بعد (69) عاماً من (الأول) ..
استقلال السودان الثاني علي الأبواب..
تكسرت نصال مؤامرة (ال دقلو) علي صخرة الجيش والشعب السوداني
فى ذلك اليوم .. مضت النخب في صياغة هتاف الجماهير التواقة للمجد
مبكراً جداً بدأت حركة الإنقلابات العسكرية في يونيو من العام 1957م
توالت سلسلة الإنقلابات العسكرية عام تلو عام حتي وصلت ل(مايو) 1969م
الكرامة – علم الدين عمر
..في مثل هذا اليوم من العام ستة وخمسين وتسعمائة وألف أرتفع العلم السوداني علي سارية السيادة الوطنية ، وأنطلقت إرادة الأمة السودانية لبناء دولتها الحديثة عقب الإعلان الجماعي عن إستقلال السودان من داخل البرلمان في التاسع عشر من ديسمبر من العام خمسة وخمسين وتسعمائة وألف..
في الثانية عشر ظهراً من ذاك النهار الشتوي المعتدل من غرة يناير أجتمعت الجماهير الهادرة لإحتفال رفع العلم علي سارية القصر الجمهوري علي إيقاع متسارع من (العرضة ) السودانية المنسابة فى عدة مسارات متباينة ..
بذرة التوتر…
..بينما كان المد الجماهيري يتوافد علي باحة القصر كانت المكاتب الإدارية بداخله تمور بحركة أخري يقودها الحاكم العام الذي بدأ في جمع أمتعته لمغادرة البلاد بطلب خطي من الزعيم إسماعيل الأزهري لإكمال الإجراء الشكلي وتسلم علم المملكة المتحدة ..وهناك في أقاصي الجنوب وفي مدينة توريت حدث أعاد تشكيل واقع الإستقلال السوداني حيث تسبب تأخر باخرة معدة لنقل فصيل من الجنود لمدينة جوبا تمهيداً لنقلهم للمشاركة في مراسم رفع العلم في إشتعال التمرد الأول الذي بدأ مع صرخة ميلاد الدولة ..
ثم بدأت ملامح الإحتفال المتقاطعة في الظهور حيث تم رفع العلم بواسطة السيدين إسماعيل الأزهري ومحمد أحمد المحجوب (الحكومة والمعارضة) في حضور قطبي السياسة السودانية السيدين علي الميرغني وعبدالرحمن المهدي أيذاناً بميلاد سلطة تأسيسية متشاكسة لم تجد نصيبها من النقد والتحليل الإحترافي إلي جانب التقديس الإحتفالي الذي طمس الكثير من معالمها ..
ثم بدأت مرحلة التأسيس والسودنة منذ يومها الأول في إدارة موازنات تهدف للإستقلال الكامل عن سطوة شالمستعمر مع الإبقاء علي موروثاته الهيكلية من خدمة مدنية وبرتكولات عسكرية وعلاقات خارجية بصورة متوازنة ..
وضجت الساحة السودانية بأدبيات التحرر والإستقلال وأشتعلت الأوساط الثقافية والفنية والمجتمعية بالشعر والموسيقي والغناء والمسرح .. وبدأت جذوة القلق علي مستقبل الدولة تتزايد يوماً بعد يوم، حتي أنتهت لإنقلابات وتدافع شرس بين القوي السياسية ، وتباين في الرؤى، وتركيز مطلق على السلطة، وتكبيل الوطن في منطقة الرومانسية والأشعار التي صاغها أصحابها بين قوميين يعتبرون أن عرب السودان جاؤوا مشاعل نور “عمروا الأرض حيثما قطنوا”، ومن يعتبر حضارة السودان نتاج “عزم ترهاقا وإيمان العروبة.. عرباً نحن حملناها ونوبة.
ثم أنطلقت مسيرة السودان وسط هذا البحر الهدار من التحديات والتوازنات والتجاذب ..
مضت النخب في صياغة هتاف الجماهير التواقة لصناعة المجد بتشكيل كيانات سياسية تقليدية تقوم برامجها علي من يحكم السودان لا كيف يحكمه ..
ومبكراً جداً بدأت حركة الإنقلابات العسكرية في يونيو من العام 1957م بعد عام واحد من الإستقلال إذ قاد عبدالرحمن كبيدة محاولة إنقلابية فاشلة للإطاحة بحكومة الديموقراطية الأولي ..وبعد عام آخر في نوفمبر 1958م وقع إنقلاب ذاتي غير دموي بقيادة رئيس الوزراء عبد الله خليل نفذه الفريق إبراهيم عبود ضد الحكومة المدنية التي تشكلت بعد انتخابات 1958م وقد شارك فيها حزب الأمة القومي بزعامة عبدالله خليل نفسه.
