صادف السبت الماضي ذكرى إستشهاده الثانية .. إغتيال خميس أبكر .. “جريمة” غيرت مجري الحرب..

صادف السبت الماضي ذكرى إستشهاده الثانية ..

إغتيال خميس أبكر .. “جريمة” غيرت مجري الحرب..

القتل والتمثيل بالجثث.. مشاهد من جرائم وثقها الجنجويد بانفسهم..

إغتيال أبكر مثل بداية لمرحلة أكثر دموية في حق شعب المساليت..

تواطؤ وتغاضٍ دولي.. والمليشيا تواصل جرائمها في كل مكان..

الذكرى الأليمة تكشف جانباً من فظائع الإبادة والتطهير العرقي..

إبراهيم الصديق: ” مساواة الجيش بالمليشيا خيانة أخلاقية وإنسانية”..

الكرامة-علم الدين عمر

في الرابع عشر من شهر يونيو 2023م والتى وافقت ذكراها الثانية (السبت الماضي) أهتزت مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور على وقع جريمة مروعة صدمت السودانيين والعالم بأسره.. المدينة شهدت واحدة من أبشع جرائم القتل العلني والإنتهاك الإنساني الموثق.. حين أقدمت مليشيا الدعم السريع المتمردة على إغتيال رئيس التحالف السوداني ووالي غرب دارفور الشهيد خميس عبدالله أبكر الذي كان يسعي لحقن الدماء وتجنيب الولاية وأهلها حملات القتل الممنهج التي أعملتها المليشيا في مشهد لا تزال ذاكرة البلاد تأن من ذكراه وتفاصيله.

إختطاف علني وجريمة موثقة..

في صبيحة ذلك اليوم داهمت مجموعة مسلحة تتبع لمليشيا الدعم السريع مكتب الوالي خميس أبكر واقتادته قسراً إلى أحد مقارها في المدينة وخلال ساعات قليلة ظهر في مقطع مصور متداول برفقة القيادي في الدعم السريع عبد الرحمن جمعة الذي كان يدعي صداقة الوالي، ويعمل تحت مظلته وحمايته قبل أن يُردىه قتيلاً بوابل من الرصاص على الهواء مباشرة في مشهد غدر وخيانة أذهل المراقبين وأسقط في أيدي داعمي المليشيا التي لم تكتف بالقتل.. بل عمدت إلى رمي جثمانه في الشارع.. حيث تم العبث به وسحله علناً من قبل جنود المليشيا وبعض المواطنين والأطفال من الذين تم التغرير بهم في هذا المشهد الدموي الصادم.. قبل أن يُعلّق على شجرة في أبشع صور التاريخ الدموي.

بعد الجريمة..مذبحة على الهوية..

لم يكن إغتيال خميس أبكر إلا بداية لمرحلة أكثر ظلاماً ودموية في حق شعب المساليت ومواطني غرب دارفور إذ شهدت الأيام التالية مدينة الجنينة حملة إبادة ممنهجة إستهدفت السكان على أساس الهوية القبلية.. وأنتشرت وحدات الدعم السريع والمليشيات الموالية لها في الأحياء.. تعتقل وتقتل الرجال من قبائل محددة داخل المنازل والشوارع والمستشفيات..
تم تصفية آلاف المدنيين العزل بدم بارد وفقاً لتقارير منظمات حقوقية دولية وشهادات ناجين..وبلغ التوحش مداه حين تم قتل أسر كاملة..وإحراق الأحياء بعد تفريغها من سكانها.

تهجير النساء والأطفال.. مأساة إنسانية غير مسبوقة..

أمام الرعب والقتل العشوائي إضطر عشرات الآلاف من النساء والأطفال والشيوخ إلى الفرار من المدينة سيراً على الأقدام باتجاه الحدود مع تشاد..و تكدسوا في معسكرات اللجوء في ظروف مأساوية تفتقر لأدنى مقومات الحياة..
وتُشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 150 ألف نازح من الجنينة وحدها دخلوا إلى الأراضي التشادية خلال أسابيع.. بينما ظلت الجثث في شوارع المدينة لأيام دون دفن.. وسط تعتيم كامل وانقطاع للإتصالات.

شاهد على وحشية ممنهجة..

لم تكن الجنينة سوى البداية،..إذ تمددت جرائم المليشيا بعد ذلك إلى مناطق مثل فنقوقة، هبيلا ومناطق واسعة من السودان قبل أن يتم دحرها وبقيت إنتهاكاتها في الخرطوم والجزيرة وكردفان ودارفور و في كل منطقة دخلتها شاهدة علي ذلك ..إذ كان الدم والخراب والمجازر هي السمة السائدة.

وبينما تروج بعض الأصوات لمعادلة باطلة بين الجيش و المليشيا.. يرى مراقبون أن ذلك يشكل شراكة غير مباشرة في الجريمة.. وتغطية سياسية لما هو في جوهره عمل عسكري فوضوي خارج عن كل القوانين والأعراف الدولية والإنسانية.
الكاتب الصحفي الدكتور إبراهيم الصديق علي يقول أن “جريمة إغتيال الوالي خميس أبكر كانت النقطة الفاصلة في كشف الوجه الحقيقي للمليشيا..وطبيعتها القائمة على القتل العلني وبث الرعب والتنكيل” وأضاف:
إن أي محاولة لمساواة القوات المسلحة السودانية بهذه المليشيا المتمردة هي خيانة أخلاقية وإنسانية وتواطؤ صريح مع مشروع الهدم والتمزيق..
وأكد الصديق أن الحفاظ على الذاكرة الجمعية لتلك الجرائم أمر ضروري لضمان عدم تكرارها ..ولإبقاء ملف الإنتهاكات مفتوحاً أمام أي عملية عدالة إنتقالية مستقبلية.

تشوه في ذاكرة الإنسانية..

في ذكرى اغتيال خميس أبكر.. لا بد أن تبقى صور الجريمة المروعة حاضرة في الأذهان..ليس فقط كدليل على همجية المليشيا.. بل كتوثيق لمرحلة سوداء من تاريخ السودان المعاصر يجب أن يُحاسب فيها كل من تورط أو تغاضى أو سكت..فقد دفع السودانيون وقواتهم المسلحة فاتورة هذه الحرب بالكامل وبدأت ملامح نهايتها تشكل بداية الإلتفاف التام حول البرنامج الوطني العام والنهوض من بين أنقاضها.