شكرًا جيشنا الباسل… لأنكم آمنتم عندما كفر العالم، وصمدتم حين انهار الجميع..

كبسولة وعي

شكرًا جيشنا الباسل… لأنكم آمنتم عندما كفر العالم، وصمدتم حين انهار الجميع..

“يا بنوت أبشرن خير… نحن الخرتيت القرنو كبير”
*صباح المكي*

القوات المسلحة جبل راسخ لا تهزّه العواصف ولا تُضعفه المؤامرات…

سطرتم ملحمة بمداد العزة. لم تفرّوا، لم تساوموا، لم تنحنوا لمالٍ ولا سلاحٍ

قالوا : السودان انتهى، فحملتم جسده الجريح، وبدأتم ترميم روحه بالدم والتضحية

في زمنٍ تكالبت فيه علينا الأمم، وتآمرت الألسن قبل البنادق، صمدت القوات المسلحة ، كالجبل الراسخ لا تهزّه العواصف ولا تُضعفه المؤامرات. حملتم تراب الوطن، لا كحفنة من أرض، بل كوديعة الأجداد، واحتضنتم الشعب كجزء من أرواحكم. آمنتم بقضيتنا حين كفر بها العالم، ورفعتم راية السودان حين أرادوا طمسها.
لم يكن صمودكم أداءً لواجب عسكري، بل ملحمة تُسطّر بمداد العزة. لم تفرّوا، لم تساوموا، لم تنحنوا لمالٍ ولا سلاحٍ ولا خذلان. حملتم السلاح بإيمان المجاهدين وصبر الأنبياء ويقين العارفين أن النصر عطية من لا يخلف وعده.. في خنادقكم، كتبتم المعنى الحقيقي للوطن، وأعدتم تعريف الرجولة والشرف. وبفضلكم، ظلت الراية مرفوعة، والكرامة مصونة، والأرض عزيزة لا تطؤها أقدام الغزاة.

قالوا: لا أمل، فكنتم أنتم شعلة الأمل في العتمة
قالوا: السودان انتهى، فحملتم جسده الجريح، وبدأتم ترميم روحه بالحب والدم والتضحية.
قالوا ساخرين:”معليش معليش ما عندنا جيش”… فانطلقت أصواتكم كالرعد في السماء تهدر

*نحن الجيش… حراس الكرة*
*أولاد أمحمد وعايلة شول*
*محل أدروبا، أولاد عن جد*
*ودخري الحوبة الما بنخون*

فكنتم جيشًا وشعبًا وأمةً تجلّت في هيئتكم.رأيناكم في الصفوف الأمامية، بين الحصار والقصف، بين الجوع والخذلان، بين زمجرة الرصاص وعويل المدافع، ترنمون: اللهم أنزل سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا، إن الألى قد بغوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا. كنتم بنيانًا مرصوصًا تمسحون الدماء عن وجوهكم، وتنفضون غبار المعركة عن أكتاف رفاقكم، وتهمسون: بإيمان العارفين سننتصر، ولو بعد حين. الليل مهما طال، فلابد من فجرٍ يشرق.

وها هو نصرُ الصابرين يتشكّل، قطعةً قطعة، وفرحةً بعد فرحة، في الخرطوم، في أم درمان، في الجزيرة، في سنار، في كردفان، في النيل الأبيض، في النيل الأزرق، وقريبًا إن شاء الله في دارفور. كل بيت عاد لأصحابه، كل أسير فُكّ قيده، كل عدو اندحر واندثر، كان خلفه جندي منكم ولسانه يلهث: نصر من الله وفتح قريب، لا يطلب جزاءً ولا شكورًا، بل فقط وطنًا لا يُهان، وكرامة لا تُداس ولأنكم كنتم هناك، رُفع الرأس، وعاد الأمل، ونهض السودان من الرماد.

*أبناء الوطن من كل صوب وفي كل خندق*

شكرًا لكل من لبّى نداء الوطن، فخلع ثوب الراحة وارتدى دِرعَ الشهادة. للذين تركوا مكاتبهم وحقولهم، وآثروا رائحة البارود على عطر الأمان للرجال الذين جاءوا من وراء البحار، يحملون في حقائبهم ذكريات الغربة، وفي قلوبهم شوقًا للتراب الذي وُلِدوا منه. لقد أثبتم أن الوطن ليس جغرافيا، بل معنى يسكن القلب، أتيتم منشدين:

*نشق الليل بعيون صاحية*
*ركوب الخيل ورث أجدادنا*
*نهز الأرض نسير ضاحية*
*ونقابل الموت شانك يا بلادنا*

شكرًا لأبناء دارفور، الذين قاتلوا في قلب الخرطوم والجزيرة، وتركوا خلفهم أهلًا محاصرين في الفاشر. شكرًا لمن تسامى فوق الجراح، وارتقى بشرف الواجب فوق راحة الظل. شكرًا لأبطال انطلقوا فورًا للدفاع عن شرف السودان، بلا إذن ولا انتظار، يحملون قلوبهم وسواعدهم وأرواحهم فداءً للوطن.

