هل انتقلت معركة التحرير بعد الصالحة والدبيبات إلى كردفان؟ هرولت قيادات المليشيا إلى نيالا بحثاً عن طوق نجاة مستحيل..

حديث السبت

بقلم: يوسف عبد المنان

هل انتقلت معركة التحرير بعد الصالحة والدبيبات إلى كردفان؟

هرولت قيادات المليشيا إلى نيالا بحثاً عن طوق نجاة مستحيل..

أمريكا تعيد دورها الخبيث في تأجيج الصراع بالسودان

شكّلت معركة الصالحة منعطفاً هاماً في مسار العمليات العسكرية..

تاريخ جمعة المُخزي شمل الهمبتة، وتجارة السعف، وحطب دخان النساء..

 

(1)
بعد الهزيمة المرة التي منيت بها قوات الدعم السريع في منطقة الصالحة وخروجها النهائي من أم درمان، خرجت هذه القوات تجرجر ثوب الهزيمة، وخَلَت العاصمة الوطنية من أي وجود للمليشيات. شكّلت معركة الصالحة منعطفاً هاماً في مسار العمليات العسكرية، بإعلان تحرير الخرطوم. وبعد خسائرها في معارك الجزيرة والخرطوم، دفعت المليشيا بأحد أكثر قادتها دموية، عبد الرحمن جمعة، الذي ارتكب فظائع وجرائم ضد الإنسانية في غرب دارفور، وأشرف على عمليات تطهير عرقي هناك.

جمعة، الذي يُقال إن نصفه من جنوب السودان ونصفه الآخر من عرب الرزيقات بالضعين، فشلت كل محاولات محو أميته الأبجدية والحضارية. ورغم ترقيه في الرتب العسكرية، ظلت قيمته الإنسانية تتدهور مع كل جريمة قتل ارتكبها. نشأ في بيئة اجتماعية مهمشة، وظلت عقدة العروبة تلازمه، إذ لا يُعرف لأمه قبيلة، فقد خُطفت من شمال بحر الغزال في غارات مليشيا “أم باغه” والمراحيل، وجاء بها والده كجارية، فأنجب منها جمعة، الذي تشابهت حياته مع شخصية “بركة” في رواية طائر الشؤم للدكتور فرانسيس دينق مجوك؛ وهو برلماني عن حزب الأمة، متطرف في عروبته، يكره الجنوبيين، بينما والدته جنوبية ووالده من المسيرية.

تاريخ جمعة المُخزي شمل ممارسة الهمبتة، وتجارة السعف، والشرقانيات، وحطب دخان النساء، وكان من عتاة المجرمين. وظن عبد الرحيم دقلو أن جمعة، بدمويته، يمكنه إنقاذ الجنجويد، لكنه أغرقها في دوامة الفشل، ثم هرب، تاركاً بقال غاضباً على المليشيا التي لم تهتم به عند هروبها من الصالحة، فتركتْه يلعق جراح الفشل وحيداً.

(2)
من الصالحة التي خسرتها المليشيا كآخر معقل لها، وقبل أن تلتقط أنفاسها، جاءت صبيحة الجمعة 23 مايو، ودرجة الحرارة تلامس الخمسين، بحشد أكثر من خمسين عربة مسلحة، وعربات مدرعة، بقيادة حسين برشم، وماكن الصادق، وموسى أُغيبِش – اللص الذي رفعته المليشيا من همباتي إلى قائد عسكري، وهو من زوّج شقيقته للهالك شيريا.

لكنها واجهت في الدبيبات جيشاً يقوده الفارس حسن يونس البلاع، الذي خطط لمعركة فاصلة خسرت فيها المليشيا كل قوتها المعدّة لعملية متحرك الصياد. وبتخطيط عسكري محكم وشجاعة القوات المسلحة والمشتركة، التي يمثل فيها مكون العدل والمساواة الفصيل الأكبر، إلى جانب المجاهدين الصادقين، دارت معركة الدبيبات منذ ليلة الخميس، وهلك فيها القائد الشهير بالحلبي، ونجا المدعو صليب الديك بأعجوبة من الطيران، بينما قتل أكثر من أربعين عنصراً من المليشيا.

