ابطال الجيش دخلوا منازل قادة المليشيا.. وردوا على سؤال (الخرطوم حقت منو )..
(دقلو اخوان ).. وتلك قصورهم خَاوِيَةٌ
منازل الترف أصبحت خاوية وأصحابها يجرّون ذيول الهزيمة
عبدالرحيم دقلو من قصر كافوري إلى الخلاء البعيد..
حميدتي يختفي والخرطوم تروي حكاية سقوط الطغاة
المال يُبعثر والقصور تُهجر في مشهد نهاية آل دقلو..
الخرطوم تكشف زيف الطغيان وتسقط عروش آل دقلو
الخرطوم التي تساءلوا عن ملكيتها لقنتهم درس الخسارة..
كتب : رحمة عبدالمنعم
في مشهدٍ يجسّد انتصار الحق وزوال الطغيان، تتهاوى أسطورة آل دقلو، الذين استبدّوا بالمال والسلطة، وظنوا أن حصونهم المنيعة ستصمد أمام عدالة السماء وأيدي الجيش.
بالأمس كان عبدالرحيم دقلو وشقيقه محمد حمدان (حميدتي) يعيشان في قصورٍ مترفة، يُحكمون قبضتهم على الخرطوم، ويُعلنون تمردهم على الدولة بلا وازع. واليوم، باتت قصورهم خاوية إلا من ذكريات الطغيان، بينما هم مطاردون في الخلاء، يجرّون خلفهم أذيال الخيبة والندم.
هذه الحكاية ليست سوى انعكاس للواقع الذي تفرضه عدالة الأقدار، حين تختار أن تُسقط عروش من ظنوا أن المال والسلاح سيمنحهم الخلود، فتعالوا نغوص في تفاصيل سقوطهم، حيث القصور التي شهدت تجبّرهم أصبحت أطلالًا، وحيث الخرطوم التي كانوا يقولون إنها “حقت أبو منو” أثبتت أنها لا تعتد بظالم، وأنها أرضٌ لا تعرف إلا الشرفاء.
صخب الولائم والمجالس:
في قلب ضاحية كافوري، حيث كانت الأيام تتمايل على وقع الأقدام المُترفة، وحيث صخب الولائم والمجالس لا يخفت إلا ليعود أشدّ صخباً، تغيّرت الألوان، وانقلبت المعاني، القصر الذي شيّده المتمرد الهارب عبدالرحيم دقلو بثمنٍ لا يُحكى إلا همسًا خشية الحسد، صار الآن أرضاً مباحة، أسواره التي ظن أنها تحميه من أعين الحُساد وأيدي الأقدار، أصبحت اليوم شاهدة على ذلٍّ ما بعده ذل.
لأعوام ، كان القصر رمزاً لتغوّل المال وقسوة الطغيان ،من داخله، كان عبدالرحيم دقلو يتفاخر بسلطانه المزعوم، بينما يضيق سكان الحي بالضغوط التي مورست عليهم لإجبارهم على مغادرة منازلهم لصالح مقربين منه، لكن الأيام لا ترحم المتجبرين، فحين قرر عبدالرحيم وشقيقه محمد حمدان (حميدتي) أن يتمردا على الدولة السودانية، ويشعلان حربًا ضد الوطن، كانت تلك اللحظة التي حكمت عليهما بالسقوط.
حين اقتحم الجيش القصر، لم يكن مشهد الأموال المتناثرة عادياً ، صالة القصر امتلأت بأوراق نقدية، وكأنها تُحاول عبثاً أن تُثبت قيمة صاحبها، لكنها في الحقيقة كشفت زيفه، فما نفع المال حين يصبح صاحبه مطروداً، هائماً على وجهه في البرية، لا يجد جداراً يستند إليه، ولا أرضاً تُرحب به؟ بواسل الجيش الذين التقطوا تلك الأوراق، ونثروها في الهواء بلا اكتراث، كانوا يُعبرون عن حقيقة واحدة: المال الذي لا يُنفق في حق، يصبح بلا قيمة، تمامًا كصاحبه حين يُسلب منه سلطانه.
عبدالرحيم.. من القصور إلى الخلاء
عبدالرحيم دقلو، الرجل الذي لطالما تباهى بقوته وسلطانه، صار اليوم صورة مأساوية لما يُمكن أن تفعله الأقدار حين تقسو، بالأمس، كان يجلس في قصره المُزيّن، يُصدر أوامره ويُرسل تهديداته ،كان يرى الخرطوم ملكاً له، يردد بلا خجل: “الخرطوم حقت أبو منو؟” ،أما اليوم، فقد أضحى مطارداً في الخلاء، يفترش الأرض ويلتحف السماء. باتت حياته أقرب إلى حياة الهاربين، يهرب من ظله، ويخشى ضربات نسور الجو.
