تقرير حديث لشبكة (صيحة) يكشف عن انتهاكات جسيمة للمليشيا ضد الفتيات ..
الجنجويد.. الحرب ضد النساء
مأس عديدة للمختفيات..اغتصاب واختطاف وقتل دون رادع
خطف النساء واستعبادهن في الخرطوم والجزيرة
236 امرأة سودانية مختفية منذ بداية الحرب”..
209 من النساء والفتيات المختفيات يواجهن مصيراً غامضاً..
(79) حالة اختفاء قسري بالجزيرة بجانب (45) خلال هجوم أكتوبر الدامي
(%12) من المختفيات بالسودان تم العثور عليهن.. وأغلبهن قتلن بوحشية
رعب في الخرطوم والجزيرة.. 175 امرأة اختفين قسرياً في عام واحد
تقارير دولية تحذر: الحرب في السودان تحوّلت إلى مقبرة للنساء
ناجيات من الإخفاء القسري: عدنا محطمات نفسياً وجسدياً
أمل بابكر: الحرب لا تقتل الأجساد فقط.. بل تقتل أرواح النساء أيضاً
الكرامة :رحمة عبدالمنعم
وسط أهوال الحرب التي عصفت بالسودان منذ 15 أبريل 2023، كشفت المبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الإفريقي (شبكة صيحة) في تقرير حديث عن مأساة إنسانية مروعة، حيث تعرضت النساء والفتيات في السودان إلى الإخفاء القسري، العبودية، العنف الجنسي، والقتل، خاصة في المناطق التي تقع تحت سيطرة ميليشيا الدعم السريع.
وقد تحولت العديد من المناطق التي دخلتها ميليشيا الجنجويد في وقت سابق إلى مراكز رعب للنساء، حيث يتم اختطافهن واحتجازهن في أماكن سرية، ويتعرضن لانتهاكات جسدية ونفسية قاسية. بالنسبة لكثيرات، فإن العودة إلى الحياة الطبيعية باتت مستحيلة، إما لأنهن لقين حتفهن على يد خاطفيهن، أو لأنهن يعشن تحت قيود العبودية الحديثة داخل معسكرات الميليشيا.
أرقام صادمة
وخلال مؤتمر صحفي عبر الإنترنت يوم الخميس الماضي، استعرضت د. هالة الكارب، المدير الإقليمي لشبكة نساء القرن الإفريقي، التقرير الذي يحمل عنوان “غير مرئيات وغير مسموعات: النساء والفتيات المفقودات في حرب السودان”، والذي يوثق 236 حالة اختفاء قسري لنساء وفتيات في البلاد، لكن ما يزيد المأساة أن 209 منهن لا يزلن في عداد المفقودات، دون أي معلومات عن مصيرهن، بينما لم يتم العثور سوى على 27 فقط، بعضهن وُجدن مقتولات بطرق وحشية.
ويكشف التقرير أن غالبية هذه الحالات وقعت في ولايتي الخرطوم والجزيرة، حيث بلغت حالات الاختفاء في الخرطوم 96 حالة، بينما شهدت الجزيرة 79 حالة، معظمها خلال الهجوم العنيف الذي شنته الميليشيا في أكتوبر 2024، والذي أدى إلى 45 حالة اختفاء إضافية خلال فترة وجيزة.
استهداف منظم
ويشير التقرير إلى أن النساء والفتيات تعرضن للاستهداف الممنهج من قبل ميليشيا الدعم السريع، خاصة عند اجتياحها للمناطق الجديدة، حيث تسجل حالات الاختفاء بمجرد دخول القوات إلى المنطقة، ثم تتفاقم عندما تفرض الميليشيا سيطرتها على المكان وتستقر فيه.
وتشير البيانات إلى أن الفتيات المختطفات يتم احتجازهن في أماكن سرية ويجبرن على العمل المنزلي أو استغلالهن في أعمال أخرى غير إنسانية، وهو ما يمثل جريمة حرب وانتهاكاً صارخاً للقوانين الدولية الخاصة بحماية النساء أثناء النزاعات المسلحة.
شهادات مروعة
الواقع على الأرض أكثر قسوة مما تنقله الأرقام ،فالتقرير وثّق حالات قتل وحشية لنساء بعد اختفائهن قسرياً، حيث تم العثور على جثة الشابة هالة أحمد إسحاق يوم 28 مايو 2023 داخل سيارة مسروقة تعود ملكيتها لميليشيا الدعم السريع، وقد كانت السيارة مليئة بثقوب الرصاص، مما يدل على أنها اختطفت ثم أُعدمت بدم بارد.
