حاجب الدهشة علم الدين عمر د.كامل إدريس..أعقلها وتوكل فلا نملك ترف الوقت!!!!

حاجب الدهشة
علم الدين عمر
د.كامل إدريس..أعقلها وتوكل فلا نملك ترف الوقت!!!!

يُقال والعهدة علي الراوي أن شيخ العرب ود أبسن كان يقدم بين يدي قراراته الكبيرة مقولة أن “الناس لو قدمت ليهم اللبن الصافي قالوا ما فيهو دسم..ولو قدمت ليهم الدسم قالوا تقيل..ولو وريتهم الموية قالوا ما بتشرب!”
حال الوجدان السوداني في أزمنته المتقلبة..حيث تتبدل المواقف.. ويتنازع الناس بين الرغبة في التغيير والخوف من نتائجه.. إنتقاد كل مقترح دون تقديم بديل واقعي..
وفي ظل هذا المزاج العام المرتبك.. يقترب السودان من لحظة مفصلية مع توقع إعلان حكومة إنتقالية جديدة برئاسة الدكتور كامل إدريس الرجل الذي تجاوز الشهر في التمحيص و(المسايسة) وسط حالة من الترقب الحذر.. وصراع صامت بين من ينتظرون أسترداد الدولة.. ومن يسعون إلى تأبيد الفراغ.
خلال الأيام الأخيرة كثّف رئيس الوزراء مشاوراته الداخلية والخارجية مع أطراف سياسية ومجتمعية.. سعياً لتشكيل حكومة ذات طابع وطني عريض..على الرغم من ضيق المواعين السياسية وتعقيد المشهد وتشظي القوى المدنية..وسطوة الأضابير والإتفاقات والرؤي ..ومع كل تقدم في المسار التنفيذي.. تعلو أصوات الإعتراض..وتتعدد إشتراطات التمثيل.. وكأن البلاد تملك ترف الزمن أو رفاهية الإختبار والإنتظار..
إنه امن الواجب – بل من الضرورة السياسية والأخلاقية – أن يتوافق السودانيون على دعم هذه الخطوة.. بغض النظر عن تحفظاتهم على بعض شخوصها أو إتجاهاتها..فليس هناك وقت لمزيد من التأخير ..والمشاورات – وإن كانت مطلوبة – لا يمكن أن تسع الجميع في واقع مملوء بالتعقيدات.. ضيق المسارات.. مفتوح على الحروب والمؤامرات وخذلان الأصدقاء.
تشكيل الحكومة يعني بداية إستعادة السودان لوضعيته الإقليمية والدولية.. وعودته إلى الاتحاد الأفريقي والمنظمات المعنية بالشأن الإقليمي وقطع الطريق أمام محاولات مليشيا الدعم السريع وشركائها للمتاجرة بتمثيل السودان زوراً.. كما أنه يشكل خطوة أولى في أستعادة سيادة الدولة وقدرتها على التحرك.. وإثبات أهلية الداخل لقيادة عملية الانتقال..دون الحاجة لوصاية خارجية أو مقايضات مشبوهة.
لا يمكن لأي طرف سياسي – مدني كان أو مسلح – أن يزعم إحتكار الحق في تمثيل الشعب أو قيادة المرحلة..والتكليف الذي أُسند لكامل إدريس ليس طوق نجاة فردي..بل هو أجتهاد سياسي في ظرف شديد التعقيد.. يتطلب التنازل من أجل المصلحة العامة لا التنافس على الغنيمة المتوهمة علي أنقاض الحرب والدمار.
في المقابل فإن المشهد محاط بأعداء متنكرين في هيئة أصدقاء.. يتقنون صناعة الأزمات وتغذية الشكوك.. ويقفون دائماً على عتبات اللحظة الحاسمة في أنتظار التعثر ..وما من تعثر أكبر من عدم قدرة الدولة علي أتخاذ قرار الإنهاء العاجل ..العاصف ..الكبير لحالة الفراغ خوفاً من صياح الثكالي علي عتبات السلطة أو مظاليم الهوي من الذين تقطعت بهم سُبل السياسة ..وقد أثبتت التجربة أن أنتظار التوافق الكامل.. أو حسابات الإصطفاف الصغير.. لن تجدي ولن تفضي إلا إلى مزيد من التآكل والشلل.
إن التحدي الذي يواجه الحكومة القادمة لا يكمن فقط في تركيبة أعضائها.. بل في قدرتها على التحرك وسط شبكة من المصالح المتعارضة .. وتفكيك دوائر الفساد وبؤر تجارة الأزمات والمواقف المتناسلة وخلق مسار جاد لإستعادة الدولة وإنهاء الحرب وفتح الباب لسلام عادل ودائم.
لقد آن أوان المكاشفة.. لا مجال لمزيد من التجريب..ولا مساحة للترف السياسي.. إما أن تخرج الدولة من عنق الزجاجة..ويقتنص الفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش بتفويضه الشعبي المطلق والدكتور كامل إدريس بهذا البراح المتسع من الأماني والثقة هذه السانحة التاريخية أو تسقط في هاوية التلخيص المخل لأزماتنا التاريخية المستمرة..
إنها لحظة إختبار حقيقية لإرادة الفعل..ولا سبيل غير التوافق علي ما يُطرح والصبر علي فترة الإنتقال وترميم جراحات الحرب .