تجاوزتها الأحداث أم عصفت بها التحديات؟!! 6 ابريل .. الذكرى المنسية

تجاوزتها الأحداث أم عصفت بها التحديات؟!!

6 ابريل .. الذكرى المنسية

تفجر إنتفاضة ملهمة متطورة عن الثورة الشعبية الأولي في السودان..

ظروف ما بعد أبريل خلقت حراكا سياسيا جديدا لشعوب في المنطقة ..

د. الجزولي: التوقف شبه التام للحياة قاد الجماهير للإستجابة للتحشيد النقابي

قيادة الجيش انحازت للشارع حقنا للدماء ولإنقاذ البلاد من التعطيل المدني..

تجاوز السودانيون -كما هو الحال- منذ سنوات الإحتفالات بثورة أبريل

الكرامة : علم الدين عمر

..فى السادس من ابريل الذى صادف يوم امس ومنذ أربعين عاماً إنتقل وزير الدفاع القائد العام للقوات المسلحة السودانية يومها المشير عبدالرحمن سوار الدهب لمكتبه بالقصر الجمهوري رئيساً لفترة إنتقالية دونتها سجلات التاريخ السوداني والعربي والأفريقي .. وربما العالمي بمداد من أمل وأحتفاء ،وقد وجدت دوائر البحث والتحليل للحالة السودانية في ذلك الوقت المبكر من عمر الدولة في السودان أنها كانت إنتفاضة ملهمة متطورة عن الثورة الشعبية الأولي في السودان بعد عشرين عاماً من أكتوبر 64 استناداً لذات الأدوات المتمثلة في العصيان المدني وخروج النقابات ومنظمات المجتمع المدني والفئوي احتجاجاً علي تردي الأوضاع السياسية والإقتصادية .

شرارة الثورة..

في سبتمبر من العام 1983 أعلن الرئيس جعفر نميري أن السودان دولة إسلامية تحكم بواسطة الشريعة الإسلامية فيما عرف لاحقاً بقوانين سبتمبر ولم يستثن من ذلك الجزء الجنوبي من البلاد ذو الغالبية غير المسلمة من السكان وألغي بذلك إتفاقية أديس أبابا للعام 1972م التي أنهت الحرب الأهلية السودانية الأولي لتنشب مباشرة في ذات الوقت الحرب السودانية الثانية ..
منذ أكتوبر 84م بدأت الأحداث التي قادت لما آلت إليه الأمور بعد ستة أشهر إذ بدأ إتحاد طلاب جامعة الخرطوم في تجميع النقابات والأجسام المطلبية لتكرار تجربة إكتوبر بذات الأدوات القديمة مع تلاحق الأحداث عقب إعدام محمود محمد طه بعد تكفيره وإتهامه بالردة من قبل مجالس الإفتاء الشرعي في العالم الإسلامي ..إضافة لإحتقان الشارع السوداني بسبب الظروف الإقتصادية والمعيشية الضاغطة كما يقول رئيس وزراء أبريل الدكتور الجزولي دفع الله الذي ذكر في معرض حديثه عن تلك الفترة أن الإظلام التام بسبب شُح الكهرباء والوقود بمختلف أشكاله والتوقف شبه التام للحياة في البلاد هو الذي قاد الجماهير للإستجابة للتحشيد النقابي والسياسي ودفعهم للخروج للشوارع وتنفيذ العصيان المدني الشامل..

الرئيس نميري تحت الضغط..!!!

بحسب مراقبين فإن ثورة أبريل حاولت إستنساخ عزم ثورة إكتوبر وأدواتها التي أطاحت بالرئيس إبراهيم عبود وبدأت القوي المحركة للشارع في الضغط الشديد والمتسارع علي حكومة الرئيس جعفر نميري الذي قرر القيام برحلة إستشفاء للولايات المتحدة الأمريكية في هذا التوقيت الحرج فوجدت قيادة الجيش نفسها في مواجهة شارع ثائر وقوي سياسية منظمة وقادة أكثر نضجاً وتعليماً وكفاءة من أولئك الذين قادوا إكتوبر ..فأضطرت بحسب تبرير وزير الدفاع القائد العام المشير عبدالرحمن سوار الدهب للإنحياز له وحقن الدماء وإنقاذ البلاد من إستمرار التعطيل المدني..