*الفاشر… لينينغراد السودان*

وإن كانت فاشر السلطان زكريا، شنب الأسد، آداب العاصي، لا تزال تُحاصر، فإنها تبقى لينينغراد السودان، شعلة الصمود ومنارته، وبوابة الغرب التي لن تُفتح إلا على يد الأوفياء. أسود المشتركة، أسود الفلا، ما زالوا هناك، حائط صدٍّ ينزف ولا ينهار. دماؤهم ليست نزيفًا، بل بداية تحرير، صمودهم ليس فقط وعدًا بالعودة، بل هو اليقين بها. شكرًا لكل من جعل من جسده جسرًا للحرية، ولكل من اختار الموت واقفًا على حياة الذل.
رغم حصار الفاشر، ورغم رجس الجنجويد، ستبقى الأرض شامخة، والبوابة الغربية عصيّة على الكسر.

*الحرب التي وحدتنا*

لقد دمّرت الحرب البنية التحتية، وأجبرتنا على النزوح واللجوء، وأثقلت كاهلنا بالخسائر، لكنها — كانت كما العذاب الذي في باطنه الرحمة — وحدتنا كما لم يحدث من قبل. أراد الله، أن يؤلف بين قلوبنا فانهارت جدران العنصرية، وسقطت أوهام المناطقية، وتهاوت خطابات الكراهية. أما الذين لا يزالون ينفخون في رماد التفرقة، فلا يمثلون أحدًا، بل هم مجرد أدوات مأجورة، لا يُسمع صوتها إلا خارج وجدان هذا الشعب.

*الخوي…حين كتب الرجال درسًا في المجد*

*نضرب مدفع، نطعن سونكي*
*نضرب جبخانة مع الهاون*
*نعبر بمظلة، نخوض البحر*
*نهندس دانة، نزيلها كماين*

ما حدث في الخوي ليس مجرد معركة عادية، بل ملحمة تُدرّس، إعادة رسمٍ لخريطة العزة، وصرخة في وجه كل من ظنّ أن السودان سيُركع. رجالنا هناك قاتلوا بأسطورية تليق بتاريخ هذا الشعب. ضباط كلية حربية ما ضباط خلا، جميعهم ارتقوا فوق الرتب والمناصب. “دردقوا” الجنجويد إلى المصيدة كالفئران، حاصروهم كأنهم يُطوّقون جرذان الصحراء، خنقوهم، مزّقوهم كالأعشاب اليابسة، وذبحوهم ذبح الشياه. قاتلوا بسواعد أصلب من الفولاذ، وبإيمان أقسى من الصخر. كانت أسلحتهم الروح قبل الحديد، واليقين قبل الرصاص. ومن هناك، من الخوي، نُعلنها: سننتصر.

*استعدوا جيدًا يا جنجويد، نحن كالقيامة، ذات يوم آت*

سنأتيكم من كل اتجاه
من فوقكم كالصواعق المدوية
ومن تحتكم كالزلازل المدمرة
وعن يمينكم كسيل العرم الجارف
وعن شمالكم كالريح الصرصر العاتية
ومن خلفكم زحفُ شعبٍ لا ينسى ثأره كحمم البركان حين تثور غضبًا
ومن أمامكم بأسٌ من الله لا يُرد، بما اقترفت يداكم حتى تضيق بكم الوسيعة
سندخل الضعين دخول الفاتحين
ونقتحم نيالا اقتحام الأسود
وسنطهّر الجنينة تطهيرًا لا رجعة بعده، ليعود أهلنا المساليت إلى دار أندوكة، مرفوعي الرأس كما كانوا
سنمسح رجسكم من أم دافوق، ونفتح طريق السلام بأقدامنا وسلاحنا ودمائنا.
ولن تبقى لكم فيها موطئ قدم، ولا ظلّ شجرة يجلس تحتها مرياعكم المأفون، ذاك الشيليل الذي اختفى كما يختفي الظل عند الظهيرة. شيليل وينو؟ خطفوا الدودو؟ شيليل وين راح؟ بلعوا التمساح؟