لقد كان تمرده على الدولة هو بداية النهاية ،حين اختار أن يشن حرباً ضد وطنه، لم يكن يدرك أنه يقود نفسه إلى السقوط، الخرطوم التي ظن أنها ملكه، أثبتت له بوضوح أن الأرض لله، يُورثها من يشاء، وأن من يتجبر فيها، ستذله مهما طال الزمن.
حميدتي.. الضجيج الذي خفت
وأما شقيقه محمد حمدان دقلو، قائد مليشيا الدعم السريع، فقد كان يوماً اسماً يرعب، وصوتاً يعلو فوق الجميع، كانت تصريحاته تملأ الدنيا صخباً، وكان حضوره يكاد يُغطي على كل شيء ،لكنه اليوم لم يعد ذلك الصوت الجهوري الذي يُلقي أوامره على الهواء مباشرة ،صار مجرد صوت يأتي من بعيد، صوت مسجل، أقرب إلى رجع الصدى، لا حياة فيه ولا قوة.
كان حميدتي في يومٍ من الأيام يرى نفسه فوق القانون والدولة، تمرده لم يكن مجرد خطأ، بل كان خيانة تُثقل كاهله اليوم، قصره في جبرة، الذي كان أحد رموز سطوته، أصبح اليوم هو الآخر خاوياً ،ابطال الجيش الذين اقتحموا القصر لم يجدوا فيه سوى بقايا ذكرياتٍ زائفة، جدرانه التي كانت تحمل أسرار الطغيان، أصبحت الآن شاهدة على زواله ،حتى تلك العربات القتالية التي كانت تُحيط بالقصر، لم تعد تُرهب أحداً، فقد دمّرها الجيش، كما دمر معها وهم القوة الذي عاشه حميدتي.
حميدتي الذي كان يجوب البلاد مُتفاخراً بنفوذه، بات اليوم شبحاً يختبئ في الظلام ،لا يظهر إلا عبر تسجيلات صوتية تُذكّر سامعيها بأن صاحبها ليس إلا رجلاً فقد كل شيء، يحاول عبثاً أن يُثبت وجوده.
البيوت تسرد قصصها:
قصور آل دقلو، التي كانت بالأمس رموزاً للثراء الفاحش والتجبر، أصبحت اليوم شاهدة على تصاريف الأقدار، في كافوري وجبرة، تقف تلك البيوت خاوية، تُخبر كل من يمر بجانبها عن قصة الطغيان الذي زال. لم تعد تلك الجدران تُخبئ أسرارها، بل أصبحت صفحات مفتوحة يقرأها كل من أراد العبرة.
لقد حكى سكان كافوري عن القصر الذي اشتراه عبدالرحيم بمبالغ خرافية، وعن المنازل المجاورة التي أجبر أصحابها على بيعها وتركها، كان الرجل يسعى لإقامة مملكته الخاصة، حيث لا جيران يُزعجونه، ولا أصوات تُعكر صفو حياته، لكنه نسي أن الأرض لا تثبت لأحد، وأن من يبني مجده على الظلم، سيهدمه الحق عاجلاً أو آجلاً.
اليوم، أصبحت تلك القصور خاوية، لا حياة فيها ولا ضجيج، حتى صخب المليشيا الذي كان يملأ المكان، تبدد، ولم يتبقَ سوى صمتٍ ثقيل، يُذكر كل من يمر بجانبها بحقيقة واحدة: “وتلك الأيام نداولها بين الناس”.
“عبرة لمن يعتبر”..
إن قصة آل دقلو ليست مجرد حكاية عن المال والسلطة، بل هي درس عميق لكل من يظن أن التمرد والخيانة طريق إلى المجد، المال الذي جمعوه، والقصور التي شيدوها، لم تنفعهم حين قرروا أن ينقلبوا على دولتهم، ويشعلوا حرباً ضد وطنهم، خرجوا من قصورهم ليواجهوا مصيرهم في الخلاء، يطاردهم شبح أفعالهم، ويُذكرهم بأن القوة الحقيقية ليست في المال أو الجدران العالية، بل في العدل الذي لا يزول.
فيا من تغتر بزينة الدنيا، تذكّر أن من يختار طريق الغدر والتمرد، قد يُفيق يوماً ليجد نفسه خالي الوفاض، لا مال يُنجيه، ولا قصور تحميه. “قل لمن ظن أن الدنيا دائمة: لا قوة تدوم، ولا عز يبقى، فإن الأيام دولٌ بين الناس”.