كبسولة وعي صباح المكي حين تصبح الرواية سلاحًا: الجيش .. البروباغندا الإسرائيلية ومخلب نظام أبوظبي الوظيفي

كبسولة وعي
صباح المكي
حين تصبح الرواية سلاحًا:
الجيش .. البروباغندا الإسرائيلية ومخلب نظام أبوظبي الوظيفي

ما يجري بالسودان جزء من مشروع خارجي تقوده أبو ظبي…

أجندات إسرائيلية–غربية تسعى لإعادة رسم خريطة المنطقة…

مساعي لشيطنة المؤسسة العسكرية وتقديمها كخطر إقليمي عابر للحدود..

السفير المعزول شرفي يؤدي دورًا مبتذلًا في ماكينة بروباغندا أبو ظبي

*بقلم: صباح المكّي*

*مقدمة: السودان في مرمى مشروع ناعم لإعادة هندسة المنطقة*
ما يجري في السودان ليس نزاعًا داخليًا معزولًا، بل جزء من مشروع خارجي يقوده نظام أبو ظبي، يُعاد تسويقه كـ”سلام” بينما يحمل أدوات تفكيك واستعمار ناعم.
السودان، بما يملكه من موقع استراتيجي وجيش وطني مستقل، يُمثّل نقيضًا مباشرًا لنموذج الهيمنة الذي تروّج له نظام أبو ظبي: دول مُفككة تخضع للمال والميليشيا. من هنا، يتحوّل السودان إلى مختبر حيّ تُختبر فيه أدوات الجيل الرابع والخامس من الحروب: التضليل بدل الحقيقة، الميليشيا بدل الجيش، والكاميرا بدل البندقية.
نظام أبو ظبي لا يتحرّك وحده، بل يؤدي دور “المقاول الإقليمي” لأجندات إسرائيلية–غربية تسعى لإعادة رسم خريطة المنطقة، والسودان أول من تصدّى لها… ولهذا يُستهدف.
وفي هذا المقال، نكشف خيوط هذا المخطط: من حملات الدعاية الإسرائيلية، إلى أدوات نظام أبو ظبي الإعلامية، مرورًا بالسفراء الموظفين، وانتهاءً بالحرب الناعمة التي تستهدف تفكيك الدول من داخلها دون اجتياح حدودها.

*سردية جيروزاليم بوست: عندما تتحوّل الدعاية إلى أداة نزع سيادة*
في 4 مايو 2025، نشرت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية مقالًا دعائيًا بعنوان: “الجبهة القادمة لحماس؟ جيش السودان الإسلامي والتهديد الإفريقي لإسرائيل”، حرّره كل من أمجد طه، أحد الأذرع الإعلامية الوظيفية المرتبطة بمنظومة البروباغندا التابعة لنظام أبو ظبي، وإيتان نيشلوس، رجل أعمال إسرائيلي يُعدّ واجهة من واجهات رأس المال الإسرائيلي ونظام أبو ظبي في شرق إفريقيا.
يتظاهر المقال بلبوس أمني وتحليل استراتيجي، لكنه في جوهره بيان دعائي مفخخ، يعيد تدوير سرديات قديمة في ثوب جديد، ويهدف إلى شيطنة المؤسسة العسكرية السودانية وتقديمها كخطر إقليمي عابر للحدود، يُبرّر التدخل ويُمهّد للوصاية الأجنبية. لا ينتمي إلى حقل التحليل الأمني كما يوحي عنوانه، بل يُمثّل جزءًا من حرب سردية منهجية، تستخدم أدوات التضليل الاستخباراتي لإعادة تعريف مشهد الصراع في السودان، وتوجيه وعي القارئ الدولي نحو نتائج تخدم أجندة خارجية تستهدف تفكيك السودان وإعادة هندسته سياسيًا وعسكريًا.

