حملات اعتقال ممنهجة وأزمات إنسانية خانقة وتعقيدات امنية.. ولايات دارفور… في عين العاصفة

حملات اعتقال ممنهجة وأزمات إنسانية خانقة وتعقيدات امنية..

ولايات دارفور… في عين العاصفة

حملة اعتقالات للمليشيا في رهيد البردي تطال أكثر من 20 شخصا

22 سيارة قتالية تابعة للجنجويد تنفذ اعتقالات جماعية جنوب غرب نيالا

نقل المعتقلين إلى نيالا عبر 10 سيارات وسط توتر أمني متصاعد

اعتقال أفراد من الشرطة والجيش والمخابرات في مناطق طوال وأبوري

مصادر تؤكد تنفيذ الاعتقالات بأوامر من المجرم عبد الرحيم دقلو

أزمة جوع تضرب مراكز الإيواء في نيالا بعد توقف المطابخ الجماعية

غرفة الطوارئ تؤكد تفاقم الجوع مع تزايد حركة النزوح إلى جنوب دارفور

النازحون يرفضون الترحيل إلى منواشي بسبب غياب الأمن والخدمات

وفيات بين المرضى نتيجة انقطاع العلاج في مراكز الفاشر الصحية

تقرير :رحمة عبدالمنعم
تعيش ولايات دارفور، لا سيما جنوبها وشمالها، أوضاعًا أمنية وإنسانية بالغة التدهور، في ظل تصاعد الانتهاكات الميدانية وتردي الخدمات الأساسية، وسط استمرار الحرب بين الجيش ومليشيا الدعم السريع، التي وسّعت جرائمها في عدد من المناطق، وفرضت إجراءات قمعية شملت اعتقالات واسعة، وحصاراً خانقاً تسبب في كوارث إنسانية غير مسبوقة.

اعتقالات واسعة
وقالت مصادر محلية وشهود عيان لـموقع “دارفور24″، أمس الاثنين ، إن مليشيا الدعم السريع نفّذت خلال يومي السبت والأحد الماضيين حملة اعتقالات تعسفية في بلدة رهيد البردي، الواقعة على بُعد 160 كيلومترًا جنوب غرب مدينة نيالا، حاضرة ولاية جنوب دارفور، استهدفت مدنيين وعسكريين على حدٍ سواء.
ووفقًا للمصادر، شاركت في الحملة قوة مكوّنة من 22 سيارة قتالية رباعية الدفع بقيادة قائد مليشيا الدعم السريع في المنطقة، وقد أسفرت الحملة عن توقيف أكثر من 20 شخصاً، بينهم عمدة قبيلة البرنو والتاجر المعروف أحمد إسماعيل، وُجّهت إليهم تهم بالتخابر مع الجيش .
كما شملت الاعتقالات عدداً من أفراد الشرطة الذين رفضوا الانضمام إلى ما تُسمّى بـ”الشرطة الفيدرالية” التي تسعى مليشيا الدعم السريع لتشكيلها، تنفيذًا لتوجيهات نائب قائد الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو.
وأكدت مصادر محلية أن جميع المعتقلين جرى نقلهم إلى نيالا بواسطة 10 سيارات عسكرية، بينما امتدت الحملة إلى مناطق طوال وأبوري، حيث اعتُقل عدد من أفراد الجيش والمخابرات العامة والشرطة، إلى جانب مدنيين آخرين.
وأشارت المصادر إلى أن عناصر من حزب المؤتمر الوطني المحلول وقيادات عسكرية سابقة غادرت رهيد البردي إلى قرى مجاورة، في حين اختبأ آخرون في منازل ذويهم هرباً من الملاحقات.
وفي تأكيد نادر، قال مصادر بمدينة نيالا – فضّلت حجب اسمها – إن الحملة نُفّذت بأوامر مباشرة من نائب قائد المليشيا عبد الرحيم دقلو، وبناءً على قرارات صادرة من ملتقى الإدارة الأهلية الأخير المنعقد في نيالا، الذي أقر اعتقال منتسبي الجيش والشرطة وجهاز الأمن الرافضين للانضمام لقوات الجنجويد، إضافة إلى أعضاء حزب المؤتمر الوطني المحلول.

مراكز الإيواء
وفي مشهد موازٍ للتدهور الأمني، يواجه آلاف النازحين في مدينة نيالا أوضاعاً إنسانية مأساوية، بعد توقف المطابخ الجماعية التي كانت توفّر الحد الأدنى من الغذاء لمراكز الإيواء.
وأكدت غرفة الطوارئ والمراكز الصحية في بيان، استمرار تفاقم أزمة الجوع التي تضرب مراكز الإيواء، مشيرة إلى أن عدد النازحين يتزايد يومياً نتيجة تصاعد المعارك في الفاشر، ما أدى إلى ضغط هائل على مراكز مثل الحميراء والمقداد والزهراء ومهيرة.
ورغم تدخل غرفة الطوارئ بتوفير وجبة غذائية واحدة استمرت لشهر واحد في مركز إيواء مهيرة، إلا أن انقطاع التموين أدى إلى توقف الدعم بالكامل.
وعبّر عدد من النازحين عن رفضهم لمقترح ترحيلهم إلى مراكز جديدة في منواشي شمال نيالا و14كيلو غرب المدينة، بسبب انعدام الأمن والخدمات الأساسية في تلك المناطق، ما يضعهم أمام خيارين أحلاهما مر: الجوع أو الخطر.

انعدام الأدوية
ويواجه السكان في مدينة الفاشر شمال دارفور، أزمة حقيقية في القطاع الصحي، مع انعدام شبه كامل للأدوية المنقذة للحياة والمستلزمات الطبية الأساسية.
ويعود ذلك، وفقًا لمسؤولين في القطاع الصحي، إلى الحصار الذي تفرضه مليشيا الدعم السريع على المدينة منذ مايو 2024، والذي منع دخول المساعدات والإمدادات الطبية.
وكانت المدينة تعتمد سابقاً على عمليات الإسقاط الجوي لتلقّي الأدوية، لكن بعد توقف تلك العمليات، تفاقمت الأزمة بشكل خطير، وأفاد شهود بأن عددداً من المرضى توفوا نتيجة غياب العلاج، لا سيما المصابين بأمراض مزمنة.
وأشار المسؤولون إلى وجود نقص عام في جميع الخدمات الطبية، بدءاً من الأدوية وانتهاءً بالطواقم الصحية، وهو ما دفع العديد من المرضى إلى التوجه نحو القرى المحيطة أو محاولة الفرار إلى ولايات أكثر استقراراً، دون ضمانات للسلامة أو العلاج.

مطرقة القمع
وتكشف الوقائع المتلاحقة في دارفور، خاصة في نيالا والفاشر، عن وضع ميداني وإنساني يزداد سوءًا يوماً بعد يوم، فمع تواصل حملات الاعتقال والتضييق الأمني، وتدهور الخدمات الأساسية، يواجه المدنيون أوضاعاً أقرب إلى الكارثة.
ويظل غياب الاستجابة الإنسانية الكافية، وازدياد رقعة النزوح، وتضييق الخناق على المدن المحاصرة، تحديات جسيمة أمام المنظمات الدولية والمجتمع السوداني، في ظل حرب لن تتوقف قريباً، ما يجعل من دارفور ساحة للمعاناة المركّبة، ونداءً مفتوحًا لإنقاذ ما تبقى.