حاحب الدهشة
علم الدين عمر
النهود..رغم الألم تسقط المدن ولكنها لا تنهار!!
في زحمة الحروب يغدو الإنسان هشاً تتقاذفه الآلام والآمال معاً كأنما يختبئ في قلبه طفل صغير يرتجف من أبسط الأصوات..فيدهمه دوي المدافع.. وصراخ النساء..وأنين المدن وهي تُغتصب في وضح النهار..
لم يعد بوسعنا أن نندهش..فهذا من ترف المواقف لقد سقطت الدهشة من مشاعرنا وتهشمت مرآتها في أزقة الخرطوم وتشظت تحت أقدام الوجع في ود مدني واليوم… تئن في النهود.
النهود.. عاصمة إمارة دار حمر.. مدينة الزهو والبأس والكرامة.. سقطت.. نعم..لكنها لم ترفع الراية البيضاء.. السقوط في زمن الحرب ليس نهاية.. بل جولة عابرة السقوط كان مؤقتاً… مؤلماً… لكنه لم يُطفئ جذوة الكبرياء في صدور أهلها.
ففي النهود كما في الجزيرة لم يكن المواطن ضحية صامتة.. هناك أنتفض الناس وواجهوا بصدورهم العارية منازلهم وهي تُنهب و أحلامهم وهي تُغتال.. ووقفوا كالأُسد يقاومون بطريقتهم.. يقاتلون بما تيسر من وعي وشجاعة.
وكما في الأبيض التي رفضت أن تنكسر رغم وحشية الحصار.. وكما في فاشر السلطان حيث سُطرت فصول من الصمود الأسطوري..تسقط المدن لكنها لا تنحني… تهتز لكنها لا تنهار.
إنها الحرب، تلك التي يشنها اليأس.. والمليشيا التي تدفعها الوحشية لتوسيع رقعة الخراب و القتل و التشريد..الإنتهاكات ليست أهدافاً عسكرية بل أدوات قذرة لتركيع إرادة المدنيين لكن التاريخ يقول إن إرادة هذا الشعب لا تُركع..
من الخرطوم إلى الجزيرة ومن الأبيض إلى الفاشر والآن في النهود تتشكل خارطة مقاومة لا تهزمها المليشيات بل تُهزم بها.
سقطت النهود؟ نعم… لكنها ستنهض.
سُرقت اللحظة؟ ربما… لكن المستقبل ما زال ملكًا لمن يقاتل من أجل الحق.
فرسان دار حمر مثل بقية قبائل السودان الأصيلة لا يبيعون الأرض ولا يفرطون في العرض. سيوجهون غضبهم كما وجهه من قبلهم في مدني والأبيض والفاشر ليكون وقوداً في معركة الخلاص الوطني.
مع القوات المسلحة وبقية التشكيلات الوطنية سيتحول الألم إلى فعل والغضب إلى تحرير..
سينتفض فرسان دارحمر لأجل تلك النظرة الغائرة العميقة في عيني الأمير عبدالقادر منعم منصور وهو يربض كالأسد الجريح في مكمنه يتفحص فريسته ريثما ينقض عليها ..
سينتفض السودان كله مثلما فعل مك البوادرة متوكل دكين وهو يعلن الإستنفار غضبة لحرائر حمر مثلما فعلها تجمع القبائل السودانية مع دار أندوكا من قبل ..
ستُسحق هذه المليشيا الغاشمة تحت أقدام الشعب وقواته المسلحة وبقية القوي المنضوية تحت لوائها وستعود النهود آمنة مستقرة تشع علماً وثقافة كعهدها.