مهام علي سطح صفيح ساخن …
الخارجية السودانية .. الملفات الأكثر تعقيداً…
إختراقات كبيرة وإنتصارات دبلوماسية أذهلت المراقبين…
الوزير علي يوسف: ماضون في معركتنا ولن تلين لنا عزيمة..
أسامة عبدالماجد: تواصل (حميدتي) مع الخارج منفرداً خلق جسما مواز للخارجية…
الكرامة : علم الدين عمر
.. علي سطح صفيح ساخن من الأحداث منذ تمرد مليشيا الدعم السريع منتصف أبريل من العام 2023م، ظلت وزارة الخارجية السودانية تقاتل علي جبهات مفتوحة -وتأرجح أدائها بين النجاح والفشل – الإختراق والأخفاق.. فقد كانت وزارة الخارجية أبرز محطات التصفية والتعطيل التي أستهدفتها حكومة الدكتور عبدالله حمدوك الأولي والثانية ..فأسندت ملفاتها لوزراء وموظفين عبثوا بإرثها التراكمي في إطار التمهيد لتمكين أحزاب الحرية والتغيير الأربعة إستباقاً للحرب ..
وعقب إجراءات الخامس والعشرين من إكتوبر 2021م ألتزمت الدولة بترفيع وكيل الوزارة السفير علي الصادق وزيراً مكلفاً من داخل الوزارة لتسيير دولاب العمل حتي نشوب الحرب وأستمر الصادق في عمله في ظل إنشغال الدولة بإمتصاص مترتبات الحرب علي الداخل السوداني ..حتي تم إعفائه منتصف العام الماضي وتكليف السفير حسين عوض الذي أُعفي في نوفمبر الماضي وتم تعيين السفير علي يوسف الشريف وزيراً للخارجية ..
تعقيدات ملف العلاقات مع دول الجوار….
منذ أن تسلم السفير علي يوسف منصبه كوزير للخارجية بدأ في التحرك القوي في ملف علاقات السودان مع دول الجوار .. حيث ألتقي قبل العودة للعاصمة الإدارية ببورتسودان بوزير الخارجية المصري وبحث معه سُبل دعم العلاقات الثنائية وتعضيد رؤية مصر الواضحة لدعم مؤسسات الدولة السودانية والتأكيد علي سيادتها ورفض التدخلات الخارجية السالبة في الملف السوداني..
ثم مضي (كما كشف بالأمس خلال لقاء موسع مع عدد من الصحفيين) للتواصل مع وزارات الخارجية بعدد من دول الجوار التي عبرت في مناسبات مختلفة عن دعمها لتمرد مليشيا الدعم السريع نتيجة لعلاقات إقتصادية وإجتماعية ربطتها مع قائد المليشيا في أوقات سابقة كما يقول الكاتب الصحفي رئيس تحرير صحيفة الشعب أسامة عبدالماجد الذي أوضح أن وزارة الخارجية
تعرضت لحزمة من التحديات، كان أبرزها تفرق دم ملفات الوزارة بين عدة جهات في عهد الإنقاذ وأثر ذلك على أدائها وكانت واحدة من إفرازات ذلك تواصل قائد المليشيا محمد حمدان (حميدتي) مع الخارج منفرداً مما خلق له مع مرور الوقت جسم مواز للخارجية قادته افكاره ومموليه لاحقاً للتفكير في الاستيلاء على السلطة…
وقد شكلت دول الجوار الأفريقي في بدايات الحرب ما يشبه الطوق الإقليمي للتدخل المباشر في الشأن السوداني عبر منظمة مكافحة التصحر (إيغاد) التابعة للإتحاد الأفريقي التي حاولت عبر لجنة مختصة برئاسة الرئيس الكيني (وليم روتو) توفير غطاء دبلوماسي لمليشيا الدعم السريع وداعميها من السياسيين السودانيين الذين جعلوا من عواصم هذه الدول منصات لتحشيد الدعم الدولي ضد الدولة السودانية..
وبدأت مسيرة تفكيك هذه المواقف بقوة حيث أعلنت الخارجية السودانية تجميد وجودها في (إيغاد) عقب القمة الطارئة التي عقدتها المنظمة في ديمسبر من العام 2023م ..
ووجدت الخارجية نفسها محاطة بتعقيدات متناسلة في ملف الجوار حيث يقول وزير الخارجية أن تشاد أدخلت نفسها مباشرة في الحرب علي السودان بالوكالة في مشهد مربك جداً للدولة وللمراقبين علي حد السواء ويقول عبدالماجد في ذلك :ظلت الدبلوماسية مجابهة بالتحديات مع تقاطعات السودان بالخارج حيث وصلنا لمرحلة أن نكون بلا حلفاء رغم الحرب التي أحرقت البلاد ، و الدمار الذي حاق بالإنسان السوداني وثروات ومقدرات البلاد..ويمضي أسامة للتأكيد علي أن الوزارة مطالبة بتخلق فريق عمل متجانس وعلى قدر من التوافق يدير الملف الخارجي بعقل منفتح ورؤية جديدة تغلّب المصلحة على العاطفة ، وتقوية العلاقات بتبادل المنافع و أن تسيطر الوزارة على ملفاتها ولا تتركها تغادر اسوار الخارجية..
