أضرار فادحة تضرب القطاعات الحيوية بعد عامين ..
حرب السودان .. الخسائر بالأرقام
أكثر من 250 مليار دولار الخسائر المباشرة للبنية التحتية..
القطاع الصناعي.. 85% من المصانع مدمّرة بالكامل
تدمير ونهب 550 مصنعاً في الخرطوم وحدها..
تريليونات الجنيهات وملايين الدولارات منهوبة من البنوك
خسائر الصناعة 30 مليار دولار. والنفط 20 والتعليم 16 مليارات دولار ..
وزير الصحة : 11 مليار دولار خسائر القطاع الصحي في السودان..
أكبر كارثة تعليمية : 19 مليون تلميذ خارج المدارس…
40% من مؤسسات التعليم في الخرطوم مدمّرة بالكامل
خسائر القطاع الزراعي والحيواني الانية والمستقبلية تبلغ 20 مليار دولار
قطاع الإعلام والثقافة يفقد 140 مليون دولار ومتاحف أثرية تتعرض للنهب
نحو 90 من شبكات ومنشآت الكهرباء الأساسية تعرضت لأضرار متفاوتة،،
تقرير : رحمة عبدالمنعم
في صباح الخامس عشر من أبريل 2023، استيقظ السودانيون على دوي المدافع وأزيز الرصاص في قلب العاصمة الخرطوم، بعد تمرد قوات الدعم السريع وشنها حرب طاحنة على الدولة لتتصدى لها القوات المسلحة ، ومنذ ذلك اليوم، لم تتوقف عجلة الدمار، ولم تقتصر الخسائر على الأرواح والنزوح والمعاناة الإنسانية، بل امتدت لتضرب كافة مفاصل الاقتصاد السوداني، من الصناعة والزراعة والتعليم، إلى الصحة والطاقة والإعلام. عامان من الحرب ألقيا بظلالهما الثقيلة على دولة كانت تواجه تحديات اقتصادية حتى قبل اندلاع المعارك، واليوم تقف على شفا انهيار شامل، وفقًا لتقديرات خبراء الاقتصاد المحليين والدوليين ،وتشير تقديرات إلى خسائر مباشرة في البنية التحتية تتراوح ما بين 250 مليار دولار، وغير مباشرة تفوق 500 مليار دولار، أي نحو 13 مرة من ناتج السودان السنوي البالغ متوسطه نحو 36 مليار دولار.
القطاع الصناعي..حالة انهيار:
ويشكّل القطاع الصناعي العمود الفقري لأي اقتصاد منتج، وقد كان من أوائل الضحايا في الحرب السودانية المستمرة منذ أبريل 2023 ،ووفقًا لتقديرات “مركز التكامل المصري السوداني”، فإن الحرب ألحقت بالقطاع خسائر مباشرة بلغت نحو 30 مليار دولار، جراء تدمير تسع مناطق صناعية رئيسية في ولايات الخرطوم والجزيرة ونيالا، التي كانت تحتضن عشرات المصانع في مجالات حيوية مثل الأدوية، المطاحن، المنتجات الغذائية، الزيوت، النسيج، وغيرها.
في الخرطوم وحدها، تم تدمير ونهب ما يزيد عن 550 مصنعًا، وتفيد التقارير بأن 85% من المنشآت الصناعية باتت خارج الخدمة كليًا أو جزئيًا، ما أدى إلى توقف الإنتاج وفقدان عشرات الآلاف من الوظائف، فضلاً عن انهيار سلاسل التوريد التي كانت تعتمد على هذه المنشآت، المصانع التي لم تُدمّر، تعرضت للنهب أو أصبحت في مناطق حرب يصعب الوصول إليها، وهو ما عمّق من الأزمة الصناعية، وأفقد السودان جزءًا كبيرًا من قدراته الإنتاجية.
