كبسولة وعي
ليست ازدواجية بل سيادة واعية:
السودان بين العدوان والواجب القنصلي
قطع العلاقات مع الامارات لم يكن رمزيًا، بل جاء ردًا مباشرًا على عدوان عسكري ..
ظهور السفير المُقال — عبر منابر إعلامية ممولة من نظام الامارات
السودان لم يتراجع، بل فعّل أدوات القانون الدولي بوعي مرن وسلوك مؤسسي..
لفهم الموقف السوداني ، لا بد من العودة إلى المرجعية القانونية الدولية
تعيين أو إنهاء مهمة أي سفير حق سيادي حصري للدولة المُرسِلة..
*بقلم: صباح المكّي*
*مقدمة: قرار سيادي وتشويش دعائي*
في 6 مايو 2025، أعلنت الحكومة السودانية قطع العلاقات مع نظام أبوظبي واعتباره دولة معتدية، إثر تورّطه الموثق في دعم ميليشيا الدعم السريع وتنسيق هجمات بطائرات مسيّرة استهدفت مدينة بورتسودان، العاصمة الإدارية المؤقتة.
لم يكن القرار رمزيًا، بل جاء ردًا مباشرًا على عدوان عسكري وانتهاك سافر للسيادة الوطنية، وشمل إغلاق السفارة والقنصلية السودانية.
غير أن هذا القرار الحاسم سرعان ما واجه محاولات تشويش إعلامي مموّل، بعد أن أُعيد فتح القنصلية السودانية في دبي بصيغة إدارية لتقديم خدمات مدنية، بالتزامن مع ظهور عبد الرحمن محمد شرفي — السفير المُقال — عبر منابر إعلامية ممولة من نظام أبوظبي زاعمًا أنه لا يزال “السفير الشرعي”، وهاجم حكومته بلغة منسجمة تمامًا مع خطاب نظام أبوظبي. هذا التوظيف الإعلامي خلق انطباعًا زائفًا بوجود تناقض أو تراجع سوداني، مما دفع البعض للتساؤل عن دلالات الخطوة.
لكن الإجابة على ذلك لا تُستقى من العناوين، بل من سجل السيادة والمرجعيات القانونية الدولية. فالواقع أن السودان لم يتراجع، بل فعّل أدوات القانون الدولي بوعي مرن وسلوك مؤسسي، بينما لجأ نظام أبوظبي إلى تمثيل زائف وأدوات دعائية لتقويض قرار سيادي مكتمل قانونًا وسياسيًا.
*المرجعية القانونية: اتفاقيات فيينا والسيادة الوطنية*
لفهم الموقف السوداني بدقة، لا بد من العودة إلى المرجعية القانونية الدولية التي تحكم العلاقات بين الدول، وتحديدًا اتفاقيتي فيينا للعلاقات الدبلوماسية (1961) والعلاقات القنصلية (1963)
*المادة (4/1) من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية(1961)*
تنص على أن “لا يجوز إرسال رئيس بعثة إلى دولة ما إلا بعد أن تعلن الدولة المستقبِلة موافقتها على اعتماده.”
أي أن تعيين أو إنهاء مهمة أي سفير هو حق سيادي حصري للدولة المُرسِلة، ولا تملك الدولة المستقبِلة أي صلاحية لفرض اعتماد دبلوماسي لم تُجدّد صفته رسميًا.
*المادة (4) من اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية (1963)*
تنص بوضوح على أن إنشاء أو استمرار أي مكتب قنصلي يتطلب موافقة صريحة أو ضمنية من الدولة المستقبِلة. وبالتالي، لا يجوز تشغيل قنصلية على أراضي أي دولة دون هذا القبول القانوني.
*المادة 45(ب) من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية*
تشير إلى أنه في حال قطع العلاقات، يجوز للدولة المُرسِلة أن تعهد إلى دولة ثالثة بحماية مصالحها ومصالح رعاياها، شريطة موافقة الدولة المستقبِلة. وهذا يعني أن خيار تفويض دولة ثالثة ليس إلزامًا قانونيًا، بل احتمال مشروط بثلاث موافقات متوازية:
• من الدولة المُرسِلة (السودان)
• من الدولة الثالثة الراعية (الدولة الوسيطة)
• ومن الدولة المستقبِلة (في هذه الحالة، نظام أبوظبي – دولة العدوان)
هذا الإطار القانوني هو ما استندت إليه الحكومة السودانية بدقة في كل خطوة اتخذتها لاحقًا، مع التزام كامل بالسيادة والقانون.