وقد أشار الوزير علي يوسف لأن الوزارة تعمل في ظروف صعبة جداً ومعقدة وتحاول جهدها العمل علي إختراق يوضح موقف السودان ويستقطب مناصرين له في قضيته العادلة..
ماذا يريد أعداء السودان منه؟!!!
إلي جانب ملف دول الجوار تسعي الخارجية كذلك لإدارة معركتها مع جبهات خارج الحيز الجغرافي الإقليمي وقد نجحت خلال الفترة الماضية في تعطيل التحرك البريطاني لإستصدار قرار من مجلس الأمن ساوي بين القوات المسلحة السودانية ومليشيا الدعم بواسطة (ڤيتو) روسي نادر وكشف يوسف عن إبلاغهم بواسطة دولة صديقة منذ وقت مبكر هذا العام بتحرك بريطانيا مرة أخري للإلتفاف علي القرار السابق بذريعة وجود مجاعة في السودان هذه المرة وسخر الشريف من هذا الإدعاء الذي وصفه بالغريب – قبل أن يؤكد أن الوزارة تحسبت لهذه الخطوة بتنوير عدد من الدول الصديقة الداخلة لمجلس الأمن في هذه الدورة – وأبدي الوزير إستغرابه لصمت كثير من الدول علي ما يجري في السودان..بل وتآمر بعضها ..غير المبرر حد وصفه ..وأستدرك: نحن ماضون في معركتنا ولن تلين لنا عزيمة ولدينا تواصل ممتاز مع دول صديقة داعمة لنا ومتفهمة لموقفنا …
معركة تثبيت الحقائق ودحض الإدعاءات…
وكان وزير الخارجية قد كرر من قبل موقف السودان الثابت والمبدئي في أن الحسم العسكري هو الخيار الحالي لإنهاء الحرب في السودان..ومضي الوزير لضرورة قطع الطريق علي أي تحركات لتشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة التمرد الأمر الذي أثمر فيما يبدو عن رفض دولي وإقليمي واسع لمناقشة هذه الخطوة التي طرحها بعض ناشطي الكتلة الديموقراطية (تقدم) الموالية لمليشيا الدعم السريع وأحدثت خلافات واسعة داخل الكتلة نفسها..إذ شدد يوسف علي أن مثل هذه الدعوات تهدف لتفتيت وتقسيم السودان..معتبراً الأمر مؤامرة جديدة علي السودان تدعمها أطراف خارجية بسبب التقدم الذي تحرزه القوات المسلحة علي الأرض وراهن الوزير علي علاقات السودان الإستراتيجية مع دول كبيرة في المحيط العربي إضافة لقوي دولية مؤثرة علي رأسها روسيا والصين.
وتبقي للخارجية حصد ثمار التنسيق المعلن مع دول صديقة لإسقاط مشروع القرار البريطاني الجديد المستند علي تقرير منظمة مجهولة كما وصفه مستشار حركة العدل والمساواة السودانية الدكتور عبدالعزيز نور عشر والمزمع مناقشته غداً الإثنين إستناداً لمعلومات مضللة عن وجود مجاعة في السودان في معرض البحث عن مخرج لتورط بعض الدول في دعم مليشيا الدعم السريع والإحتفاظ بوجودها وداعميها بطريقة ما في المشهد السوداني..
المسار القانوني ..إطباق الدبلوماسية علي البندقية…
ويعتبر المسار القانوني واحد من أهم أسلحة الخارجية السودانية لإثبات تورط مليشيات الدعم السريع وداعميها في إنتهاك حقوق الإنسان والقتل والتشريد والنهب والإغتصاب حيث أكد الوزير أن السودان قام بكل ما يلزم من إجراءات قانونية أمام المنظمات الدولية وعلي رأسها مجلس الأمن الدولي والإتحاد الأفريقي في سبيل تصنيف المليشيا كجماعة إرهابية تقوم بنفسها بتوثيق إنتهاكاتها ودعا لضرورة إتخاذ إجراءات لمنع حركة وسفر قادة المليشيا ومحاسبة الدول التي تستضيفهم..
لتمضي الخارجية السودان بذلك في إدارة معركة لا تقل عن المعركة العسكرية وهي تواجه دول ومنظمات وتقاطعات كبيرة ومعقدة في الشأن السوداني مستندة علي تفويض وثقة الشعب والدولة في قدرتها علي إحداث إختراق قوي يعيد ترتيب الأشياء علي طاولة الأحداث في السودان.