عبدالرحمن سوار الدهب..النموذج الذي لم يتكرر…

في السادس من أبريل وبعد أكثر من أسبوع من الإضرابات المدنية المتواصلة ومع توالي خروج الجماهير للشوارع كما يقول الأستاذ الصحفي فتح الرحمن النحاس بدأت قبضة السلطات ترتخي عن المشهد رويداً رويداً إذ أحتشدت الجماهير بشارع القصر وسط الخرطوم قبل أن تبدأ في التفرق في بقية الشوارع بعد أن كسرت حاجز الخوف -أعلن القائد العام المشير سوار الدهب عن سيطرة القوات المسلحة علي البلاد وإنهاء حكم الرئيس جعفر نميري إستجابة لمطالب جماهير الشعب السوداني..تم الإعلان عبر الإذاعة السودانية التي كانت تحت حراسة الجيش بمدينة أم درمان لتنطلق بعدها مسيرات الفرح بنجاح الثورة وتدخل القوي السياسية في مفاوضات مباشرة مع قادة الجيش ليعلن سوار الدهب عبر بيان عسكري لاحق في السابع من أبريل سيطرة القوات المسلحة بصورة كاملة علي السلطة بسبب تدهور الأوضاع والأزمة السياسية التي تزداد سوءاً بشكل مستمر ليلحقه ببيان آخر ملتزماً بإجراء تغييرات سياسية وإقتصادية وإجتماعية وتعهد بكفل حرية الصحافة والمنظمات السياسية والدينية وتعهد كذلك بفتح حوار مباشر مع متمردي الجنوب وتحقيق الوحدة الوطنية ومعادلة المساواة في الحقوق والواجبات..
وأستند برنامج الفترة الإنتقالية علي سبعة نقاط أساسية أولها عزل الرئيس جعفر نميري وحكومته..وتعليق الدستور والبرلمان (مجلس الشعب) ..وحل حزب الإتحاد الإشتراكي ..وإعلان حالة الطوارئ المؤقتة..وتحديد الفترة الزمنية لسيطرة الجيش علي الحكم بستة أشهر تُعاد بعدها للشعب (تم تعديلها لاحقاً لعام) ،الأمر الذي ألتزم به المشير سوار الدهب وتم تسجيله كحالة أولي وأخيرة في تاريخ المنطقة والإنقلابات العسكرية..وتم تكليف الطبيب الدكتور الجزولي دفع الله برئاسة الوزراء خلال هذه المدة .

بعد أربعة عقود ..دروس وعثرات!!!

وفي ذكراها الأربعين تجاوز السودانيون هذه المرة -كما هو الحال منذ ستة سنوات الإحتفالات المعتادة بثورة أبريل عقب دخول البلاد في تحديات ربما أقعدت مسيرة الشعب السوداني التواق للتدافع المدني الرشيد وتحقيق شعارات الثورات التي كان له قصب السبق في قيادتها ..إذ تشهد البلاد منذ محاولة تكرار إنتفاضة أبريل في العام 2019 حالة من التردي علي كافة المحاور السياسية والمجتمعية ويري مراقبون أن العنوان الأبرز بعد كل هذه السنوات من النضال والتدافع والعراك السياسي والعسكري هو فشل السودانيون في إستغلال الحادثات والفرص والوقت لصالح البرنامج الوطني العام ..فقد تتابعت الأحداث وتقاطعت التواريخ حين كانت حرب الجنوب وشيكة الإنهاء أثناء ديموقراطية أبريل القصيرة ..ضربت الحرب الشاملة عقب فشل نُخب أبريل 2019م قلب البلاد وأطرافها ..فقد تعثرت محاولات تكرار إنتفاضة أبريل وفترتها الإنتقالية ووجد السودانيون في مواجهة واقع أكثر تعقيداً بسبب التدافع السياسي ومحاولات الإقصاء وتصفية الحسابات من قبل قوي سياسية صغيرة ونُخب فشلت في التوافق علي برنامج وطني عقب نجاح الثورة الأخيرة في السودان..

الشعب السوداني..إبقاء النضال قيد الأمل..

ووفقاً لخبراء راقبوا الأوضاع في السودان عن كثب فإن ظروف ما بعد ثورة أبريل خلقت نوعا من الحراك السياسي الجديد علي الشعوب في المنطقة لو أُحسن التعامل معه وإستغلاله ربما أوقف الحاجة لحراك ثوري آخر في السودان ولساهمت الإنتفاضة السودانية تلك في تطوير الوعي السياسي وحدثت آليات التداول السلمي للسلطة..ولما دخلت البلاد في أتون الحرب الحالية التي أصابت العالم بالفتور من الصراع السوداني السوداني ولقادت التأسيس الصحيح لبنيان الدولة السودانية الذي يجري ترسيمه الآن عبر معركة الكرامة.