(الكرامة) ترصد أرقاماً صادمة وشهادات حية عن تمددها في البلاد

المخدرات في السودان ..التحديات و”مؤامرة الجنجويد”

كيف تحوّل السودان إلى ممر ومصنع للمخدرات؟!!

تحذيرات رسمية من تفشي المخدرات وسط شباب (القضارف)

ضبط 23 ألف “حبة نيرفاكس” داخل مدينة كوستي

مصادرة 486 كيلوغراماً من الحشيش و105 كيلوغرامات من الكوكايين في البحر الأحمر

أكبر مصانع الكبتاغون في إفريقيا تم ضبطه في فبراير الماضي ببحري

مصنع ينتج 100 ألف حبة في الساعة.. والخام يكفي لتصنيع 700 مليون حبة كبتاغون

حملات تفتيشية دقيقة بالعاصمة تكشف عن مصانع كانت يديرها الجنجويد

جهود مكافحة المخدرات تواجه تحديات أمنية وجغرافية

المليشيا تستخدم المخدرات لتحفيز عناصرها وتمويل معاركها

ناشطون يطالبون بحملات توعية في المدارس والجامعات والأحياء

المجتمع المدني يشدد على إشراك الأسر ومراكز الشباب في جهود الردع

تقرير :رحمة عبدالمنعم
في ظل أوضاع معقدة يعيشها السودان منذ أكثر من عامين بسبب الحرب، تبرز المخدرات كأحد أخطر التحديات التي تهدد المجتمع وتستهدف شريحة الشباب بشكل خاص، في ظل تصاعد معدلات التعاطي والاتجار، وتزايد أنشطة شبكات التهريب والترويج ،فقد تحولت الظاهرة من خطر صحي واجتماعي إلى تهديد مباشر للأمن القومي، مع رصد وتوثيق حالات تصنيع وتوزيع واسعة النطاق، تورطت فيها مليشيا الدعم السريع وأطراف اخرى، وبين جهود الأجهزة الأمنية لمكافحة الظاهرة، وتحذيرات التربويين والناشطين من آثارها النفسية والسلوكية، يتجدد السؤال حول مدى قدرة السودان على خوض معركة شاملة ضد واحدة من أخطر أدوات التدمير المجتمعي المنظم.

أرقام صادمة
وسط تصاعد التحذيرات الأمنية والمجتمعية من خطر تعاطي المخدرات، كشفت سلطات ولاية القضارف عن أرقام صادمة تعكس عمق الأزمة التي يواجهها السودان في هذا الصدد، حيث أعلن اللواء عصام الدين محجوب، مدير شرطة الولاية،خلال مخاطبته تدشين برنامج محاربة الظواهر السالبة،أن نسبة كبيرة من شباب الولاية يتعاطون موادا مخدرة،موضحاً ان حملة واحدة فقط أسفرت عن القبض على(11) شابا متعاطيا في وقت واحد ، وهو ما أثار حالة من الجدل الواسع في الأوساط الشعبية والإعلامية..
وأشار محجوب إلى أن القضارف تُعد من أكثر الولايات تأثراً بهذه الظاهرة المقلقة، حيث تنتشر مواد مثل “الآيس” و”الشاشمندي” و”البنقو” بشكل واسع.
وطالب ناشطون وممثلون عن المجتمع المدني السلطات باتخاذ خطوات عاجلة لمكافحة الظاهرة، بما في ذلك حملات أمنية ضد شبكات التهريب والتوزيع، وبرامج توعية وتثقيف مستهدفة داخل المدارس والجامعات والأحياء السكنية، وأكدوا على ضرورة تعزيز دور مؤسسات الرعاية والتأهيل النفسي للحد من انتشار المخدرات.
ورأى تربويون أن الخطر لا يقتصر فقط على الجانب الأمني، بل يمتد إلى انهيار سلوك الأجيال القادمة وتفشي العنف والاضطرابات النفسية، داعين إلى إشراك الأسر ومراكز الشباب في جهود التوعية والردع