*كيف مارس السودان سيادته ضمن اتفاقية فيينا دون تراجع دبلوماسي؟*
تساءل بعض المراقبين: لماذا لم يُبقِ السودان على قنصليته في دبي مفتوحة منذ البداية؟
الإجابة القانونية واضحة: وفقًا للمادة (4) من اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لعام 1963، لا يجوز تشغيل أي مكتب قنصلي دون موافقة صريحة أو ضمنية من الدولة المستقبِلة. وفي ظل العدوان السياسي والعسكري الصريح من جانب نظام أبوظبي، لم يكن من المرجّح أن يسمح باستمرار القنصلية إذا قرر السودان إبقاءها مفتوحة عقب القطيعة. لذا، اختار السودان إغلاق البعثتين معًا، في خطوة سيادية صريحة منعت أي تأويل أو استغلال سياسي لمفهوم “الخدمة القنصلية” في لحظة عداء معلن.
لكن عندما رفض نظام أبوظبي لاحقًا الاعتراف أصلًا بقرار القطيعة، بحجة أن الحكومة السودانية “غير شرعية”، نشأت نافذة قانونية ضمنية. وفي 10 مايو 2025، أعادت الحكومة السودانية تشغيل القنصلية بصيغة إدارية فقط، لخدمة الجالية السودانية دون أي طابع تمثيلي. وفي اليوم نفسه، أصدر نظام أبوظبي قرارًا إداريًا بإعفاء السودانيين من الغرامات — ما اعتُبر دبلوماسيًا بمثابة قبول ضمني باستمرار النشاط القنصلي. ولم تطلب الدولة المستقبِلة إغلاق القنصلية، ولم تعتبر استمرارها خرقًا.
هذا الترتيب الزمني — إعادة التشغيل دون صدور أي احتجاج رسمي — يُعد في القانون الدولي قرينة قوية على وجود “رضا ضمني” (Implied Consent)، خاصة أن أي اعتراض لاحق كان سيُناقض سلوك نظام أبوظبي المُعلن، ويُضعف موقفه الدولي. وهكذا، فإن استمرار القنصلية لم يكن تراجعًا دبلوماسيًا، بل ممارسة واعية للسيادة ضمن القانون الدولي.
*عبد الرحمن شرفي: من سفير سابق إلى بوق دعائي*
في 7 مايو 2025، وبعد يوم واحد فقط من إعلان السودان قطع علاقاته مع نظام أبوظبي ومتزامنا مع بيان ابوظبى برفض الاعتراف بالقطيعه ، خرج عبد الرحمن محمد شرفي — السفير المُقال رسميًا منذ أكتوبر 2024 — عبر منابر إعلامية ممولة من نظام أبوظبي، مثل “العرب اللندنية” و”سكاي نيوز عربية”. انتحل صفته السابقة، وهاجم الحكومة السودانية متبنّيًا بالكامل سردية النظام المعتدي، في محاولة مكشوفة لصناعة انطباع زائف بعدم شرعية القرار.، رغم أن القرار السوداني كان واضحًا وقاطعًا من الناحية السياسية والقانونية. لم يصدر شرفي أي توضيح لاحق، ما يجعله شريكًا مباشرًا في الترويج لرواية معادية لبلاده، في لحظة كانت تتطلب اصطفافًا وطنيًا لا ارتزاقًا إعلاميًا.
المفارقة أن شرفي نفسه سبق أن صرّح، في 23 أبريل 2023 عبر قناة “القاهرة الإخبارية”، بأن المؤسسة العسكرية السودانية ملتزمة بتسليم السلطة لحكومة مدنية، وأدان ميليشيا الدعم السريع باعتبارها الجهة التي عطّلت العملية السياسية وهاجمت مقر إقامة رئيس مجلس السيادة. لكنه بعد عامين فقط، انقلب على موقفه بالكامل، متبنّيًا خطاب نظام أبوظبي دون تحفظ، في انسجام تام مع بروباغندا الدولة المعتدية.