وكما قال القائد مني أركو مناوي: *حين تصل القوات المسلحة وكل القوات المشتركة والداعمة إلى أم كدادة، ستُطهّر الميريامات الفاشر*
إنها الحرب التي لن تُبقي ولن تذر، عليها من الجنجويد ديارا. وهي، بلا أدنى شك، آخر حروب السودان قاطبة إن شاء الله.حرب الكرامة، وخاتمة الحساب

*بعث السودان… من نار الحرب إلى نور النصر*

نكتب إليكم اليوم بقلوب ممتنة، وأقلام تكتب من حبّ لا من حبر.
نكتب باسم أمٍّ عادت إلى بيتها تشم رائحة الأمان، وطفلٍ لم يعد يخاف صفير الرصاص، وبناتٍ يمشين في طرقات الوطن كزهرات الربيع آمنات، بعد أن كنا نخشى عليهن من الخطف والقهر. نكتب باسم راية ما زالت مرفوعة بفضلكم، وباسم وطنٍ ما زال حيًّا لأنكم كنتم قلبه وسياجه. لم تكونوا فقط حماةً، بل كنتم المعنى الحقيقي للوطن.
اليوم، نقف جميعاً ونقول: شكرًا لأنكم كنتم الصخرة في وجه العواصف، شكرًا لأنكم كنتم النور في زمن الظلمات،
شكرًا لأنكم كشفتم للعالم أن السودان أرض العظماء. أعدتم إلينا الإحساس بالأمان، وأثبتم أن القتال لا يُحسم بالسلاح وحده، بل بثبات القلوب وصدق الإيمان. أظهرتم أن الأيادي العارية، حين تتسلّح بالتقوى والوطنية، قادرة على هزيمة أعتى الأسلحة. أعدتم إلينا الأمل، وأعدتم للسودان هيبته.

القوات المسلحة السودانية، لم تعودوا بحاجة لتعريف، فأنتم البرهان الحي فقد نطقت أفعالكم فارتفعت أصواتكم تُعلن:

*نحن جند الله، جند الوطن*
*نحنُ أُسدُ الغابِ، أبناءُ الحروبْ، لا نهابُ الموتَ، أو نخشى الخطوبْ*
*نحفظُ السودانَ في هذي القلوبْ، نفديهِ من شمالٍ ومن جنوبْ*
*نبذلُ الدماءَ، نفدي الحِمى، نرفعُ العَلَمَ*
*بالكفاحِ المُرّ، والعزمِ المتينْ، وقلوبٍ من حديدٍ لا تَلينْ*
*نهزمُ الشرَّ، ونُجلي الغاصبينْ، كنُسورِ الجوِّ، وأُسْدِ العَرينْ*
*ندفعُ الرَّدى، نصدُّ من عَدا، ونردُّ من ظَلمَ*

شكرًا لكم لأنكم السور الذي لم يُهدم، والضمير الذي لم يُشترَ، والنخوة التي لم تُفرّط،
شكرًا لمن آمن بالنصر حين فقده الجميع،
شكرًا لمن لم يترك الأرض، ولم يبع الشعب، ولم يسلّم الراية.شكرًا لأنكم أنتم الجيش السوداني، حماة الأرض والعرض والكرامة،
وشكرًا لكل من سار معكم في هذا الدرب.

*هذا عهدُنا… أنتم ونحن صفًّا واحدًا لا ننكسر*

وختامًا، القوات المسلحة السودانية ليست فقط من تمثلني، بل هي أنا، وأنا هي:

*رجولة، وطيبة، وهدى، وإحسان*
*كرم، وأصالة، وتقوى، ودين*
*شجاعة بسالة في جوف إنسان*
*حافظين شرع الله، والله معين*

هذا عهدُنا، وعليكم أن تفهموه. سنظل نحن الشعب أوفياء لهذا التراب، وأنتم السيف والدرع، نحميكم كما تحمونّا، ونقف معكم كما وقفتم من أجلنا. أنتم مجدنا الذي لا يُشترى، وكرامتنا التي لا تُهان. فابقوا كما عرفناكم: لا تبيعون، لا تفرّطون، لا تنكسرون. وإن طال الليل، فأنتم فجْره، وإن اشتدّ الخوف، فأنتم أمانه، وإن تآمر العالم، فأنتم الردُّ عليه.
وعدتمونا بقولكم”*: إن حيينا، إنما نحيا بكمْ، أو نَمُت، فالفخرُ والمجدُ لكمْ”*
وهذا عهدُنا لكم، فاثبتوا على وعدكم لنا، كما عهدناكم.
رحم الله شهداءنا، وشفا جرحانا، وردّ أسرانا سالمين
عاش السودان حرًا أبيًا.

“وبل بس، خلي الرهيفة تنقد، والزارعنا غير الله، اللي يجي يقلعنا”
bitalmakki@gmail.com