حملات أمنية
وعقب تحرير العاصمة الخرطوم من دنس مليشيا الدعم السريع، شنت القوات النظامية، وعلى رأسها قوات جهاز المخابرات العامة وشرطة مكافحة المخدرات، حملات واسعة استهدفت أوكار التصنيع والتخزين وشبكات النقل والتوزيع، وأسفرت تلك العمليات عن ضبط مصانع نشطة لإنتاج المخدرات، كانت تديرها عناصر تابعة لمليشيا الجنجويد داخل الأحياء السكنية ومناطق صناعية في العاصمة.
وفي هذا السياق، أصدر جهاز المخابرات العامة بياناً صحفياً ، جاء فيه ،إن أحد أكبر مصانع الكبتاغون في إفريقيا تم ضبطه في فبراير الماضي بمدينة بحري، شمال الخرطوم، وأضاف : المصنع كان يُخفي في مبنى تحت التشييد، وتصل طاقته الإنتاجية إلى 100 ألف حبة في الساعة، مع توفر مواد خام تكفي لإنتاج نحو 700 مليون حبة كبتاغون، بقيمة سوقية تقدر بثلاثة ملايين دولار.
وبحسب جهاز المخابرات العامة، فإن المصنع مملوك لمليشيا الدعم السريع، التي استخدمت منتجاته في تحفيز عناصرها على القتال وترويجها لتمويل أنشطتها، إلى جانب تهريب كميات منها إلى دول الجوار.

عمليات التهريب
في وقت سابق، تمكنت قوات مكافحة التهريب بولاية البحر الأحمر من إحباط واحدة من أكبر عمليات تهريب المخدرات في البلاد، شملت كميات ضخمة من الكوكايين والحشيش والآيس، إلى جانب أسلحة نارية. وتم وصف العملية من قبل وزارة الداخلية بأنها “إنجاز أمني نوعي” بالنظر إلى التحديات التي تواجهها الدولة في ظل ظروف الحرب والانفلات الحدودي.
كما شهدت مدينة كوستي بولاية النيل الأبيض، مؤخراً، عملية نوعية تمكنت خلالها إدارة مكافحة المخدرات من ضبط 23 ألف حبة نيرفاكس، وهي عقاقير طبية تخضع للرقابة وتُستخدم بطريقة غير مشروعة.
ويُعتبر السودان من أكبر منتجي القنب الهندي المعروف محلياً بـ(البنقو)، والذي يُزرع بكثافة في مناطق دارفور وكردفان والنيل الأزرق. وتُعد محمية الردوم في جنوب غرب دارفور من أبرز مواقع زراعته، بمساحات قدرت بنحو 13 ألف كيلومتر مربع، ما يجعل جهود المكافحة في هذه المناطق تواجه تحديات جغرافية وأمنية معقدة، بحسب تقارير من وزارة الداخلية.

أبعاد اجتماعية
ويرى الدكتور عبد الرحمن فضل، أستاذ علم الاجتماع بالجامعات السودانية، أن انتشار المخدرات بهذا الشكل الخطير يعكس هشاشة البيئة الاجتماعية وتفكك شبكات الحماية التقليدية.
وقال فضل في حديثه لـ”الكرامة” إن الحرب وتفشي البطالة والنزوح عوامل ساهمت في خلق فراغ نفسي واجتماعي جعل من الشباب هدفاً سهلاً لشبكات التهريب والترويج،وأوضح أن الآثار لا تقتصر على التدهور الصحي، بل تمتد إلى تفشي الجريمة والعنف والانهيار الأخلاقي، مضيفاً أن المعالجة يجب أن تكون شاملة وتبدأ من الأسرة والمدرسة، ولا تقتصر فقط على الجوانب الأمنية.

تكامل الأدوار
من جانبه ، طالب الناشط الحقوقي الطيب عبدون الحكومة الانتقالية والمجتمع الدولي بتوفير الدعم لبرامج إعادة التأهيل النفسي والاجتماعي، وأوضح لـ”الكرامة”،أن المخدرات باتت تستخدم كسلاح من قبل جهات تخريبية تهدف إلى تدمير الشباب السوداني، ما يجعل مواجهتها قضية سيادية من الطراز الأول.
ودعا عبدون إلى إشراك منظمات المجتمع المدني، ومراكز الشباب، ورجال الدين، في جهود التوعية المجتمعية، مشدداً على أن المعركة ضد المخدرات “ليست مسؤولية الأجهزة النظامية وحدها، بل هي معركة بقاء وطن..حد قوله
وفي ظل المعطيات الحالية، يبدو أن السودان يخوض حرباً موازية ضد آفة المخدرات التي تغلغلت في مفاصل المجتمع، وارتبطت بجرائم الحرب وتمويل المليشيات، وبينما تستمر الأجهزة النظامية في ملاحقة الشبكات الإجرامية، فإن الحاجة تبقى ملحة لبناء استراتيجية وطنية متكاملة، تجمع بين الردع والتوعية والعلاج، حماية للأجيال القادمة وصوناً لما تبقى من النسيج المجتمعي السوداني.