أما على المستوى المهني، فقد فُصل شرفي من منصبه سفيرًا للسودان في فنزويلا عام 2013، بعد سفره إلى كندا دون إذن رسمي، وسط تقارير عن تقديمه طلب لجوء. ورغم هذا السجل، أُعيد إلى وزارة الخارجية عام 2020 بقرار من لجنة “المفصولين تعسفيًا” إبان عبد الله حمدوك، ثم عُيّن سفيرًا لدى الإمارات في سبتمبر 2022، قبل أن يُعفى رسميًا في أكتوبر 2024 ويرفض العودة إلى الخرطوم، زاعمًا عدم اعترافه بالحكومة الشرعية.
من الناحية القانونية، يُعد استمرار ترويج نظام أبوظبي لشرفي بصفته “سفيرًا” خرقًا صريحًا للمادة (4/1) من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، التي تُخوّل الدولة المُرسِلة وحدها حق تعيين أو إنهاء مهمة ممثليها. كما أن امتناع النظام المعتدي عن إعلان شرفي “شخصًا غير مرغوب فيه”، رغم تجاوزه القانون واستخدامه صفته السابقة في سياق عدائي، يُعد انتهاكًا للمادة (9) من الاتفاقية نفسها. ما يجري ليس مجرد مخالفة شكلية، بل تواطؤ سياسي سافر، يتمثل في إعادة تدوير دبلوماسي فاقد للصفة القانونية لخدمة مشروع تمثيلي زائف يُقوّض السيادة السودانية، ويوفّر لنظام أبوظبي واجهة إعلامية مزورة للنفوذ.
**تفكيك ثلاثية التضليل: القنصلية، السيادة، والدعاية المعادية*
من خلال هذه الخلفية القانونية والسياسية، تنهار الحملة الدعائية التي روّج لها نظام أبوظبي، والتي إرتكزت على ثلاث مزاعم رئيسية:
*1. هل إستمرار القنصلية يُعد خرقاً دبلوماسياً؟*
كما ثبت، إستمرار القنصلية في دبي تم بموجب رضا ضمني مكتمل الأركان، لم تعترض عليه الدولة المستقبِلة، بل دعمته فعلياً بإجراءات إدارية، مما يُضفي عليه شرعية قانونية كامل
*2. لماذا لم يتم تفويض دولة ثالثة؟*
تفويض دولة ثالثة هو خيار سيادي مشروط، وليس إلزاماً قانونياً. ولم يكن هناك ما يستدعي تفعيله، إذ لم يطلب نظام أبوظبي إغلاق القنصلية، ولم يُغلقها، ولم يطرد موظفيها. هذا القبول الضمني بنشاط القنصلية أسقط الحاجة إلى أي ترتيبات بديلة، وأثبت قانونيًا أن لا مبرر لتفويض دولة ثالثة.
*3.هل ما جرى يُعد تراجعاً سودانياً؟*
لم يُعدّ ما حدث تراجعاً، بل ممارسة ذكية للسيادة: السودان أوقف عمل بعثاته بالكامل، ثم أعاد تشغيل القنصلية لاحقاً لتلبية حاجات إنسانية وجماهيرية، دون منح أي تمثيل سياسي أو تنازل قانوني للخصم.
*ما تؤكده السوابق الدولية*
الحالة السودانية ليست إستثناءً من الممارسة الدبلوماسية العالمية، بل تندرج ضمن سياق قانوني وسيادي متكرر في العلاقات الدولية. العديد من الدول لجأت إلى إستمرار الخدمات القنصلية حتى بعد قطع العلاقات السياسية، وذلك مراعاةً لحقوق الجاليات المدنية وإلتزاماتها القانونية. ما فعله السودان ينسجم مع هذا الإطار، بل يُعد من أوضح النماذج في إحترام القانون وتفعيل أدوات السيادة دون تفريط أو خرق ومن أبرز هذه السوابق:
*الولايات المتحدة وإيران (منذ 1979)*
رغم القطيعة التامة بين واشنطن وطهران بعد الثورة الإيرانية، إستمرت الخدمات القنصلية من خلال دول وسيطة مثل سويسرا وباكستان، دون وجود تمثيل سياسي مباشر.
*السعودية وإيران (2016–2023)*
أثناء فترة إنقطاع العلاقات السياسية، إستمرت القنصليات في العمل عبر وساطة سويسرية، في إطار خدمات مدنية بحتة للجاليات دون أي تمثيل دبلوماسي.