القطاع التجاري والمصرفي:
وطال الدمار أيضًا القطاع التجاري والمصرفي، حيث تحوّلت الأسواق الرئيسية في العاصمة ومدنها الكبرى إلى ساحات قتال، أو إلى أطلال بعد عمليات النهب والحرائق. وقدّرت تقارير اقتصادية مستقلة خسائر هذا القطاع بنحو 15 مليار دولار، شملت تدمير عشرات المولات والمراكز التجارية الكبرى، بما فيها أسواق بحري المركزي وسوق ليبيا وسوق أم درمان.
أما القطاع المصرفي، فقد تكبّد خسائر هائلة نتيجة نهب مئات الفروع وتخريب أنظمة الدفع الإلكترونية، إضافة إلى فقدان أرصدة نقدية ضخمة بالعملة المحلية والعملات الأجنبية، وقدّرت مصادر مصرفية أن حجم الأموال المنهوبة من بعض البنوك يصل إلى تريليونات الجنيهات، إلى جانب ملايين الدولارات نقدًا، و ولاتقل خسارة القطاع المصرفي بحسب خبراء عن 20مليار دولار ، الأمر الذي أدى إلى شلل شبه كامل في القطاع المصرفي وأضعف قدرة الدولة على تنظيم الاقتصاد المالي.
النفط والذهب:
وتعرض قطاع النفط السوداني، وهو أحد أهم مصادر الدخل القومي، لضربات موجعة خلال الحرب ،وتشير وزارة الطاقة إلى أن السودان فقد ما يقارب 210 آلاف برميل من الخام، بسبب تدمير المستودعات وخطوط الإمداد في مصفاة الجيلي، إحدى أهم المنشآت النفطية في البلاد. وبحسب البيانات الرسمية، بلغت الخسائر المباشرة في هذا القطاع نحو 20مليار دولار.
وفي سياق موازٍ، شهدت مصفاة الذهب المركزية في الخرطوم حادثة نهب صادمة، حيث فقدت البلاد أطنان من الذهب الصافي، كانت تمثل احتياطيًا استراتيجيًا للعملات الأجنبية، وتعد هذه الخسارة واحدة من أكبر السرقات المنظمة لموارد الدولة في تاريخ السودان الحديث، وتسببت في عجز مباشر في ميزان المدفوعات وزيادة الضغوط على العملة الوطنية.
الكهرباء ..ظلام وارقام
وكان قطاع الكهرباء من أكثر قطاعات البنية التحتية تضررا بالحرب، حيث تعرضت خلال العامين الماضيين معظم خطوط الإمداد ومحطات إنتاج الكهرباء لأضرار كبيرة مما أثر سلبا على الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمات الصحية.
وتسبب قصف مليشيا الدعم السريع بالمسيرات والمدافع في أضرار هائلة بالبنية التحتية للكهرباء، كما تعرضت معظم شبكات وخطوط الإمداد لعمليات نهب واسعة ،وبحسب تقارير صحفية فإن نحو 90 بالمئة من شبكات ومنشآت الكهرباء الأساسية تعرضت لأضرار متفاوتة،،حيث طاول القصف محطة بحري الحرارية التي تسهم بنحو 17 في المئة من إنتاج البلاد للكهرباء والمقدر بنحو 1900 ميغاواط، فضلاً عن تدمير محطة قري، مما أدى إلى خسارة شبكة الكهرباء قرابة 1000 ميغاواط.