“*تحالف التخويف”: إسرائيل وأبو ظبي ضد الجيش السوداني*
يبدأ المقال بمحاولة شيطنة الجيش السوداني، عبر ربطه بجماعات مثل حماس والإخوان المسلمين، والحديث عن “اختراقات إرهابية” و”تهديدات محتملة” للأمن الإسرائيلي والملاحة في البحر الأحمر. لا يُقدَّم أي دليل موثوق، بل يتم بناء سردية كاملة من الفرضيات والتحريض، هدفها نزع الشرعية عن المؤسسة العسكرية السودانية، وتصويرها كخطر عابر للحدود، بدلًا من الاعتراف بأنها تخوض معركة سيادية ضد ميليشيا مدعومة خارجيًا.
الأخطر من ذلك أن المقال يُحرّف جوهر الحرب في السودان، فيُحوّل المُعتدي إلى ضحية، والمُعتدى عليه إلى تهديد. إنه يختزل صراعًا سياديًا ضد ميليشيا خارجة عن القانون في صورة احتراب أهلي مؤدلج، يُقدَّم كصدام مصطنع بين “جنرالات إسلاميين” و”مدنيين معتدلين”، وهي الصيغة ذاتها التي استخدمتها إسرائيل لتبرير تدخلاتها في غزة ولبنان، وتُستخدم هنا لتهيئة بيئة خطابية تبرّر إقصاء الجيش من أي صيغة سياسية قادمة.
والأدهى أن المقال يتجاهل بالكامل الأدلة الدولية التي تدين نظام أبو ظبي في تسليح وتمويل ميليشيا الدعم السريع، بما في ذلك:
• تقارير لجنة الخبراء الأممية التي وثّقت جسرًا جويًا بين أبو ظبي وإنجمينا لنقل الأسلحة.
• تحقيق فرانس 24 عن قذائف بلغارية انتهت بأيدي الميليشيا.
• تقارير العفو الدولية التي أكدت توريد طائرات مسيّرة وذخائر دقيقة عبر شركات واجهة تابعة للإمارات.
لكن ذروة التزييف جاءت حين استدعى الكاتبان اسم أسامة بن لادن، في محاولة بائسة لإعادة إنتاج رواية “السودان كملاذ إرهابي”. بن لادن غادر السودان منذ أكثر من ربع قرن، في سياق إقليمي مغاير ونظام سياسي مختلف لا يمثل واقع الدولة اليوم. أما القوات المسلحة السودانية، فهي مؤسسة سيادية دستورية، ظلّت — رغم التحولات السياسية — تمثّل عمود الدولة وضامن وحدتها، وتخوض الآن معركة مزدوجة: جبهة ميدانية ضد ميليشيا مدعومة خارجيًا، وجبهة سردية تواجه محاولة ممنهجة لتجريدها من شرعيتها وتقديمها كطرف مارق.
ثم لوّح المقال بورقة “العلاقة مع إيران”، في محاولة لربط الجيش السوداني بمحور مذهبي. غير أن إعادة العلاقات مع طهران تمّت علنًا وفي إطار اتفاقيات أمنية ودبلوماسية لا تنزع من الجيش استقلاله. لكن المقال، كسائر أدوات البروباغندا، يعتمد على إثارة الكلمات المفتاحية الجاهزة: “الإخوان”، “بن لادن”، “إيران”، لتأطير الخصم ضمن قوالب تخويف مُعلّبة تُستخدم لتبرير الاستهداف. لقد أصبحت أسماء مثل بن لادن، الحرس الثوري، حزب الله، والإخوان أدوات دعائية تُستحضر عند الحاجة لإعادة تدوير الخوف. وحين تفشل الرواية القانونية والسياسية في شيطنة الجيش، يُستدعى أرشيف الإرهاب كسلاح أخير لتبرير الاستهداف.

*سرديات موازية: إعلام الظل يُصنّع الانقسام*
في 11 مايو، وبعد أيام قليلة من مقال جيروزاليم بوست، نشرت إحدى الصحف الإلكترونية السودانية مادة تزعم وجود “انقسامات داخل الجيش السوداني بسبب الحرس الثوري الإيراني”. تحدّثت الرواية عن نقل عناصر إيرانية ولبنانية من قاعدة فلامنغو إلى منطقة الرقبة شمال بورتسودان، وربطت ذلك بانقسامات حادّة داخل المؤسسة العسكرية، مع الإيحاء باقتراب انفجار أمني وشيك في المدينة. وكما هو معتاد في هذه الأنماط الإعلامية، استند الطرح إلى “مصدر عسكري مجهول”، في محاولة لإضفاء شرعية زائفة على سردية مُفبركة تُصاغ خارج حدود المهنية الصحفية.
نحن لا نواجه مادة إعلامية معزولة، بل حملة دعائية متعددة الجبهات، تُدار من غرف العمليات النفسية في أبو ظبي وتل أبيب، وتُنفَّذ عبر أدوات عربية — سودانية أحيانًا — تُلبس التزوير قناع الوطنية والحياد. الهدف: تفكيك الجيش السوداني معنويًا، تمهيدًا لإخراجه من أي معادلة سيادية.