*مصر وتركيا *(2013–2021)*
رغم تجميد التمثيل السياسي الكامل بين البلدين، وغياب السفراء، حافظت القنصليات على تقديم خدماتها للجاليات في كل من أنقرة والقاهرة.
*ماذا لو قرر نظام أبوظبي إغلاق القنصلية الآن؟*
وفقًا لاتفاقية فيينا (1961)، قطع العلاقات الدبلوماسية حق سيادي للدولة المُرسِلة ولا يتطلب موافقة الدولة المستقبِلة، التي تلتزم فقط بحماية مقار البعثة وأرشيفها (المادة 45). لذا، لا يملك نظام أبوظبي قانونًا رفض قرار السودان، وأي ادعاء بعكس ذلك يُعد خرقًا واضحًا للمرجعية القانونية الدولية.
أما إغلاق القنصلية، فصحيح أن المادة (4) من اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية (1963) تمنح الدولة المستقبِلة حق سحب موافقتها على وجود بعثة قنصلية، لكن في هذا السياق، فإن إقدام نظام أبوظبي على إغلاق القنصلية السودانية في دبي لن يُفهم إلا كتصعيد سياسي–إنتقامي، لا كإجراء قانوني محض.
*أولًا*، سيكون ذلك بمثابة عقوبة جماعية لأكثر من 350 ألف سوداني مقيم، بحرمانهم من خدمات أساسية كتوثيق المستندات وتجديد الجوازات، في إنتهاك لحقوق الجاليات الأجنبية المكفولة بموجب القانون الدولي.
*ثانيًا*، يمثّل هذا السلوك تناقضاً فاضحاً؛ إذ سبق لنظام أبوظبي أن سمح باستمرار القنصلية وأعلن إعفاءً إدارياً لصالح السودانيين، ما يجعل أي تراجع مفاجئ دليلاً على الطابع الإنتقامي وليس القانوني.
*ثالثًا*، من الناحية النظرية، يمكن للسودان تفويض دولة ثالثة لرعاية مصالحه، وفق المادة (45/ب) من إتفاقية فيينا. لكن تنفيذ هذا الخيار يتطلب موافقة السودان، والدولة الثالثة، ونظام أبوظبي، وهو أمر مرجّح أن يُعرقله الأخير في حال التصعيد، مما يترك الجالية دون تمثيل أو حماية.
وإذا رفض نظام أبوظبي أيضاً خيار الدولة الثالثة، فإن سلوكه سيقع قانونياً ضمن نطاق “التمييز المنهجي” و”العقاب الجماعي” — وهما سلوكان مرفوضان دولياً، خصوصاً عندما يُستخدمان ضد مدنيين لا علاقة لهم بالنزاع السياسي ويُعرّضون بسبب ذلك للضرر والحرمان من حقوقهم القانونية.
وحين تعامل نظام أبوظبي بغرور ورفض الإعتراف بالقطيعة، ظنّ أنه يُحرج السودان، لكنه في الحقيقة منحه أرضية قانونية صلبة لا يستطيع التراجع عنها دون أن يُلحق ضرراً مباشراً بصورته الدولية التي يسوّقها كدولة متسامحة ومحبة للسلام.
*إلى الأصوات الوطنية الغاضبة: الدولة لا تُدير علاقاتها كالأفراد*
ندرك تمامًا أن بعض الأصوات الوطنية عبّرت عن إمتعاضها من قرار إعادة فتح القنصلية السودانية في دبي. هذا الغضب مفهوم، وينبع من شعور أصيل بالكرامة الوطنية، ورفض لأي مظهر قد يُفهم على أنه تساهل مع نظام مارس عدواناً موثقاً ضد الدولة، وسلّح ميليشيا تمردت وإرتكبت المجازر بحق الشعب السوداني.
لكن لا بد من التذكير:
*الدولة لا تُدير علاقاتها بمنطق الغضب أو الكرامة الفردية، بل بعقلانية سيادية تُراعي الواجب والمسؤولية المؤسسية.*
الكرامة الوطنية لا تُقاس فقط بالمواقف الرمزية، بل أيضًا بقدرة الدولة على حماية مواطنيها — حتى في أرض خصم — والوفاء بإلتزاماتها تجاههم، مهما إشتد العدوان وإشتعلت الجبهات.
