تنطلق الامتحانات في 29 يونيو الجاري ..
الشهادة السودانية ..”إنجاز وسط العاصفة”..
200 ألف طالب يستعدون للامتحانات ب”2,102″ مركزا داخل وخارج البلاد
عودة 3 ولايات رئيسية لامتحانات الشهادة بعد غياب قسري ..
50 مركزاً خارجيا ً و21 ألف طالب سوداني بالمهجر يشاركون يؤدون الامتحانات
غرفة طوارئ عليا للمتابعة بمشاركة الداخلية والتربية والجهات الأمنية
الخرطوم وسنار والجزيرة تعود إلى قاعات الامتحان بعد عامين …
خبير تربوي: الامتحانات انتصار للمدرسة السودانية في وجه العاصفة
تقرير:رحمة عبدالمنعم
في التاسع والعشرين من يونيو الجاري، تدق ساعة الانطلاق لامتحانات الشهادة السودانية المؤجلة للعام 2024، وسط تحديات غير مسبوقة تشهدها البلاد منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، والتي ألقت بظلال كثيفة على مختلف القطاعات الحيوية، وفي مقدمتها قطاع التعليم، ورغم العوائق الأمنية واللوجستية والإنسانية، أكملت وزارة التربية والتعليم ترتيباتها الفنية والإدارية لإجراء الامتحانات في موعدها، في مشهد يوصف على نطاق واسع بأنه “تعبير حي عن صمود الإرادة الوطنية وتماسك المنظومة التعليمية”.
أرقام وحقائق
وبحسب ما أعلنه وكيل وزارة التربية والتعليم امس الأحد، الدكتور أحمد خليفة عمر، فإن عدد الطلاب المسجلين للجلوس للامتحانات بلغ (200,009) طالبًا وطالبة، بينهم (21,226) طالبًا وطالبة بالخارج، موزعين على (2,102) مركزًا داخل وخارج السودان، من بينها (50) مركزًا خارج البلاد.
وأكد خليفة أن أوراق الامتحانات وصلت إلى جميع المراكز المعتمدة داخل السودان وخارجه، مشيراً إلى أن الوزارة تجاوزت تحديات جسيمة بفضل التنسيق المحكم والدعم المتواصل من الجهات ذات الصلة، وفي مقدمتها الأجهزة الأمنية، ووزارات الحكم المحلي والخارجية والمالية”.
ومن أبرز ملامح امتحانات هذا العام هي عودة ثلاث ولايات رئيسية إلى خارطة الامتحانات، هي: الخرطوم، والجزيرة، وسنار، بعد أن حالت الظروف الأمنية دون مشاركة أعداد كبيرة من طلابها في الدورة السابقة،وقال وكيل الوزارة إن هذه العودة تمثل نقطة تحول مهمة في مسار استعادة الحياة التعليمية في مناطق كانت قد خرجت مؤقتًا من الخدمة بسبب ما وصفه بـ’انتهاكات المليشيا المتمردة'”،التي تسببت في تعطيل العملية التعليمية في عدد من الولايات.
غرفة طوارئ
وفي سياق متصل، ترأس الفريق أول شرطة خالد حسان، وزير الداخلية المكلف، اجتماع غرفة طوارئ امتحانات الشهادة السودانية، بحضور وكيلي وزارتي التربية والتعليم والحكم المحلي، وممثلين عن القوات النظامية وجهات خدمية أخرى..
وأكد الاجتماع الجاهزية الكاملة لتأمين الامتحانات ومراكزها، ونقل أوراق الامتحانات بسرية تامة، وضمان انسياب العملية دون خروقات، مع مراعاة الأوضاع الإنسانية في المناطق المتأثرة بالنزاع.
أعظم الإنجازات
وفي حديثه لـ”الكرامة”، قال الخبير التربوي المتخصص في قضايا التعليم، الدكتور مصطفى عبدالباقي، إن إجراء امتحانات الشهادة السودانية هذا العام يمثل أحد أعظم الإنجازات الوطنية منذ بداية الحرب، مشيراً إلى أن استمرار العملية التعليمية، رغم الظروف القاسية، هو بمثابة رد عملي على محاولات تمزيق النسيج المؤسسي للبلاد.
وأضاف عبدالباقي: الذين ينظرون إلى هذه الخطوة من زاوية رقمية فقط، لا يرون حجم الجهد الجبار الذي بذلته لجان الامتحانات، والمعلمون، والمشرفون، وحتى الأسر، في سبيل إيصال الطالب إلى قاعة الامتحان. إنها ملحمة تربوية مكتملة الأركان.
وأكد أن عودة عدد كبير من الطلاب في الداخل، إلى جانب مشاركة طلاب الخارج، يمثل مؤشراً إيجابياً لاستعادة التوازن التدريجي للعملية التعليمية.
جدير بالذكر أن الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 بين القوات المسلحة ومليشيا الدعم السريع، أدت إلى انهيار شبه كلي في البنية التحتية التعليمية، خاصة في الخرطوم ووسط البلاد.
وتوقفت الدراسة في معظم المدارس الحكومية والخاصة، فيما لجأت بعض الأسر إلى الهجرة أو النزوح، مما خلف فراغاً تربوياً كبيراً وهدد مستقبل آلاف الطلاب.
وعلى مدى العام الماضي، واجهت وزارة التربية والتعليم تحديات جمّة، من بينها شح الإمكانيات، وصعوبة الوصول إلى الطلاب، وتوقف الطباعة المركزية للكتب، وانهيار بعض المدارس وتحولها إلى مراكز إيواء أو ساحات حرب.
بيان وطني
وفي ظل هذا الواقع، تبدو امتحانات الشهادة السودانية هذا العام أشبه بـ”بيان وطني مصحوب بالفعل”، يحمل رسالة أمل ورفض للاستسلام، ويرسّخ قناعة بأن المعرفة لا تموت في زمن الحرب، بل تُولد من رحمها أكثر قوة.
فمن قاعات الامتحان الموزعة بين مخيمات النزوح ومدارس الصفيح ومقار السفارات، يُعيد الطالب السوداني كتابة اسمه في سجل الأمم الساعية للعلم، ويثبت أن القلم لا يسقط، حتى وإن سقطت جدران المدارس.
وفي الأيام المقبلة، سيجلس أكثر من مئتي ألف طالب وطالبة لامتحانات الشهادة السودانية المؤجلة، وسط آمال كبيرة بأن تكون هذه الدورة بداية مرحلة جديدة، تُستعاد فيها هيبة المؤسسات التعليمية، وتُرسّخ فيها قيمة الصمود في سبيل العلم، من أجل بناء وطنٍ يحلم الجميع بأن ينهض من تحت الركام.