*شرفي: النائحة المستأجرة في سوق نظام أبو ظبي الإعلامي*
في بودكاست على تلفزيون الشارقة بتاريخ 14 مايو، خرج السفير السوداني المعزول عبد الرحمن شرفي ليؤدي دورًا مبتذلًا في ماكينة بروباغندا نظام أبو ظبي، لاعقًا حذاء النظام على الهواء، مؤديًا دور نائحة مستأجرة تمارس اللطم الإعلامي المأجور بلهجة سودانية، يلطّخ السيادة الوطنية وهو يُلمّع وجه دويلة العدوان بوقاحة وظيفية مكشوفة.
منذ اللحظة الأولى، لم يكن ما قُدِّم حوارًا، بل بودكاست من ماخور… وضيف جاهز للبيع، بلا أسئلة حقيقية ولا نقاش، فقط مكبّ سردي مغمور بـ”هراء عالي النقاء”، تُعاد فيه تعبئة الأكاذيب كما تُعبّأ الذخيرة للميليشيات.
والأدهى أن نظام أبو ظبي قدّم شرفي وكأنه لا يزال “السفير السوداني”، رغم عزله رسميًا منذ أكتوبر 2024. لم تكن زلة بروتوكولية، بل تزويرًا سياسيًا سافرًا، وانتحال صفة دبلوماسية أمام الكاميرا — خرقًا فاضحًا للأعراف الدولية، وفضيحة تلخّص عبثية الأداء السياسي والإعلامي لهذا النظام.
شرفي، الذي يأكل ويُبثّ من داخل دويلة تُسلّح ميليشيا الدعم السريع بالمرتزقة والطائرات المسيّرة، لمو يُستدعَ ليحلّل، بل ليُنفّذ. أعلن عداءه لحكومة بلاده، وكرّر ببلاهة سرديات نظام أبو ظبي.
لم يكن ضيفًا على مائدة رأي، بل كومبارس مدجّن في مسرحية ماجنة لتبييض الإبادة الجماعية. الأسئلة وُضعت كفخاخ دعائية مُعدّة مسبقًا، وشرفي لم يكن مغفّلًا، بل منبطحًا محترفًا، يجيد التلاعب بالعاطفة. جلس ليؤكد ولاءه لجلاوزة النظام، وليثبت أنه مؤهل بامتياز لدور “أبو رغال السوداني”، يصفّق لمن يطعن السودان في خاصرته، ويذرف دموع التماسيح على وطن باعه على الهواء بأبخس الأثمان.

*بودكاست “مرايا”: عندما يلمّع الإعلام وجه العدوان*
في بودكاست “مرايا”، لم تُطرح أسئلة بحث أو مساءلة، بل أُدير سيناريو دعائي كامل الإخراج من إنتاج جهاز الاستخبارات التابع لنظام أبو ظبي. كانت الأجندة واضحة: تلميع صورة النظام، وتقديم السفير المقال كبديل دبلوماسي “عاقل” في مواجهة الدولة السودانية. من السؤال الافتتاحي: “ما مصلحة السودان في معاداة الإمارات؟”، انطلقت الحملة من بوابة التشكيك في القرار السيادي، وتحويل الخرطوم من ضحية عدوان إلى جهة تصطنع الأزمات.
لا ذكر للطائرات المسيّرة التي قصفت بورتسودان، ولا للأسلحة التي فضحها فريق الخبراء في الأمم المتحدة، ولا للمرتزقة الذين تدفعهم أبو ظبي عبر تشاد؛ فقط بكائيات عن “العلاقات التاريخية”، واتهامات للسودانيين بـ”نكران الجميل”.
التركيز على أن الحكومة السودانية “غير شرعية” لم يكن تحليلًا، بل انحيازًا فجًّا لسردية نظام أبو ظبي وميليشياته، التي تسعى لفرض واقع دبلوماسي موازٍ بوقاحة معلنة. والسؤال “لماذا الإمارات تحديدًا؟” لم يكن سوى تكرار لنغمة مملّة عن “موقف نظام أبو ظبي من الإخوان”، وكأن هذا الشعار الطائفي كافٍ لتبرئة النظام من دماء الأبرياء، وجرائم الاغتصاب الجماعي، والنهب، والتهجير.

