مسافات
جدية عثمان
نزرع وردًا… لنُعمّر وطنًا
في مشهدٍ بسيط لكنه شديد الرمزية، ظهر الدكتور كامل إدريس وهو يوزّع الورد داخل الطائرة التي أقلّته إلى السودان. مشهد حمل في طيّاته لغة لا تحتاج إلى ترجمة، لكنه – ككل فعل جميل في زمن الضجيج أثار الجدل.
تفاوتت الآراء على وسائل التواصل الاجتماعي بين مستحسن وناقد، بين من رأى الورد في غير مكانه، وبين من تأمل في الوردة أنه سلوك حضاري. قيل: “كيف نوزع الورد والسودان في هذا الحال؟”، وقيل: “ما وقت الفرح!”، وقيل الكثير… لكن الحقيقة التي يجب أن تُقال: الورد ليس ترفًا، بل تعبير عن إيمان عميق بأن الجمال بداية التغيير، وأن التعمير يبدأ من الداخل.
توزيع وردة قد يبدو تفصيلًا صغيرًا، لكنه يحمل معنى كبيرًا؛ إنه تقدير للجمال، وبداية لإصلاح ما أفسدته سنوات الحرب. فالذي يهدي وردة يبعث في النفوس إشارات من السلام، ويؤمن أن بناء الوطن لا يتم فقط بالإسمنت والحديد، بل أيضًا بالنظافة، بالذوق، وبالإحساس بالإنسان.
تقدير الجمال ليس خيانة للواقع، بل هو تمرد على القبح المفروض. كل شعوب الأرض تزرع الورد، وتهديه حتى في لحظات الحزن والموت. لأنه ليس فقط للفرح، بل للوفاء، وللأمل، وللسلام الداخلي. فما الذي يمنعنا نحن في السودان أن نجعل من الورد رسالة؟ لماذا لا نبدأ إعادة بناء الوطن بزرع الزهور في نفوسنا قبل أن نزرعها في الأرض؟
إن سلوك الدكتور كامل إدريس يحمل في جوهره قيمًا إنسانية عميقة: الامتنان، الأمل، والرقي. وهي القيم التي يجب أن نتبناها في سودان ما بعد الحرب. فالجمال يبدأ من النفس، والنظافة تبدأ من الذوق، وعمارة الوطن تبدأ من احترام الإنسان لذاته وللآخر.
دعونا نهدي الجمال قبل القبح، ونزرع الورد بدلًا من أن نغرس الأشواك. دعونا نُعلي من قيمة النظافة النفسية والشخصية، فهي التي تُشكّل سلوكنا، وتُطهر البيئة من أمراضنا الداخلية قبل أمراض الصحة العامة و الكوليرا ازال الله البلاء..
مسافات …جدية عثمان
لندن ..مايو 2025