وتضرر قطاع الطاقة الكهربائية، وفقد التوليد الحراري والمائي محطاتٍ بلغت سعتها الإجمالية حوالي 700 ميغاواط بما في ذلك محطات التوليد الخاص في ولايات دارفور الكبرى، بالإضافة إلى ذلك تأثرت الخطوط والمحطات التحويلية جراء سقوط القذائف أثناء العمليات العسكرية بخروج حوالي 600 كيلومترًا من خطوط النقل وسعة 1,600 ميجا فولت أمبير من المحطات التحويلية، الأمر الذي أثر على قدرة شبكة النقل وبالتالي مستوى توزيع الكهرباء للمشتركين ،كما تم استهداف محطات وسدود الكهرباء بواسطة المليشيا
وقال مدير عام شركة كهرباء السودان القابضة عبدالله أحمد محمد إن “التقديرات الأولية لخسائر قطاع الكهرباء في أنحاء البلاد كافة تتجاوز المليار دولار”، وأضاف “اتضح من خلال المعاينات الأولية عقب استرداد الجيش للعاصمة أن البنية التحتية للكهرباء تعرضت لدمار وسرقة غير مسبوقة في تاريخ السودان، حيث تم تفكيك المحطات التحويلية للكهرباء ومحولات التوزيع داخل الأحياء والمناطق الصناعية والمزارع، فضلاً عن ضرب أبراج الضغط العالي والمتوسط ،كذلك تعرض المركز القومي للتحكم في الشبكة القومية للتخريب وهو واحد من أحدث مراكز التحكم في القارة الأفريقية
النظام الصحي:..خسائر بالمليارات:
وأصاب الشلل شبه التام النظام الصحي في السودان نتيجة استهداف ممنهج للمرافق الطبية، واستخدام بعضها كثكنات عسكرية، أو تدميرها خلال العمليات القتالية، ووفقًا لتصريحات وزير الصحة السوداني، فإن إجمالي الخسائر في القطاع الصحي قُدرت بنحو 11 مليار دولار. غير أن المندوب السوداني في مجلس الأمن، السفير الحارث إدريس، قدّم أرقامًا أكثر دقة وصلت إلى 11.4 مليار دولار، شملت تدمير أكثر من 100 مستشفى حكومي وخاص، وتعطيل 250 مرفقًا طبيًا في مختلف الولايات.
وفي الخرطوم والجزيرة وسنار وكردفان، خرجت 70% من المنشآت الصحية عن الخدمة، فيما بلغت خسائر مراكز الخرطوم السبعة وحدها نحو 83 مليون دولار. أما الصندوق القومي للإمدادات الطبية، فقد خسر ما يعادل 500 مليون دولار من أصوله، بعد استهداف مخازنه ونهب محتوياته، ما أدى إلى انقطاع حاد في الإمدادات الدوائية والمستلزمات الطبية.
التعليم..دمار شامل :
ولم يكن قطاع التعليم أفضل حالًا، إذ أدّت الحرب إلى حرمان نحو 19 مليون تلميذ من الالتحاق بالمدارس. ووفق وزارة التربية والتعليم، فإن 40% من مؤسسات التعليم في ولاية الخرطوم وحدها، بما يعادل نحو 1500 مدرسة، قد تعرّضت للتدمير الكلي أو الجزئي، وقد تضاعفت هذه الأرقام مع اتساع رقعة العمليات العسكرية لتشمل ولايات دارفور وكردفان والجزيرة.
وبحسب تقارير صادرة عن الأمم المتحدة، فإن أكثر من 5 آلاف مؤسسة تعليمية في السودان تعرضت للتخريب أو الدمار، مما يجعل هذه الكارثة واحدة من أكبر الأزمات التعليمية في العالم المعاصر. وتُهدّد هذه الأزمة بترك جيل كامل خارج منظومة التعليم، مع ما يحمله ذلك من تداعيات اجتماعية واقتصادية عميقة على المدى الطويل.
