلب ببابه نباح، وكل ديك في مزبلته صياح، حتى أشرقت شمس التغيير فكان حمايته اول من ضحى به، ونكل حتى بزوجته، وتلذذ في تعذيبه، وتفاخر بالقبض عليه.
وجاءت الفترة الانتقالية والجيش بلا سلاح ولا تجنيد ولا خطة تطوير (بل كان السيف مسلطاً عليه) لحله!! حتى بلغت وقاحة الساسة الجدد أن اقترحوا خطة تجعل للجنة إزالة التمكين يداً عليا تفصل الضباط وفق تقديراتها !!
وحينما نشبت الحرب وجد الفريق البرهان نفسه أمام الموت دفاعاً اولا عن نفسه، قبل الدفاع عن القيادة العامة، وخرج البرهان بمعجزة من الاغتيال في صبيحة الخامس عشر من أبريل وتلك قصة لاتزال محفوظة في صدور الرجال ومكتومة في دهاليز الصمت.. وخاض الجيش معركة الدفاع عن المقرات وحافظ على قوته على محدوديتها وتبعثرها، مقابل مئات الآلاف من المليشيا التي تم إعدادها للاستيلاء على السلطة بدعم خارجي ومؤآمرة داخلية.
تماسكت القيادة أيما تماسك ووحدت الجبهة الوطنية الداخلية، وحشدت قوى الكفاح المسلح، والمقاومة الشعبية، وأعادت لجهاز الأمن والمخابرات سلطته، وأسنانه، ومع إعلان المجاهدين وقوفهم مع الجيش كانت معركة جبل موية التي خاضها الفريق شمس الدين كباشي بنفسه نيابة عن البرهان والقيادة، بمثابة بداية التحرير لأرض السودان وأولى معارك النصر وتوالت المعارك في سنار والدندر وكركوج، وحتى كان انتصار ودمدني، الذي قصم ظهر التمرد، وفي كل تلك المعارك ظل البرهان قريباً من جنوده، مقاتلاً معهم؟ واخر مشهد بثته وسائل التواصل الاجتماعي، كان البرهان يفاجئ جنوده بزياة ليلية ، يتفقد الدفاعات الاماميه، ويداعب جنوده وتلك صفة نادرة لقائد عسكري لايهاب الموت، وإذا كانت حرب الجنوب بطلها إبراهيم شمس الدين فإن حرب الكرامة فارسها الفريق البرهان ومامعركة بحري الأسبوع الماضي إلا واحدة من تلك المعارك التي لم يسبق للقوات المسلحة أن خاضت مثلها، ففي ساعات فقط اقتحمت القوات المسلحة وعناصر الأمن والقوات المشتركة، وكتائب المجاهدين، كلية الزراعة جامعة الخرطوم بشمبات وهي من المناطق الحصينة جدا التي اتخذتها المليشيا قاعدة لإطلاق الصواريخ لقتل المدنيين في ام درمان وتمددت القوات إلى مستشفى البراحة وحي الصافية والمستشفى الدولي، ثم كان تحرير مقر الفرقة التاسعة المحمولة جوا سلاح المظلات، الواقع أسفل جسر شمبات، *ومن الأخطاء الفادحة، التي ارتكبت بحق القوات المسلحة، أن تم إخلاء مقر المظلات الاستراتيجي، لتجوس فيه مليشيا الدعم السريع، وتتخذه مقراً لها !!،* وبعد ساعات كانت القوات المسلحة في جسر ألمك نمر، وبناية شركة الديار القطرية، وهي أكبر منطقة جعلها التمرد قاعدة لإطلاق رصاص القناصة على من يقترب من سوق بحري، الذي بتحريره عادت بحري، نصرالدين السيد، والميرغنية، والصبابي، وفريق التحرير، وسعد قشرة، لتعانق ام درمان، ومنذ صباح الخميس تخوض القوات المسلحة معركة شرق النيل من كافوري حتى سوبا شرق وهي معركة طويلة وشاقة لكن الجيش الذي يملك الآن العتاد والرجال والعزيمة قادر على القضاء على المليشيا في شرق النيل طال الزمن ام قصر، فإن الحرب صبرٌ وتخطيط، وهذا مااثبتته الأيام، *وليس مجرد حماس طاغي ورغبة في الانتصار دون تدبير وتخطيط.*