*بودكاست بلا أسئلة… فقط ذخيرة سردية*
أما السؤال عن “الحملات الإعلامية ضد الإمارات”، فقد حاول اختزال الوعي السوداني الرافض للعدوان إلى مجرد “تحريض إلكتروني”، وكأن غضب السودانيين لا ينبع من الجثث والحرائق، بل من التغريدات.
حتى قضية السودان أمام محكمة العدل الدولية وُصفت بسخرية بأنها “فرقعة إعلامية”، وكأن آلاف الشهداء والنازحين مجرد أدوات دعائية. الهدف من هذه المسرحية: تصوير نظام أبو ظبي كضحية، وعبد الرحمن شرفي كبطل “عاقل”، رغم كونه دمية بالية لا تُغني ولا تُسمن من جوع، فقدت شرعيتها، وتُستخدم كقناع دبلوماسي مزيّف. لا ذكر للمرتزقة الكولومبيين، ولا للأسلحة البلغارية، ولا للرحلات العسكرية المشبوهة إلى تشاد — فقط منبر ملوّث “كسوق الخيل في أبو ظبي في الأيام الخوالي”، وسيناريو مكرّر من أدوات الحرب الناعمة: تسويق الباطل بلكنة سودانية.
هذه ليست مقابلة. إنها عملية تضليل ممنهجة، تُنفَّذ عبر أدوات ناعمة: صحفيات مبرمجات، وسفراء ساقطون أخلاقيًا. جزء لا يتجزأ من حرب الجيل الخامس على السودان؛ حيث تُخاض المعارك بالخرائط والذخائر، وتُستكمل بحملات الوعي والخيانة المذاعة على الهواء مباشرة.
أما ما يثير الفضول والتساؤل حقًا، فهو أن هذا البودكاست بدا سلسًا، أنيقًا، ومصنوعًا كتحفة إعلامية — كأنما صُمّم ليُحبّه المشاهد قبل أن يُفكّر فيه. إنها الخيانة حين ترتدي ثوب البراءة، والتضليل حين يُقدَّم كفنًّا ناعمًا يُداعب العقل ويطعن الوعي بهدوء.
لكن السؤال الأهم هنا: من هو الجمهور الحقيقي لهذا البودكاست؟
هل هو موجّه إلى السودانيين؟ إلى الرأي العام العربي؟ أم إلى جمهور النظام نفسه؟
هل ظنّ نظام أبو ظبي فعلًا أن هذا العرض سيقنع من يرى الطائرات المسيّرة لا “البودكاست”، ومن يعيش الخراب لا روايته؟
بل هي أقرب إلى محاولة لطمأنة الداخل، لتجميل وجه النظام أمام مرآته، لا أمام الضحايا.
فبعد أن سقط القناع، وباتت رائحة النظام تزكم الأنوف، وذاع صيت إجرامه وإرهابه في الآفاق — تصدّع عرشه المصطنع في ميدانه الذي طالما ظنه حكرًا له: حرب الإعلام.

*الحرب الهجينة في السودان: عندما تتقاطع البنادق مع الروايات*
في سياق العدوان المركّب الذي تتعرض له الدولة السودانية، لا يمكن فهم المشهد الأمني والسياسي بمعزل عن أدوات الحروب الهجينة. فالسودان اليوم لا يواجه فقط ميليشيا متمردة، بل يتعرض لهجوم مزدوج يجمع بين الجيل الرابع من الحروب (العسكرية غير النظامية) والجيل الخامس (الحروب الإدراكية والسردية) — وكلاهما يُدار من الخارج، وتحديدًا من نظام أبو ظبي.

*الجيل الرابع في السودان (4GW): ميليشيا تُسقط الدولة بالإنهاك*
تُعرف حروب الجيل الرابع بأنها صراع بين الدولة وكيانات غير نظامية، لا يهدف إلى الانتصار العسكري المباشر، بل إلى إنهاك الدولة وتفكيكها من الداخل.
وفي السودان، يتجسّد هذا النمط من الحرب بوضوح في ميليشيا الدعم السريع، التي تُقاتل الجيش النظامي خارج الإطار التقليدي، مستخدمةً أساليب العصابات والتمركز داخل الأحياء السكنية. هذه الميليشيا مدعومة تمويلًا وتسليحًا من الخارج، وعلى رأس الداعمين نظام أبو ظبي وتشاد. وهي لا تسعى إلى السيطرة بقدر ما تهدف إلى زعزعة الأمن، تعطيل مؤسسات الدولة، ونشر الفوضى في العاصمة والولايات.
تستخدم المدنيين كدروع بشرية، وتعمل على تهجير السكان قسرًا لتفريغ المدن من تركيبتها الوطنية. إنها حرب استنزاف شاملة، طويلة الأمد، لا تسعى إلى نصر عسكري، بل إلى إسقاط الدولة بالبطء والتفكك.

