بعد عامين من التيه والشتات، بدأت الرجوع ..
قوافل النازحين ..موسم العودة إلى الديار
396 ألف نازح يعودون إلى ديارهم بين ديسمبر 2024 ومارس 2025
سنار والجزيرة تستقبلان معظم العائدين بعد تحريرهما بالكامل
قوافل العودة انطلقت من نهر النيل وكسلا وبورتسودان نحو سنار ..
أكثر من 72 ألف سوداني يعودون من مصر خلال الربع الأول من 2025
معبر أشكيت استقبل 87% من حركات العودة، وأرقين 13%.
الجيش يستعيد العاصمة الخرطوم ويُمهد طريق العودة للآلاف
تقرير : رحمة عبد المنعم
بعد عامين من الحرب الطاحنة والنزوح القسري الذي شتّت ملايين السودانيين داخل الوطن وخارجه، بدأت الحياة تدبّ من جديد في ولايات سنار والجزيرة والعاصمة الخرطوم، مع عودة آلاف الأسر إلى مناطقها الأصلية، عقب تحريرها من سيطرة مليشيا الدعم السريع على يد القوات المسلحة. مشاهد العودة الطوعية التي اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي، وارتال الحافلات المنطلقة من مدن السودان والوافدة من دول الجوار، أحيت الأمل في وطن ما زال يتلمّس طريق التعافي من جراحه الغائرة.
نزوح قاسٍ وبداية موجعة
وتعود فصول المأساة إلى منتصف أبريل 2023م، حين أشعلت مليشيا الدعم السريع فتيل الحرب عبر تمرد مسلح على الدولة، أدّى إلى تسارع العمليات القتالية وتوسّع رقعة الدمار، مما أجبر الملايين على هجر ديارهم. وخلال عام واحد فقط، عبر أكثر من 1.5 مليون سوداني الحدود إلى مصر، التي استقبلت النسبة الأكبر من اللاجئين، فيما فرّ آخرون إلى دول مثل تشاد وجنوب السودان. وتشير تقديرات المنظمة الدولية للهجرة إلى أن عدد النازحين داخلياً والخارجين من السودان قد تجاوز 12 مليون شخص.
لكن پعد مرور عامين من الحرب ، عاد نحو 396,737 سودانياً إلى مناطقهم بين ديسمبر 2024م ومارس 2025م، معظمهم إلى ولايتي سنار والجزيرة، عقب استعادتهما من قبل الجيش في ديسمبر ويناير الماضيين على التوالي.
العودة الطوعية.. تنظيم وتفاعل
وبدأت أولى دفعات العودة الطوعية في أواخر نوفمبر 2024م، من ولايات نهر النيل والقضارف و وكسلا والبحر الأحمر باتجاه مدن سنجة والسوكي بولاية سنار، ضمن خطة تنسيقية محكمة بين السلطات المحلية والمنظمات الإنسانية، هدفت إلى تأمين العائدين وتوفير الدعم اللوجستي والخدمات الأساسية.
وفي ولاية الجزيرة، التي استعادت أنفاسها عقب تحرير ود مدني، نظّمت ولاية البحر الأحمر رحلات أسبوعية من بورتسودان إلى مدن الجزيرة عبر 100 حافلة، بواقع 20 حافلة تنطلق كل يوم اثنين، في جهد يعكس تضافر الجهود الشعبية والرسمية.
ولاقت مشاهد العودة تفاعلاً واسعاً على منصات التواصل، حيث تداول النشطاء صوراً ومقاطع مصوّرة توثق لحظات وداع مدن النزوح، وعبارات ملؤها الأمل، أبرزها: “يعودون اليوم والسودان ينتصر… فهنيئاً لهم”.
الخرطوم.. عودة إلى القلب
وفي العاصمة الخرطوم، التي استعادت القوات المسلحة السيطرة الكاملة عليها بعد معارك ضارية، بدأت حركة العودة بوتيرة متصاعدة، رغم حجم الدمار الهائل الذي طال البنية التحتية والمرافق الحيوية ،وبحلول الربع الأول من عام 2025م، برزت موجة عودة كبيرة من مصر، حيث سجلت المنظمة الدولية للهجرة عبور أكثر من 72 ألف سوداني من معبر أرقين خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام، وهو رقم يفوق بعدة أضعاف مجموع العائدين خلال عام 2024م بأكمله.
العاصمة الخرطوم، التي كانت وما زالت رمزاً للسيادة والوطن، بدأت تستعيد عافيتها تدريجياً، عاد المواطنون إلى أحيائهم في بحري وشرق النيل وأم درمان، رغم ما تركته الحرب من ندوب في الجدران والذاكرة ،وهذه الأرقام الوارة في تقرير الهجرة الدولية تحمل دلالات تتجاوز الإحصاء، فهي تعبّر عن إرادة شعب يتمسك بجذوره، ويصرّ على العودة إلى الوطن رغم الخراب والتحديات.
أرقام وإشارات أمل
وبحسب مصفوفة تتبّع النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة، بلغ عدد العائدين من مصر إلى السودان خلال الفترة من يناير 2024م إلى مارس 2025م نحو 114 ألف شخص، ما يشير إلى منحى تصاعدي واضح في حركة العودة، مع تضاعف الأعداد الشهرية خلال الربع الأول من عام 2025م مقارنة بعام 2024م.
وتتوقع المنظمة استمرار هذا الاتجاه الإيجابي في ظل تحسن الأوضاع الأمنية وازدياد التنسيق الإنساني والرسمي، بما يُنذر ببداية مرحلة جديدة من إعادة الإعمار والاستقرار.
لكن التفاؤل لا يحجب حجم التحديات. فالكثير من العائدين اصطدموا بواقع مرير، حيث البنية التحتية مدمرة، والخدمات الأساسية شبه غائبة. كما أن الأعباء الاقتصادية والنفسية تثقل كاهل العائدين، الذين يفتقرون إلى سكن آمن ومدارس ومرافق صحية.
ولا تزال جهود الحكومة السودانية والمنظمات الشريكة بحاجة إلى تعزيز وتوسيع، لاستيعاب هذا الحراك السكاني الضخم، وتوفير بيئة آمنة تضمن استدامة العودة.
إرادة شعب لا تُكسر
وفي ظل هذه الظروف القاسية، تظل عودة السودانيين إلى ديارهم شهادة على عزيمتهم وصلابتهم. فقد غلبوا الحرب والشتات، وعادوا بأمل جديد ليعيدوا بناء الوطن، حجراً حجراً. وهي عودة لا تعبّر فقط عن توقٍ للديار، بل عن تمسّك بالهوية ورفض للانكسار.
الخرطوم، التي صمدت رغم الألم، تقود الآن مسيرة التعافي، وتبعث برسالة إلى كل ربوع السودان: أن لا حرب يمكن أن تُطفئ نور الانتماء، ولا قوة قادرة على اقتلاع حب الوطن من صدور السودانيين.