وفي الشهر نفسه، تم العثور على جثة إنصاف سرور فضل الله بالقرب من إحدى محطات الوقود في الخرطوم، بعد أن تعرضت لاعتداء مروع قبل قتلها.
إحدى الناجيات، فضّلت عدم الكشف عن هويتها، تحدثت لـ “صيحة” قائلة:”كانوا يدخلون البيوت يأخذون الفتيات بالقوة. لم نكن نعرف إلى أين يأخذونهن، بعضهن لم يعدن أبداً، ومن عادت منهن كانت محطمة جسدياً ونفسياً، وغير قادرة على الكلام عمّا جرى لها.”
تواطؤ الصمت
وأكد التقرير أن العدد الفعلي للنساء المختفيات أكبر بكثير من الأرقام الموثقة، حيث تواجه العديد من العائلات صعوبة في التبليغ عن حالات الاختفاء بسبب الخوف، الوصمة الاجتماعية، وانعدام الثقة في آليات التبليغ الرسمية،كما أن العديد من عمليات الإخفاء القسري تحدث في المناطق الريفية، حيث تندر وسائل الإعلام والاتصال، مما يجعل حجم الكارثة الحقيقية غير مرئي للعالم.
وتؤكد جولي برشد، من منظمة ريدريس الحقوقية في بريطانيا، أن العنف الجنسي والإخفاء القسري أصبحا أسلحة تستخدمها الميليشيا بشكل ممنهج في الحرب الحالية، مشيرة إلى أن السودان وقع على الاتفاقية الدولية لحماية المفقودين عام 2021، لكنه لم يتخذ أي إجراءات فعلية لتنفيذها.
أما الناشطة أمل بابكر، المهتمة بحقوق النساء في السودان، فقد حذرت من أن التهديد لا يقتصر فقط على المختطفات، بل يمتد إلى النساء اللاتي تعرضن للانتهاكات وتمكنّ من النجاة، وأوضحت قائلة: “النساء اللواتي تم تحريرهن أو هربن يواجهن معاناة مضاعفة، إذ لا يجدن الدعم النفسي والاجتماعي، كما يخشين التحدث خوفاً من الانتقام أو الوصمة المجتمعية. هذه الحرب لا تدمر فقط الأجساد، بل تقتل الأرواح أيضاً.”
إنقاذ المفقودات
وتتزايد المطالبات الحقوقية باتخاذ إجراءات عاجلة لإنقاذ النساء والفتيات المختطفات، وضمان عدم إفلات الجناة من العقاب ،ويؤكد التقرير أن على الجهات الفاعلة في السودان، إضافة إلى المجتمع الدولي، التحرك فوراً لإجبار ميليشيا الدعم السريع على الكشف عن أماكن النساء المحتجزات، وضمان عودتهن إلى أسرهن، مع توفير حماية كافية لهن وللناجيات من جرائم الحرب.
كما يطالب التقرير بضرورة فتح تحقيقات شاملة حول جرائم الإخفاء القسري والعنف الجنسي ضد النساء خلال الحرب، وضمان تقديم المسؤولين عنها إلى العدالة وفق القوانين الدولية ،ومع استمرار الحرب، تحذر المنظمات النسوية والحقوقية من أن هذه الممارسات قد تتحول إلى نمط دائم من الانتهاكات ضد النساء في السودان إذا لم يتم التدخل بشكل حاسم وعاجل.
مأساة النساء
بين كل قصة اختفاء، هناك أم تنتظر، وأب يبحث، وعائلة تعيش بين الأمل واليأس. المفقودات لسن مجرد أرقام في التقارير، بل هن أرواح انتُزعت من حياتهن قسراً، تاركات خلفهن فراغًا لا يُمكن ملؤه، ومع كل يوم يمر، تزداد المخاوف من أن تتحول هذه القصص إلى مأساة دائمة، خاصة مع تصاعد العنف من قبل مليشيا الجنجويد واستمرار غياب أي تحرك جاد لإنقاذهن، شهادات الناجيات تؤكد أن بعض المختطفات يُحتجزن في ظروف غير إنسانية، يُرغمن على أعمال شاقة، أو يُستغللن بطرق وحشية، بينما يبقى مصير كثيرات طي الكتمان.