الوباء يضرب العاصمة المثلثة في ظل انهيار صحي شامل الكوليرا بالخرطوم.. إصابات متفاقمة وبيئة موبوءة

الوباء يضرب العاصمة المثلثة في ظل انهيار صحي شامل

الكوليرا بالخرطوم.. إصابات متفاقمة وبيئة موبوءة

تفشي مقلق في الخرطوم مع تسجيل أكثر من 2500 حالة

500 إصابة جديدة في يوم واحد بالعاصمة في21 مايو…

منظمة “أطباء بلا حدود” تدير 7 من أصل 13 وحدة علاج في الخرطوم

وفيات الوباء ترتفع إلى 51 حالة وفقا لوزارة الصحة…

مستشفى النو يسجل 521 حالة إصابة و9 وفيات في يوم واحد

معدل الإصابات الأسبوعي يتراوح بين 600 إلى 700 حالة

8مراكز جديدة لعلاج الكوليرا افتتحتها وزارة الصحة بالخرطوم

تقرير : رحمة عبدالمنعم

تشهد ولاية الخرطوم موجة جديدة وخطيرة من تفشي وباء الكوليرا، وسط انهيار شبه كامل للنظام الصحي وتدهور مريع في البنية التحتية، نتيجة الحرب الدائرة في البلاد منذ أكثر من عامين، وفي ظل بيئة ملوثة، وخدمات طبية شحيحة، وغياب الكهرباء والمياه النقية، يجد المواطنون أنفسهم في مواجهة وباء قاتل بإمكانات شبه منعدمة.

تصاعد الإصابات
وأعلنت منظمة أطباء بلا حدود عن تسجيل أكثر من 2500 حالة يُشتبه بإصابتها بالكوليرا في الخرطوم منذ مطلع مايو الجاري، محذرة من انتشار واسع للوباء ،ووصفت المنظمة في بيان رسمي تصاعد الحالات بـ”الحاد”، بعدما تم تسجيل 500 حالة جديدة في يوم واحد فقط بتاريخ 21 مايو، مما استدعى إعلان حالة الطوارئ الصحية.
وأشارت المنظمة إلى أن العاصمة القومية تشهد تصاعداً مقلقاً في الإصابات، خصوصاً في ظل ما وصفته بغياب الجهوزية اللازمة لمواجهة الأوبئة، مضيفةً أنها تعمل بالتنسيق مع وزارة الصحة السودانية لدعم الجهود الوطنية لاحتواء المرض ،وتشغّل المنظمة حالياً مركزين لعلاج الكوليرا في أم درمان، وتوفر دعماً فنّياً ولوجستياً لتوسيع الطاقة الاستيعابية للمراكز الصحية.
و تعاني المستشفيات في العاصمة من نقص حاد في الكوادر والمستلزمات، وغياب الكهرباء والمياه النظيفة،ويبلغ عدد وحدات علاج الكوليرا العاملة حالياً13 وحدة، تدعم أطباء بلا حدود سبعاً منها بهدف ضمان استمرارية تقديم الخدمات الطبية وتوسيع نطاقها حسب الحاجة.
وأطلقت المنظمة الدولية نداءً عاجلًا للجهات المانحة والأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية لتكثيف الدعم لجهود توفير المياه النقية وتحسين الصرف الصحي والنظافة العامة، معتبرةً تلك التدخلات من الأولويات القصوى للحد من انتشار الوباء.

الأزمة الصحية
وتفاقمت الأزمة الصحية مع تعرّض محولات رئيسية في أم درمان لهجمات بطائرات مسيّرة، ما أدى إلى انقطاع واسع في الكهرباء والمياه، وبالتالي تصاعد خطر التلوث وانتشار الأمراض. ودعت أطباء بلا حدود السلطات السودانية إلى تسريع عمليات إعادة التيار الكهربائي وخدمات المياه، خاصة في المناطق الأكثر تضرراً.
وارتفعت حالات الإصابة المؤكدة بالكوليرا في مستشفى النو التعليمي بأم درمان، إلى أكثر من 521 حالة، حسب إحصاءات شبكة أطباء السودان. وسجل المستشفى وفاة تسع حالات في يوم واحد فقط (الخميس 22 مايو)، ما يؤكد خطورة التسارع في معدل الإصابات.
وأطلقت الشبكة نداءً عاجلًا لوزارة الصحة الاتحادية ووزارة الصحة بالخرطوم لاتخاذ إجراءات فورية، شملت تطهير المناطق العامة، إغلاق الأسواق، منع بيع الطعام في الطرقات، ومنع نقل المياه بوسائل بدائية تفتقر لأدنى الاشتراطات الصحية،كما طالبت بتدخل عاجل من المنظمات الإقليمية والدولية لتوفير المعينات الطبية الضرورية.

خطورة الوضع
من جانبه، أقر وزير الصحة الاتحادي دكتور هيثم محمد إبراهيم بخطورة الوضع، موضحاً أن الزيادة في حالات الكوليرا جاءت نتيجة متوقعة بعد تحرير ولاية الخرطوم، وعودة المواطنين إلى مناطق مثل جبل أولياء والصالحة، حيث تدهورت الظروف البيئية وانعدمت المياه الصالحة للشرب.
وأشار الوزير إلى أن المعدل الأسبوعي للإصابات بلغ ما بين 600 إلى 700 حالة خلال الأسابيع الأربعة الأخيرة، وأكد على أن الوزارة بالتنسيق مع حكومة الولاية والمنظمات الدولية افتتحت أكثر من 8 مراكز جديدة لعلاج الكوليرا، بجانب جهود كلورة المياه وتحسين البيئة.
وأكد كذلك أن حملة التطعيم ضد الكوليرا ستنطلق خلال الأيام القادمة في عدد من محليات العاصمة، ما قد يُسهم في كبح معدلات الانتشار.

مبادرات مجتمعية
وفي ظل ضعف الاستجابة الرسمية، لجأ المواطنون إلى حلول محلية ومبادرات طوعية في بعض أحياء أم درمان، فقد أطلق متطوعون في مستشفى النو حملة تحت عنوان “دعونا نكافح وباء الكوليرا”، تهدف إلى رفع الوعي المجتمعي، وتقديم الإرشادات الوقائية، ونقل المرضى إلى المستشفى، بل وتكفين ودفن المتوفين.
ومع تجاوز عدد الوفيات 51 حالة بحسب وزارة الصحة، واستمرار تصاعد منحنى الإصابات، تقف العاصمة السودانية الخرطوم على حافة كارثة صحية كبرى ،ولا تزال الجهود المحلية والدولية دون مستوى التحدي، في وقت تتطلب فيه الأزمة استجابة شاملة وسريعة تشمل تحسين الخدمات، توفير المياه النقية، دعم المرافق الصحية، وتكثيف حملات التوعية والتطعيم.
وفي بلد أنهكته الحرب، تبدو الكوليرا أكثر من مجرد وباء عابر؛ إنها اختبار قاسٍ لقدرة الدولة والمجتمع الدولي على حماية المدنيين في واحدة من أصعب اللحظات التي تمر بها البلاد.