*الجيل الخامس في السودان (5GW): حرب سرديات تُفكك الدولة من الداخل*
أما الجيل الخامس من الحروب، فهو الأخطر لأنه لا يُخاض بالسلاح، بل بالكلمة والصورة والرواية. إنه صراع على الإدراك، لا على الأرض.
في هذا الإطار، يتعرض السودان لحرب سردية ممنهجة تهدف إلى تشويه الجيش السوداني وتجريده من شرعيته الوطنية، عبر تصويره في الإعلام الإقليمي والدولي كقوة “إسلامية متطرفة” أو “انقلابية”. في المقابل، تُقدَّم ميليشيا الدعم السريع — المتورطة في مجازر وجرائم موثقة — كـ”طرف مصلح” أو “حركة مدنية”.
هذه الرواية لا تُدار فقط من الخارج، بل تُعاد صياغتها داخل السودان عبر تجنيد دبلوماسيين سابقين ومؤثرين سودانيين، في عملية تُعرف بـ”غسل السردية”، بحيث يبدو النقد صادرًا من الداخل لا مفروضًا من الخارج. يترافق ذلك مع حملات تضليل إعلامي، اختراق للمنصات الدولية، وتشويه ممنهج لرموز الجيش والحكومة الشرعية.
الهدف هو تفكيك الثقة الشعبية، كسر الروح الوطنية، وتحويل الشعب إلى كتلة مشككة وعاجزة — حرب نفسية ناعمة لا تقل فتكًا عن السلاح.

*ما وراء العدوان: مخطط نظام أبو ظبي يتجاوز حدود السودان*
ما يقوم به نظام أبو ظبي تجاه السودان ليس وليد لحظة، ولا رد فعل عشوائي، بل هو مشروع عدواني منهجي يرتكز على اعتبارات استراتيجية وأيديولوجية عميقة:
1. السودان تهديد لنموذج الهيمنة: السودان دولة كبيرة، غنية بالموارد، ذات موقع استراتيجي على البحر الأحمر، وجيش وطني رافض للوصاية . يمثل نقيضًا مباشرًا للنموذج الإماراتي: دول مُفككة، خاضعة لسلطة المال والمليشيات.
2. تنفيذ أجندة إسرائيلية–غربية: منذ عهد بن غوريون، وُضعت خطط لتفتيت السودان كعمق استراتيجي لمصر والحركات القومية. نظام أبو ظبي يلعب اليوم دور “المقاول الإقليمي” مقابل الحماية والدعم السياسي في المحافل الدولية.
3. هوس السيطرة الرمزية: رغم ضآلة حجمها، تسعى أبو ظبي للظهور كإمبراطورية وظيفية تُقرّر مصير المنطقة دون أي شرعية ثقافية أو فكرية حقيقية. ولهذا تسلّح الإعلام، تشتري النفوذ، وتبني شبكة من “العملاء المحليين” في الدول المستهدفة.
4. السودان مختبر حي للحرب الهجينة: تُطبّق على أرضه أدوات الجيل الرابع والخامس: الميليشيا بدل الجيش، الرواية بدل الحقيقة، التحريض بدل القصف، والضغط الإعلامي بدل المعركة النظامية.
5. تهديد لاحتكار أبو ظبي لأفريقيا: إذا خرج السودان من أزمته بوحدة ومشروع مستقل، فسيصبح نقطة جذب إقليمي تهدد هيمنة نظام أبو ظبي على بوابة القارة.
6. الخوف من الإلهام: السودان، إن نجا، فسيلهم. سيلهم اليمنيين، الليبيين، الجزائريين، وحتى الإماراتيين أنفسهم. ولهذا يُحارَب، لا فقط بالسلاح، بل بالتشويه والحصار والخيانة بلكنة محلّية.

*وختامًا*،
فإن السودان لا يُهاجَم بالسلاح فقط، بل بالمعنى.
تُستهدف الدولة في جسدها وذاكرتها معًا.
الجيل الرابع يمزّق الأرض، والجيل الخامس يمزّق الإدراك.
والمخطّط واحد: نظام أبو ظبي.
ليست حربًا أهلية، بل معركة استعمارية هجينة تُدار بمنتهى الدقة.
السودان هو أول من واجه هذا المشروع… ولهذا يُستهدف، وتُستخدم ضده كل الأدوات التي لا تُسمّى حربًا، لكنها تسقط دولًا.