هرب حسين برشم، تاركاً سيارته ومقتنياته، ودخلت قوات متحرك الصياد الدبيبات من كل الجهات. وبعد معارك ضارية، تمت السيطرة على واحدة من أهم المناطق التي تربط غرب كردفان وشرق دارفور (الضعين)، وجبال النوبة، وشمال كردفان. فالدبيبات تقع على بعد 100 كلم جنوب غرب الأبيض، و56 كلم عن الدلنج، وهي محطة مهمة في سكة حديد الخرطوم–نيالا.

ويمتد الطريق الأسفلتي منها إلى أبو زبد والفولة بطول 183 كلم، وإلى كادوقلي بطول 187 كلم، وهو من أقدم الطرق، افتتحه الرئيس نميري في 1974. تاريخياً، كانت من معاقل حزب الأمة، وأنجبت أعلاماً كالتجاني حسن الأمين، وإبراهيم نورين، وعبد الله حمدوك، وعبد الله النور، ومنفل النور، وعبد القادر سالم، وخالد شرف الدين، ومنفل بخيت النور.

الدبيبات مركز ثقل لقبيلة الحوازمة التي كانت متسامحة، متحالفة مع قبائل كنانة، والتكارير، والبرنو، والبرقو، وبني حسن، وخزام، والمعاليا، والبديرية، قبل أن تمزقها المليشيا، وتحيل حياة السكان إلى جحيم بالقتل والسحل والنهب. فقد قتل المئات ظلماً، وتعرض التجار والرعاة والمزارعون والجنود والموظفون للابتزاز، والإرغام على دفع فدية من بطش شيريا وأعوانه.

مرحلة ما بعد التحرير ستشهد ملاحقة المتعاونين مع المليشيا، وغالبيتهم من بعض عناصر الأحزاب، وحتى المؤتمر الوطني. ويفتح تحرير الدبيبات الطريق إلى الفولة، وأبو زبد، والضعين، والأهم فك الحصار عن جبال النوبة، التي تعرضت للتجويع والعزل بسبب عنصرية المليشيا وبغضها لمن يرفض مشروعها أو لا يندمج في دولة “العطاوة”، التي يروّج لها للأسف بعض أساتذة الجامعات من أبناء المنطقة. أما الآن، فبتحرير الدبيبات، ستعود جبال النوبة للتعافي، وسيمتد التواصل بين الدلنج والخرطوم، في انتصار كبير للوطن.

(3)
عادت الولايات المتحدة لممارسة دورها القديم في دعم المليشيا إعلامياً وسياسياً ودبلوماسياً، تماماً كما دعمت من قبل الحركة الشعبية منذ ثمانينيات القرن الماضي وحتى توقيع اتفاقية السلام عام 2005. وظلت تفرض العقوبات على الحكومة السودانية تارة بعد تارة.
واليوم، وبعد أن اقتربت القوات المسلحة من تحقيق انتصار حاسم، خرجت واشنطن بمزاعم استخدام الجيش لأسلحة كيميائية، محاولة لإدانة الحكومة وتبرير هزيمة الدعم السريع. كان الأجدر بالحكومة السودانية أن تمضي قدماً في تطوير علاقاتها مع الدول الشرقية – روسيا، تركيا، إيران – وتوقيع اتفاقيات استراتيجية معها، بما فيها قواعد بحرية في البحر الأحمر. فقد انقطع الأمل في دعم الغرب، والولايات المتحدة لن ترضى عن السودان مهما قدم من تنازلات.

(4)
تشهد مدينة نيالا هذه الأيام تدفق مئات من عناصر التمرد والمليشيا، هاربين من واقع الهزيمة الذي حلّ بمناطقهم. وإذا كان ناظر الحوازمة، الهادي أسوسة، قد غادر مبكراً إلى نيالا برفقة جميع عمد محلية القوز، باستثناء أربعة أو خمسة، فإن بعض أئمة المساجد المتماهين مع التمرد أيضاً توجهوا إلى “حج نيالا”، بدلاً من حج بيت الله الحرام في الأراضي المقدسة.