كما امتدت تأثير الحرب على التعليم العالي ،حيث تضررت 40% من مباني الجامعات والكليات جزئياً أو كلياً،
وقال البروفيسور محمد حسن دهب وزير التعليم العالي إن حوالي 115 جامعة وكلية حكومية وخاصة في ولاية الخرطوم بالسودان، ينتسب إليها نحو نصف مليون طالب، خسرت بنيتها التحتية بنسبة 100%، بالإضافة إلى فقدان الأجهزة، والمعدات، والمكتبات العريقة بهذه الجامعات، بسبب أعمال التخريب والسرقة والنهب ،وقدرت خسائر التعليم العام والعالي بحوالي 16 مليار دولار
الزراعة والثروة الحيوانية:
ويشكّل القطاع الزراعي والثروة الحيوانية أحد أهم دعائم الاقتصاد السوداني، لكنه تكبّد خسائر تقدر بنحو 10 مليارات دولار نتيجة تعطل الموسم الزراعي، وتلف مساحات شاسعة من الأراضي، وفقدان قطعان ضخمة من الماشية، كما ساهم النزوح الجماعي للمزارعين والرعاة من مناطق الإنتاج، والاشتباكات التي دارت في الحقول والمراعي، في تقويض الأمن الغذائي وزيادة معدلات الفقر.
في ولاية الجزيرة وحدها، قُدّرت خسائر الثروة الحيوانية بنحو 3.5 مليار دولار، بعد نهب وتجريف أكثر من 60% من أصولها الحيوانية، كما أدت العمليات العسكرية في إقليمي دارفور وكردفان إلى نفوق آلاف رؤوس الماشية نتيجة القصف العشوائي،، إلى جانب اضطراب حركة الرعي والنفوق الجماعي بسبب شح المياه وانعدام المراعي الآمنة،وتوقفت صادرات الماشية والمنتجات الحيوانية بشكل شبه كامل، مما تسبب في خسائر مباشرة للرعاة والمصدرين، وحرمان البلاد من مورد رئيسي للعملات الأجنبية
وتشير الارقام والاحصائيات إلى ان القطاع الزراعي بشقيه الحيواني والنباتي الحقت به خسائر آنية وخسائر مستقبلية بلغت أكثر من 20 مليار دولار.
الإعلام والثقافة:
ولم ينجُ قطاع الإعلام والثقافة من آثار الحرب، إذ تعرضت مقرات ومؤسسات إعلامية للتدمير أو الإغلاق القسري، وأصيب أرشيف البلاد الثقافي بأضرار جسيمة. وتشير التقديرات إلى أن خسائر القطاع الإعلامي والثقافي بلغت نحو 140 مليون دولار، من بينها 30 مليون دولار خسائر مباشرة بمبنى الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون.
وكشف وزير الثقافة والإعلام خالد الإعيسر أن التقديرات الأولية لأضرار قطاع الثقافة والسياحة والآثار تبلغ 110 ملايين دولار. ومن بين أبرز الخسائر، تعرّض 20 متحفًا للنهب أو التدمير، من بينها المتحف القومي، القصر الجمهوري، متحف السلطان علي دينار، المتاحف الحربية، ما مثّل ضربة قاصمة للذاكرة التاريخية والتراثية للسودان.
كلفة الحرب الكلية:
وتشير التقديرات الإجمالية إلى أن الحرب في السودان خلال عامين تسببت في خسائر مباشرة بلغت 250 مليار دولار، وغبر مباشرة قدرت بحوالي 500مليار دولار،وأدخلت البلاد في مرحلة “الاقتصاد المنهار”. وباتت مؤشرات الاقتصاد الكلي تشير إلى وضع كارثي، مع انهيار
العملة الوطنية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وتآكل مدخرات المواطنين، وانعدام الخدمات الأساسية في معظم أنحاء البلاد.
ويؤكد خبراء الاقتصاد أن إعادة الإعمار تحتاج إلى خطة وطنية شاملة واستثمارات بمليارات الدولارات، إلى جانب دعم دولي واسع، ومع استمرار الحرب، وتعمّق الانهيار، أصبح السودان في حاجة ماسة إلى مشروع وطني متكامل، لا يكتفي بالحلول السياسية، بل يعالج الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والتنموية، حتى لا تتكرر المأساة من جديد.