هناك فرق
مني أبوزيد
الجنرال في متاهته..!
*”نحن مواطنون ولسنا حقول تجارب”.. الكاتبة..!*
نشرت صحيفة سودانايل حواراً منسوباً إلى صحيفة الشرق الأوسط مع اللواء فضل الله برمة ناصر، رئيس حزب الأمة القومي، قال فيه إن المجموعة الموالية للحكومة في بورتسودان، التي تضم عدداً من نواب الحزب، قد خرجت عن خطه السياسي برفضها الوقوف على مسافة واحدة من طرفي الصراع..!
“أمهلناهم وقتاً للتراجع عن موقفهم وعدم مساندة حكومة بورتسودان والإسلاميين، ونحن بصدد اتخاذ قرارات بفصلهم جميعاً من الحزب، ولن يؤثر ذلك أو يؤدي إلى أي انقسام داخل حزب الأمة”..!
“مجموعة حزب الأمة المنضوية في التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة، صمود، برئاسة عبد الله حمدوك، يتفقون في الأهداف والخطوط العريضة معنا في تحالف تأسيس، لكنهم يختلفون في الوسائل، لأن هذا التيار يرى أن تشكيل حكومة في نيالا سيؤدي إلى تقسيم السودان. نحن كلنا ضد الحرب، لكنها لن تقف إلا بعمل عسكري وسياسي”..!
هذه التصريحات بمواقف الحزب التي تنطوي عليها تصلح لأن تكون درساً تطبيقياً في فن التكيف اللحظي المفاجيء مع اتجاهات الريح المتغيرة، حتى وإن كانت تلك الريح صادرة عن مروحة صدئة تدير هواءاً فاسداً في غرفة مغلقة..!
إذن هنالك مجموعة سوف تتم معاقبتها لأنها قد خرجت عن الخط السياسي برفضها الوقوف على مسافة واحدة من طرفي الصراع. لا مكان إذن للميوعة السياسية هنا، ولا للتأويل، فالقرار جاهز، والتهديد بالفصل معبأ في قنينة الجنرال الرئيس، ميليشي الهوى والهوية..!
بينما هناك تيار آخر من ذات الحزب، منضوٍ في تحالف صمود، يختلف مع رئاسة الحزب في الوسائل، بينما يتفق معها في الأهداف والخطوط العريضة. إذن مع صمود المدعية للحياد يصبح الخلاف في الوسائل مجرد “تنويع موسيقي” على لحن سياسي، يمكن التعايش معه بلا توتر..!
ثم أن رئيس الحزب الذي يؤكد أنهم “كلهم ضد الحرب” يقول إنها “لن تقف إلا بعمل عسكري وسياسي”. فهل هذه معادلة رياضية، أم لغز فلسفي بشأن “كيفية إيقاف المطر عبر صناعة المزيد من الغيوم”. وإذا كان الطريق لإيقاف الحرب هو استمرار الحرب، فنحن أمام عملية جراحية فريدة “إيقاف النزيف بتعميق الجراح”..!
المشكلة ليست في طبيعة الموقف بحد ذاته، بل في خطل المنطق الذي تتم من خلاله عملية توزيع صكوك الالتزام الحزبي. جماعة الحزب الموالون لبورتسودان يعاقَبون لأن موقفهم لا ينسجم مع تموضع الحزب الحالي، بينما يتم التسامح مع جماعة صمود لأن الاختلاف معهم لا يهدد معسكر الحلفاء. المبدأ إذن ليس حجراً ثابتاً في نهر حزب الأمة بقيادة الجنرال برمة، بل عوامة تطفو حيث يقرر التيار..!
هذه الازدواجية ليست جديدة على حزب الأمة، لكنها تظل مؤلمة لأنها تأتي في ظل هذه الحرب، من حزب له تاريخ طويل في تشكيل الوعي وإعادة ترتيب السياسي..!
حين يُدار الخلاف بمكيالين، يضعف الإيمان بالمؤسسات، ويصبح الانتماء الحزبي أشبه بعضوية نادٍ موسمي، المصيف في الشتاء، والمشتى في الصيف، وكل موسم له قواعده..!
ولأن السياسة – في النهاية – ليست خطبة عصماء، بل سلسلة قرارات تحكمها موازين القوة، فإننا لا نلوم السياسي على تعديل مواقفه وفق المستجدات، لكننا نطالبه بالحد الأدنى من الانسجام مع نفسه. وإلا فإن “الخط السياسي” سيصبح مثل خط الكف في يد قارئة طالع مُستهبلة، يمكن تفسيره في أي اتجاه، وبحسب المزاج، وعلى قدر الثمن..!
ربما كان الأجدر بفضل الله برمة ناصر أن يصيغ بيانه بصراحة أكبر “نحن مع وحدة الموقف حين تخدم مصلحتنا، ومع تنوع الآراء حين لا تضر بموقفنا”، على الأقل كان ذلك سيجنبنا محاولة فهم هذه التوليفة المستحيلة بين رفض الحرب والإيمان بأنها لن تنتهي إلا بمعارك جديدة!.
munaabuzaid2@gmail.com