لو كنت في مقام مدير التلفزيون، لأمرت ببث اغنية الراحل عبدالرحمن عبدالله: (امشي بارا وديك ام روابة، النهود الآثر شبابا) لأن معركة ام روابة صباح الخميس، كانت معركة مختلفة من كل المعارك، حيث أعد لها التمرد أكثر من خمسة الف مقاتل، من ابوكرشولا والفيض، والحمادي، والفولة، وجند لها مرتزقة من كل مكان، وخصصت غرف إعلام الجنجويد إمكانيات كبيرة لتحطيم معنويات الجيش، الذي كان يقوده العميد الركن حسين جودات، فارس نيالا، ذلك النسر الذي خذلته الذخائر، ودفن قائده ياسر فضل الله، وحمل الراية حتى سقطت نيالا، تحت أقدام الجنجويد، وفي قلب حسين جودات حسرة، وغضب مكتوم، وكانت رحلته من نيالا حتى زالنجي قصة أخرى، من قصص البطولة والفداء. ولكن متحرك الصياد الذي بدأ رحلته الشاقة بنكسة تعرض لها لسوء تقدير، نهض المتحرك بعد النكسة، بإصرار من الفريق شمس الدين كباشي، وأعانه عليه آخرون، وبعد جولاته مابين كوستي وتندلتي وودعشانا نهض الفارس، من الأرض، وخاض معركة استنزاف للمليشيا بالصبر والحصار، حتى جاءت لحظة محددة، مثل ماحدث لمدني.. وحينما تحدثت إلى اللواء حافظ التاج – الجندي الصامت، وأحد فرسان معركة الكرامة – تحدثت معه عن الصياد ومتى يخوض معاركه؟. وحافظ التاج ابن قرية شبولة ضواحي ام روابه، كان موجوعاً من إنتهاكات التمرد، ولكن القائد لايظهر غيظه، فقال لي اصبر على الصياد، الصورة غير مكتملة عندكم، هناك أشياء لاتعلمونها، انظر إلى تجربة متحرك الفاو في تحرير مدني، وكيف تضجر الناس منه، ولكنه لحظة تحركه تحقق الهدف، وتحررت مدني. وهذا ماحدث يوم الخميس، بدخول الصياد ام روابة وهزيمة التمرد وهروب قادته من الميدان، وانكسرت المليشيا، وبدأت مرحلة جديدة ينتظرها مقهورون ومظلومون، وما أكثرهم ..
قيادة حسين جودات لمتحرك الصياد، وصمود حسن درمود في بابنوسة، وتسجيلات محمد سليمان قور، وأحمد صالح صلوحة، وقاسم موسى حلاوة، وقتال الفارس العميد عبدالله فضل الله الشهير باابو أيمن، والوجود السياسي للبله جودة الأمين العام لتنسيقية المسيرية، يهزم دعاة مشروع دولة العطاوة، التي باسمها زج بالبسطاء في معارك خاسرة، وبانتهازية ال دقلو، وأعوانهم من الإدارة الأهلية، حاولوا تنميط قبيلة عظيمة الأثر، مثل المسيرية، واقتيادها من اياديها لتحارب من أجل أسرة دقلو، ومشروع الإمارات في السودان، ولكن العميدين حسن في بابنوسة وحسين الآن في ام روابه، يكتبان تاريخ جديد وفصل من الرجولة والفداء، في الوقت الذي باع فيه حميدتي منطقة ابيي إلى دولة جنوب السودان !! مقابل مده بالرجال المقاتلين، ومخطط التخلي عن أبيي الغنية بالمعادن، بدأ منذ عهد حمدوك وانتهي بتبني حكومة الجنوب لاستفتاء أحادي أقامه دينكا نقوك لوحدهم بعد انفصال الجنوب، ولكن متحرك الصياد لن يقف في اعتاب ام روابة وحدها ولن يحرر الرهد والسميح، ولكنه في طريقه لفك اختناق مدينة الابيض وتطهير طريق الأبيض الدلنج، وفاءً للمقاتلين من أبناء النوبة، الذين صمدوا وقاتلوا ونصروا الدولة المركزية، حينما تخلَّ عنها البعض، وتعرضت جبال النوبة لحصار لئيم جدا حتى كاد أن يموت الناس جوعاً الخريف الماضي، وهناك الآلاف من أبناء كردفان ينتظرون دخول الصياد للدبيبات والحمادي وابوزبد لحمل السلاح، وحفظ الأمن، وتأمين مسارات الرعي والزراعة، *وبذلك يمثل انتصار ام روابة حدثاً مهماً في سياق مشروع تحرير السودان، من ال دقلو.*