إعادة فتح القنصلية لم تكن تصالحاً سياسياً، ولا تراجعاً في السيادة، بل خطوة إجرائية محددة، هدفها تقديم خدمات مدنية وإنسانية غير سياسية لأبناء السودان المحاصرين في الخارج. وكان تركهم دون تمثيل قنصلي، في ميزان الدولة، ليُعد تقصيراً أخلاقيًا ومخالفة لمبدأ العدالة الوطنية.
فالدولة — بخلاف الأفراد — لا تُفرّق بين مواطنيها بناءً على مواقفهم الشخصية أو خياراتهم الفردية. بل تخدم الجميع، وتنتصر للجميع، لأنها تُمثّل الجميع. أما من اختار بوضوح الإصطفاف مع العدو، ودعم ميليشيا الدعم السريع أو نظام أبوظبي المعتدي، وساهم في تبرير جرائم الحرب أو تقويض الدولة، فقد أسقط عن نفسه الغطاء الوطني، لا بسبب آرائه، بل بسبب تورطه الفعلي أو التحريضي في مشروع تدمير السودان.
أما من تبقى من السودانيين المقيمين في دولة العدوان، فوجودهم محكوم بضرورات إنسانية أو اقتصادية أو عائلية. سواء اتفقنا مع خيار بقائهم أو لم يُتَّفَق عليه، تظل الدولة مسؤولة عن رعايتهم وتقديم الخدمات القنصلية لهم بلا تمييز أو تقصير.
وهنا يتجلّى الفارق بين السلوك السيادي الرشيد الذي تحكمه المؤسسات، وبين ردود الأفعال الإنفعالية التي قد تُفهم في المجال الشخصي، لكنها لا تليق بإدارة دولة تخوض حربًا وعدوانًا وتواجه تحديات متعددة في آنٍ واحد.
*خاتمة: موقف سيادي لا يُشوَّش عليه*
ما يحاول الإعلام الممول من نظام أبوظبي تصويره كإرتباك أو تراجع من جانب السودان، ليس سوى جزء من حملة دعائية موجهة، صيغت بأدوات تضليل ناعمة وتكتيكات إعلامية مدروسة، تهدف إلى تشويه صورة الحكومة السودانية، وتقويض شرعية قراراتها السيادية، وخلط المشهد العام داخلياً وخارجياً. وقد تصدّر هذه الحملة عبد الرحمن شرفي ومن معه من أبواق إعلامية مأجورة، أعادوا تدوير سردية النظام المعتدي دون أي تحليل قانوني أو وطني مستقل، في محاولة لإرباك الإدراك العام وتصوير خطوات قانونية مدروسة على أنها إرتجال سياسي.
لكن الحقيقة أن السودان لم يتنازل، ولم يتراجع. بل واجه العدوان بحكمة وصرامة قانونية، دون أن يمنح النظام المعتدي أي نافذة إعتراف سياسي أو تمثيل غير مباشر. إعادة تشغيل القنصلية السودانية في دبي لم تكن تصالحاً ولا تراجعاً، بل خطوة سيادية–قانونية–إنسانية بإمتياز، جاءت في إطار إتفاقية فيينا وبموجب مبدأ “الرضا الضمني”، لضمان حماية الجالية السودانية دون خرق قانوني أو تفويض طرف ثالث.
أما إذا أقدم نظام أبوظبي على إغلاق القنصلية أو رفض أي ترتيبات بديلة، فسيكون ذلك إنتهاكاً صريحاً للقانون الدولي، وعدواناً على الحقوق المدنية لمواطنين أبرياء، ويدينه المجتمع الدولي كتمييز ممنهج وعقاب جماعي محظور.
السودان، في المقابل، أدار أزمته بإحتراف سيادي لا بإنفعال. لم يُساوم على كرامته، ولم يتخلّ عن مسؤولياته تجاه مواطنيه، حتى وهم عالقون في أرض خصم. ما جرى لم يكن إرتباكاً، بل موقف وطني موزون، يُجسّد جوهر الدولة حين تضع القانون والواجب فوق الشعارات والإنفعالات.
#القوات_المسلحة_السودانية_تمثلني
bitalmakki@gmail.com