وكانت في ذاكرة الناس والأحداث ثورة أكتوبر من العام أربعة وستين وتسعمائة وألف التي أطاحت بحكم الفريق إبراهيم عبود كأول ثورة شعبية مباشرة تنجح في إنهاء الحكم العسكري الوطني وإعادة إنتاج السلطة المدنية المستمدة من الشعب قبل أن تجري الكثير من المياه تحت جسورها وتتقاذفها رياح التدافع السياسي
ثم توالت سلسلة الإنقلابات العسكرية عام تلو عام حتي وصلت لإنقلاب مايو 1969م بقيادة العقيد جعفر نميري الذي أستمر في حكم السودان لستة عشر عاماً جرت خلالها عدة محاولات للإطاحة به بتخطيط من قوي سياسية متباينة من أقصي اليمين لأدني اليسار حتي أطاحت به القوات المسلحة ممثلة في وزير الدفاع القائد العام المشير عبدالرحمن سوار الدهب في أبريل من العام خمسة وثمانين وتسعمائة وألف إستجابة لضغط الشارع ..
وتشكلت ملامح أول تجربة حكم عسكري إنتقالي قصير إذ سلم المشير سوار الدهب السلطة لحكومة مدنية منتخبة بعد عام واحد كما ألتزم ..
وبدأت فترة الديموقراطية الثالثة التي فشلت كذلك في المحافظة علي لحمة الدولة المتماسكة ووصلت السلطة لأضعف حالاتها حتي وصلت القوات المتمردة عليها من أقصي الجنوب لحدود أقاليم النيل الأبيض والأزرق وأقتربت من وسط السودان فوقع إنقلاب الثلاثين من يونيو من العام 1989م بقيادة العميد عمر حسن أحمد البشير الذي أستمر في الحكم لثلاثين عاماً حتي ديسمبر 2019م عقب إستجابة اللجنة الأمنية برئاسة الفريق أول عوض إبن عوف لضغوط الشارع وأستلام السلطة لمدة قصيرة جداً وتسليمها لمجلس عسكري إنتقالي..تشارك مع قوي سياسية تبنت برنامج الثورة عبر وثيقة دستورية أتاحت لها الإنفراد بسلطة حاولت من خلالها العبث بمكتسبات الدولة السودانية التاريخية وإعادة الإستعمار بأدواته الحديثة ..حتي أصدر القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبدالفتاح البرهان في أكتوبر من العام 2021م قراراً بتجميد العمل بالوثيقة الدستورية وتعديل بعد بنودها بعد أن حاولت قوي الحرية والتغيير المشكلة من أربعة أحزاب ممارسة الإقصاء السياسي وتصفية حساباتها السياسية مع القوي الأخري بالإنفراد بسلطة إنتقالية طويلة المدي بالتشارك مع مليشيا الدعم السريع التي حاولت فرض بنود الإتفاق الإطاري ودستور المحامين المستجلب من الخارج ..وبدأت في عقد ورش هيكلة القوات النظامية بمشاركة ناشطين سياسيين لا علم لهم ولا دراية ولا موثوقية ..
وفي الخامس عشر من أبريل من العام 2023م أعلنت مليشيا الدعم السريع بقيادة المتمرد محمد حمدان دقلو الذي كان يشغل منصب نائب رئيس مجلس السيادة تمردها علي الدولة وحاولت الإنقضاض علي القوات المسلحة والقبض علي القائد العام وأعضاء هيئة الأركان ومجلس السيادة بعد أن تمكنت من نشر قواتها في أغلب المواقع الإستراتيجية ..وتكشف لاحقاً الغطاء السياسي الذي كانت يوفره لها داعميها من القوي المدنية المدعومة خارجياً للإستيلاء علي السلطة في السودان.
ومنذها بدأت معارك الدفاع الشرسة التي خاضها الشعب السوداني وقواته المسلحة والقوات النظامية الأخري والقوي المشتركة لحركات الكفاح المسلح لدحر هذا الغزو غير المسبوق الذي أستجلب له المرتزقة عدد كبير من الدول والمنظمات والجماعات داخل وخارج السودان ..وتكسرت نصال هذه المؤامرة الكبيرة علي صخرة الجيش والشعب السوداني القوية وبدأت رحلة الإستقلال الجديد ..
معركة الكرامة اليوم تدخل لعامها الثاني وهي علي مشارف الختام بعد أن دمرت القوي الصلبة للتمرد وأحاطت به من كافة الجوانب العسكرية والدبلوماسية والقانونية ولم يتبق إلا إعلان النصر من داخل الميدان.